حريق سوق التونسي! ليس الأول وبالتأكيد لن يكون الأخير, عشوائيات وأكشاك خشبية ومخازن اسطوانات غاز وبشر وسرعة جنونية لسيارة طائشة أتت علي كل شيء فحرق ما حرق وتفحم من تفحم, وراح ما راح, والمسلسل مستمر. التونسي ليس حالة فريدة من نوعها, وليس استثناء في مصر, وليس ظاهرة تستحق الدراسة والبحث والتحليل, لأن الظواهر التي تستحق الدراسة هي تلك التي يتعجب لها البشر, ويرونها او يسمعون عنها فلايستسيغونها, فيبدأون في بحث اسبابها وتحليلها في محاولة للفهم, اما نحن, فقد تعدينا هذه المرحلة التي يمكن القول بأنها للمبتدئين. فالعشوائية جزء لا يتجزأ من حياتنا, واللخبطة عقيدة نؤمن بها وننتهجها ولا نحيد عنها قيد انملة, ومادام اليوم عدي دون كارثة او مصيبة, فنقبل ايادينا وش وظهر, وننام لنصحو صباح اليوم التالي آملين ان يمر هو الآخر بدون كوارث, وهكذا, أما اذا وقعت كارثة او مصيبة, وما أكثرها, فأول ما نلجأ إليه هو الامتنان بأن الكارثة لم تكن عامة وان المصيبة لم تكن شاملة, وانه قدر الله وما شاءفعل, واللي مكتوب علي الجبين لازم تشوفه العين, وقد نذرف بعض الدمع, وقد نتبادل القاء الاتهامات, بل قد نرفع القضايا علي الحكومة او علي بعضنا البعض, وتتعالي صيحات مطالبة بالقضاء علي الفساد وأخري مطالبة بقطع رقبة الإهمال ثم خ خ خ. نغط في نوم عميق إلي ان تقع مصيبة جديدة, وهلم جرة, وقبل أسابيع قليلة حضرت ندوة مقامة في فندق خمسة نجوم علي كورنيش نهر النيل حضره مئات البهوات والهوانم من الخبراء والخبيرات, والمسئولين والمسئولات, والرسميين والمجتمع المدني, بل ومنظمات أممية, هذا بالطبع بالإضافة إلي استراحات الشاي والقهوة والكرواسون والساليزون واستراحة الغداء الفاخر وكل هذاللحديث عن سياسة مواجهة الكوارث والاستعدادات لمثل هذه الظروف الطارئة التي قد تنتج عن كوارث طبيعية او من صنع الإنسان, ودور التوعية بدءا بالمدرسة ومرورا بالبيت وانتهاء بأماكن العمل, والأساليب المثلي للتصرف, وأهمية تكوين لجان حكومية ومن المجتمع المدني تكون أشبه بنقاط الاتصال المحورية في مثل هذه المواقف, وبالطبع فإن الحديث عن سياسات مواجهة الكوارث مرحلة متقدمة جدا في الحالات التي يكون الحديث فيها مازال منصبا علي اساليب مكافحة اصرار البعض وسكوت البعض الآخر علي تفعيل الكوارث والإسراع بها, فالسكوت علي عشوائية البناء, وعشوائية التفكير, وعشوائية القيادة, وعشوائية الأكل, وعشوائية الشرب إلي آخر قائمة العشوائيات التي نعيش فيها هو تشجيع ضمني علي تفعيل الكوارث والمصائب فبأي وش نعقد اجتماعات وننظم مؤتمرات بهدف التنظير في قضايا اقل ما يمكن ان نصفها بأنها بعيدة عن تفكيرنا وأولوياتنا كل البعد, سياسة كوارث ايه وكلام فاضي إيه؟ الحقيقة اننا بدأنا نعتاد الكوارث, ويبدو أن الشعرة الصغيرة التي تفصل بين الاتكال علي الله والتواكل لم تعد واضحة, ونجحت ايد خفية في أن تجعلنا نقنع ونخنع بأن ما نحن فيه من اهمال وتسيب وفساد انما هو قدرنا ومكتوب علينا وما باليد حيلة, وان اقصي ما يمكننا عمله هو الدعاء, بل وأصبح لدينا رجال وسيدات أعمال يرتزقون من تجارة الأدعية. بالطبع الدعاء مطلوب في كل وقت وفي كل مكان وفي كل مناسبة, ولكن اي دعاء هذا الذي سيشفع لنا ما نفعله بأنفسنا وبأولادنا؟ واي دعاء هذا الذي يجعل مردده ينام مطمئن القلب بأنه عمل كل ما يمكن عمله لتجنب الكوارث رغم أنه منذ ان يفتح عينيه صباحا إلي ان يغلقهما ليلا وهو لا يفعل شيئا سوي السكوت علي الكوارث وتجاهلها. هناك تعبير في الإنجليزية اعجبني جدا منذ قرأته قبل سنوات, وكان يصف طريقة قيادة متهورة لشاب ارعن فقال الكاتب ان المشهد كان ينبيء بحادث لا ينتظر إلا الحدوث وأنا أقول ان حياتنا اليومية في مصر في الألفية الثالثة هي حادث ينتظر الحدوث حتي لو رددنا أدعية الدنيا والآخرة. هناك تعبير في الإنجليزية اعجبني جدا منذ قرأته قبل سنوات, وكان يصف طريقة قيادة متهورة لشاب ارعن فقال الكاتب ان المشهد كان ينبيء بحادث لا ينتظر إلا الحدوث وأنا أقول ان حياتنا اليومية في مصر في الألفية الثالثة هي حادث ينتظر الحدوث حتي لو رددنا أدعية الدنيا والآخرة. [email protected]