الجدل الحادث حول إشكالية الطلاق عند المسيحيين يكشف أهمية التروي في تناول هذه الأزمة, ولا تصلح معها الحدة في طرح الرؤي, ولا يمكن بحال قبول الدعوة بإطلاق' حق التطليق' بدون ضوابط وأطر تتفق مع الإيمان المسيحي, ومع حماية الأسرة من التفكك والإنهيار, في ضوء الغاية العظمي للمسيحية وهي خلاص وأبدية الإنسان, الفرد والجماعة. وكما قلنا وأكدنا مرارا في غير ملل إن الزواج يقوم ليبقي وانقضاؤه تطليقا أو انفصالا هو استثناء يرد علي الأصل, لكننا لا نستطيع أن نغفل الواقع المعاش في ظل علاقات متباينة ومعطيات إنسانية متداخلة, وتراجع مخيف لمؤسسات التنشئة وربما تقاعس في أداء واجباتها, الاسرة والكنيسة والمدرسة والإعلام, والذي اسهم بوفرة في غياب التوافق الأسري عند طالبي الطلاق.وقد نتفهم تشدد بعض القيادات الكنسية في تضييق سبل الطلاق, لكننا في ذات الوقت لا يمكننا إغفال تقصيرها الرعوي السابق واللاحق حيال الأسر المسيحية, لحساب مهام لم تكن يوما ضمن اجندتها الرعوية, بعد أن استبعدت الدور العلماني في منظومة الرعاية, بالمخالفة لرؤية وفكر وفعل الآباء الرسل, عندما انتبهوا لأهمية توزيع الأعباء فدعوا الشعب للمشاركة الإيجابية عبر خدمة الشمامسة والأراخنة, ليتفرغوا هم لخدمة الكلمة, كما يخبرنا بذلك سفر أعمال الرسل, وعندما تم إغفال هذه المشاركة فعلا لا شكلا تراجعت خدمة الكلمة وتراجعت خدمة الأسر, وزاد الأمر سوءا عندما اطلت علينا ظاهرة تعقب المستنيرين من الخدام إكليروسا وعلمانيين وملاحقتهم بسلسلة من الإتهامات طالت سمعتهم أو صحة ايمانهم, فخرج بعض, واستبعد بعض, وكانت الرءوس الطائرة رسالة ملغومة وواضحة لكثيرين, فانزوي البقية في ركن قصي, لينهمكوا في نشاطات موازية كمن يحفر آبار ماء مشققة لا تضبط ماء, أو يتحولون الي الإنكباب علي الاعمال الإنشائية في تغيير جدران وارضيات وأوجه كنائسهم أو في انشاء دور الخدمات الملحقة بها, يستهلكون طاقتهم وربما اعمارهم وتهلك رعيتهم دون أن تدري, ويستريح كل الأطراف. وكان لابد والحال هكذا, أن تتسع رقعة المشاكل الأسرية, التي ترجع في جزء كبير منها إلي عدم معرفة كل طرف للآخر معرفة حقيقية, يدخل فيها التدليس وإخفاء حقائق جوهرية وغيرها من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلي بطلان عقد الزواج, وهو ما تقره الكنيسة قبل الأزمة وبعدها وفق ما أوردته في مشروع القانون المقدم منها متعلقا بالأحوال الشخصية للمسيحيين. ومعني البطلان في إيجاز' إعتبار الزواج كأن لم يكن' وهو أمر يقودنا إلي طرح سؤال لمن يتمسكون بأن إجراء طقس الزواج هو صك إلهي بأن هذا الزواج قد جمعه الله علي إطلاقه, ألم يتم هذا الزواج وفق الطقوس الكنسية فيما يعرف في الكنائس التقليدية ب' سر الزيجة' ؟, فكيف نقضي ببطلانه لأسباب تتعلق بالبشر وأخطائهم ؟, هل يبقي تفعيل هذا السر معلقا علي شرط ؟, ألسنا هنا أمام مناقضة عسرة الفهم؟. فإذا قلنا أن الكنيسة وقعت فريسة لإخفاء معلومات جوهرية عنها, نكون أمام سؤال أكثر إيلاما, ألا يشير هذا الي قصور الرعاية مرة أخري, في ضوء مفهوم الجسد الواحد ودور الكاهن فيه, الذي يعرف خاصته ويناديها بأسمائها وفقا لتدبير السيد المسيح ووصفه للراعي الصالح؟. ما جمعه الله يتأسس علي المحبة, التي هي الله نفسه, بحسب تعبير القديس يوحنا اللاهوتي في رسالته الأولي فصل4: ايها الاحباء لنحب بعضنا بعضا لان المحبة هي من الله وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله ومن لا يحب لم يعرف الله لان الله محبة. فسر الزيجة يعلن حضور الله الذي يربط الزوجين ليصيرا جسدا واحدا في المحبة, فإذا رفضا حضور الله بإصرار, واستبدلا بالمحبة البغضة والكراهية إلي أن إستحالت العشرة بينهما, يكونان قد أكدا انشقاق ما جمعه الله, بعد أن فارقهما روح الرب, ألم يحذرنا القديس بولس من إطفاء الروح بداخلنا' لا تطفئوا الروح.' الرسالة الي كنيسة تسالونيكي فصل5, إلا نصلي يوميا سبع مرات لله أن لا ينزع روحه القدوس منا( قلبا نقيا اخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد في داخلي,.لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني) بحسب المزمور الخمسين في مقدمة صلوات الأجبية( كتاب السبع صلوات اليومية). من جانب آخر يبقي من غير المبرر أن نفرق بين اسباب البطلان بحسب توقيتها, فيعتد بها إذا كانت قائمة قبل الزواج وتم إخاؤها, وبين ورودها بعد الزواج, والتي أوردها مشروع القانون نصا: مادة25: لا يجوز الزواج في الأحوال الآتية: 1 إذا كان لدي أحد طالبي الزواج مانع طبيعي أو مرضي لا يرجي زواله يمنعه من الإتصال الجنسي كالعنة والخنوثة والخصاء. 2إذا كان احدهما مجنونا. 3 إذا كان أحد الطرفين مصابا بمرض يجعله غير صالح للحياة الزوجية وقد اخفاه عن الطرف الآخر كالسل والزهري والجذام ولم يكن الطرف الاخر يعلم به وقت الزواج. يقولون في تبرير ذلك; أن من واجبات الزوج قبول وتحمل ما يطرأ علي الزوج الآخر بعد الزواج لأن الزواج شركة تستوجب المشاركة في السراء والضراء, وهو تخريج تأملي صادر عن رؤية روحية تفترض التساوي في القامات الروحية, ولا تلتفت الي التفاوت الطبيعي بين البشر, والذي قد يؤدي إلي هلاك الطرف الآخر لعدم احتماله, وتكون النتيجة المنطقية, إما أن يسعي ذلك الطرف للتخلص من الآخر بشكل من الأشكال, أو البحث عن علاقة غير سوية خارج مؤسسة الزواج, أو تعريض حياته للخطر وربما الموت, فهل هذا هو ما تريده جبهة التشدد لصالح النص, ومرة أخري ألا يصطدم هذا مع سعي الكنيسة ان الجميع يخلصون ومع ما سبق واشرنا اليه في قول السيد المسيح فلو علمتم ما هو.اني اريد رحمة لا ذبيحة.لما حكمتم علي الابرياء.( مت12:7) ؟!. ويبقي من دلالات كفاءة الخدام( الإكليروس) بحسب القديس بولس مدي قدرتهم علي العمل بروح الإنجيل وفهم النص في ضوء هذه الروح الكلية بقوله( الذي جعلنا كفاه لان نكون خدام عهد جديد.لا الحرف بل الروح.لان الحرف يقتل ولكن الروح يحيي الرسالة الثانية الي كورنثوس3:6. ويبقي السؤال هل ما جمعه الله يفرقه البطلان؟!. زاد الأمر سوءا عندما أطلت علينا ظاهرة تعقب المستنيرين من الخدام إكليروسا وعلمانيين وملاحقتهم بسلسلة من الاتهامات طالت سمعتهم أو صحة ايمانهم. أن من واجبات الزوج قبول وتحمل ما يطرأ علي الزوج الآخر بعد الزواج لأن الزواج شركة تستوجب المشاركة في السراء والضراء. [email protected]