فوجيء الناشرون وجمهور المثقفين في مصر قبل يومين بصدور فتوي من دار الإفتاء المصرية بتحريم نشر الكتب علي المواقع الإلكترونية بدون موافقة من صاحب الكتاب ودار النشر الصادر عنها, وأثارت الفتوي جدلا كبيرا بين الناشرين لأنها جاءت بناء علي طلب رئيس اتحاد الناشرين محمد رشاد الذي تولي مهامه قبل أكثر من شهرين وجاء رفض الناشرين والمثقفين علي قاعدة الخوف من ان تكون الفتوي الجديدة بابا لتدخل الأزهر والكنيسة في قضايا الفكر والإبداع. الأهرام المسائي واجهت محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين المصريين بتلك المخاوف في حوار هنا نصه: * لماذا لجأ الاتحاد للمؤسسة الدينية لحل مشكلة التعدي علي الملكية الفكرية وهي مشكلة يمكن ان تحل بالتشريعات وبالجهات الي يخول لها القانون تلك المسئولية؟ لجأ الاتحاد إلي دار الإفتاء بعدما فاض الكيل بسبب تفشي آفة القرصنة علي الكتب الورقية ثم القرصنة الإلكترونية ولأننا نعتقد ان تلك القرصنة هي أكبر المخاطر التي تهدد صناعة النشر في الوطن العربي وخاصة النشر في مصر, لأن الناشر هو الموكل إليه حمل فكر المؤلفين والكتاب للعالم في الداخل والخارج, والمعروف ان الإبداع المصري هو الميزة التنافسية التي لا يوجد مثيل في العالم العربي ولذلك لابد من حمايتها مثلما نحمي بقية الصادرات, وتشكيل رأي عام لصالحنا, وقبل الفتوي خضنا جولات كثيرة داخل وخارج الحدود, وكان من بينها انشاء اتحاد الناشرين العرب الذي ان لي الشرف في المساهمة في تأسيسه, بعد تفشي ظاهرة القرصنة وتزوير الكتب المصرية خاصة في لبنان, وسبق وان ذهبنا في حملة تضم اعضاء اتحاد الناشرين وبعض ممثلي الهيئات الحكومية, لضبط هذا الوضع ووضع آليات تعاون فأنشيء علي هذه الخلفية اتحاد الناشرين العرب, فالاعتداء علي الملكية الفكرية يتسبب في قلة المطبوعات وارتفاع سعر لكتاب, وهناك دور نشر تتوقف لهذا السبب, فحاولنا أن نقوم بحملة توعية بدأت بزيارة البلدان العربية, من ضمن هذه التوعية عقدنا مؤتمرا مع المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية الوايبو بإشراف السيدة سوزان مبارك. * لكنك لم تجب عن السبب المباشر في طلب الفتوي؟ في الفترة الأخيرة تفشي التزوير في مصر أكثر من الدول العربية, ولم يتوقف علي الاعتداء علي الكتب وتزويرها, لكن تعدي الي النسخ الإلكترونية وقمنا بالبحث علي شبكة الإنترنت عن الأعمال التي تم الاعتداء عليها لنكتشف ان كل الكتب التي طرحت بمعرض الكتاب موجودة علي شبكة الإنترنت, وبتتبع هذه المواقع لم نستطع الوصول للمسئولين عنها, فقررنا ان نبحث عن طريق آخر فوجدنا ان الوطن العربي أكثر من90% منه متمسك بقيمه الدينية, فقلنا ربما يكون الوازع الديني أحد الأسباب التي تحد من هذا التزوير, ونحن لسنا ضد القراءة علي شبكة الإنترنت, فكل ما نقوله منصب علي الكتاب الذي له حقوق للمؤلف والناشر, والذي ليس من حق أي شخص ان يضعه علي أي منتدي علي شبكة الإنترنت, فهذه الظاهرة غير موجودة بالدول الأوروبية لأن هناك ثقافة تحترم حقوق الملكية الفكرية, ولا يتوقف الضرر علي الضرر المالي فقط هناك ضرر أدبي, وعندما تتوقف عملية النشر يمكن ان يتحول الناشر إلي نشاط تجاري آخر, لكن الكاتب هو من يتعرض للخسارة الأكبر وهذا يعني قتل الإبداع والفكر فسيعود المجتمع للخلف. * يري القراء أن عدم امتلاك حق الكتاب هو ما يدفع للنسخة المقرصنة؟ الشعب المصري وسطي ويفرق بين الحلال والحرام ويعرف ان هذا أكل أموال بالباطل, وليس هناك مبرر يقول ان القاريء الذي لا يمتلك حق الكتاب يقوم بتزويره, لأنه متاح له بالمكتبات العامة, فصناعة النشر من الصناعات الثقيلة, فيأتي ترتيبها في أمريكا بعد السلاح والمخدرات, فما يدور في حجم هذه الصناعة علي مستوي العالم280 مليار يورو في السنة, وأنا في مصر امتلك أكثر من70% من الكتاب والمبدعين في الوطن العربي, فلماذا أقضي عليهم بحجة أن الكتاب غال, فننظر لهذه الفتوي علي أنا من الأسباب التي تحد من هذا التزوير وتساعد في النهوض بصناعة النشر. *ولماذا لم يكتف الاتحاد بالحل القانوني؟ تجريم الأعتداء علي الملكية الفكرية في القانون ليس كبيرا, لذا أرسلنا أيضا للبابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية خطابا نطلب منه رأيا في الموضوع لأن كل الأديان تدعو للأخلاق والفضيلة, وهناك من لا يعرف أن هذا التزوير حرام وبهذه الفتوي نعلمه, ولا يجب أن نخلط الأمور وان نري هذا تدخلا من المؤسسات الدينية, لأن الاتحاد هو من يسعي لوضع ضوابط لعملية النشر وآخر هذه الضوابط قرار سيصدر غدا بأنه لن يمارس مهنة النشر غير المقيدة بالاتحاد ولن يشارك في أي معرض في مصر أو في الوطن العربي وسنفتح بابا لقبول طلبات الالتحاق بالاتحاد حتي يوم15 نوفمبر القادم, لنتيح فرصة للناشرين للاشتراك مع تقليل تكلفة الاشتراك وتقديم تسهيلات من لجنة القيد, وبعد ذلك سوف يطبق القانون, إن صناعة النشر في تراجع وهذه الإجراءات للمحافظة علي حقوق الناشر والمؤلف. * اعترض البعض علي تدخل المؤسسة الدينية خوفا من أن تكون جهة مصادرة أو رقابة بعد ذلك؟ هذا الكلام غير منطقي لأن هناك قوانين في البلد, ولا يصادر الكتاب إلا بحكم من المحكمة, وليس الأزهر أو الكنيسة, فمنذ15 عاما خرج احد القساوسة في الفاتيكان وكتب كتابا عن الفضائح الموجودة هناك, فقام الفاتيكان بمصادرته, وهذا يدل علي أن حرية التعبير المتاحة في مصر أكثر من الخارج, فكل الكتب في الدول العربية تعرض علي الرقابة قبل طبعها, ولا يوجد ناشر يستطيع أن يرسل كتبا للخارج وخاصة إلي فرنسا قبل ان يرسل قائمة بالكتب تذهب لوزارة الداخلية لإقرارها, ويجب ان أوضح أن الإتحاد لا ينتمي لأي حزب لأننا نمثل كل التيارات والاتجاهات, ولسنا ضد حرية التعبير. * أشارت بعض المواقع الإلكترونية إلي أن السبب في الفتوي وجود تيار للإخوان بالاتحاد؟ هذا كلام عار من الصحة لأن الاتحاد يضم كل التيارات وكل عضو له توجه فكري يخلعه بالخارج قبل دخول الاتحاد, وأنا أعترف بأنني أنا من تقدم لدار الإفتاء لطلب هذه الفتوي, ولماذا ننكر وجود الإخوان المسلمين فهم موجودون في كل مكان بمجلس الشعب وبالمؤسسات, وإذا كان هذا بسبب وجود تيار إخوان فلماذا إذن تقدمنا بنفس الطلب لقداسة البابا والكنيسة؟ فهذا كلام غير سليم, فهم لا يفرضون توجهاتهم داخل الاتحاد فالعمل بيننا مهني فقط, وأنا في الاتحاد منذ زمن ومدرك لما يحدث بداخله جيدا. * وهل سيتخذ الاتحاد إجراءات قانونية بجانب هذه الفتوي؟ نقوم الآن بتعديلات في قانون اتحاد الناشرين وننسق مع وزير الثقافة فاروق حسني لتقديمه لمجلس الدولة, وسنقدم طلبا بتغليظ عقوبة الاعتداء علي الملكية الفكرية, كما أرسلنا لمحرك البحث جوجل طلبنا منه أسماء المواقع التي تعتدي علي الملكية الفكرية لحذفها من علي محرك البحث, وقدمنا طلبا لمباحث المصنفات الفنية من خلال وزارة الداخلية لمواجهة القرصنة الورقية والالكترونية كي تفعل دورها أكثر, وطلبنا مقابلة وزير العدل والنائب العام لأننا نتمني وجود قاض ووكيل نيابة ومباحث متخصصة في حقوق الملكية الفكرية, وأيضا سنقوم بالتوعية من خلال اقامة مؤتمر قريبا عن النشر وسيتحدث به خبراء ونطالب بتفعيل نقطة الاتصال في وزارة التجارة والصناعة, فنحن نعمل علي كل المحاور, لكن الفتوي كانت إحدي الأدوات التي رأينا أنها قد تحد من التزوير, وليس هدفنا ان نكفر أحدا.