فى ظل التشدد الإثيوبي والإصرار على استكمال بناء السد الإثيوبي مبرراً ذلك بأنه مشروع قومى وأن توقفه يتعارض مع السيادة الوطنية, و التى ظهرت ملامحه فى اجتماعات وزراء مياه دول حوض النيل الشرقي ( مصر و السودان وأثيوبيا ) بالخرطوم, هنا لابد من تبني إستراتيجية مصرية جديدة للحفاظ على ثوابتها التاريخية ومكتسباتها الدولية فى مجال المياه والحصول على تطمينات من الجانب الأثيوبي بتحقيق الأمان المائى والبيئى والإقتصادى لمصر, مع مصارحة أنفسنا بأن قدرتنا على مواجهة تلك الأزمة المائية الطاحنة والتى تهدد باستقطاع 10 مليارات متر مكعب، فى حالة سد النهضة, ومن 3 – 6 مليارات م3 وفقا لمقررات اتفاقية عنتيبي, تبدأ أولا بإستقرار النظام السياسي المصرى وسرعة التحول الديمقراطي وفقا لمبادئ وبرامج خارطه طريق 30 يونيه 2013 م, لأنه كلما كان النظام السياسي مستقرا ومتماسكا ومتوافقا، كانت معالجة قضايا الأمن القومى المصرى وعلى رأسها قضية الأمن المائى، معالجة حكيمة فى ظل استعادة الريادة الإقليمية والدولية لمصر وثقلها السياسي والتاريخي, وبما يضمن سد منابع التدخل الخارجى فى مناطق نفوذنا الحيوية، ولاسيما فيما يتعلق بنهر النيل ودولة, للإستفادة من التعاون معها وتمويلها ومدها بالمساعدات الفنية للحصول على حصة من مياه النيل على حساب حصتنا المقررة وحقوقنا المائية التاريخية والثابتة لدول المصب. ولعل هذا ما يفسر لنا سر التشدد والتعنت الإثيوبي فى التعامل مع ملف أزمة سد النهضة مع مصر, مستفيده فى ذلك من عدم الاستقرار الداخلى المصرى وحدوث خلل فى سياساتها الخارجية و فقدان مصر لدورها الإقليمي و الإفريقي وهذا ما اتضح جليا فى الإجتماع الثلاثي بالخرطوم مؤخراً . ومن هنا فإن علينا الإسراع فى تنفيذ بنود خارطه الطريق وفى مقدمتها الاستفتاء على الدستور المصرى لعام 2013م بنسبه مشاركة عاليه وبتوافق سياسي ومجتمعى عليه ليكون ذلك رسالة للجميع عربيا و أفريقيا و دوليا بأن مصر قادرة على تحقيق الإستقرار السياسي والذى يعد مدخلا مهما للتحرك الرشيد على المستوى الخارجى والبحث عن حلول سياسية و إقتصادية بدلا من الإرتكان إلى مجموعة إتفاقيات دولية فقط, وفى ظل حالة الاصطفاف الإقليمي لدول الحوض ضد مصر, وهذا ما أعلنه الرئيس السودانى عمر البشير مؤخراً عن مساندته للموقف الأثيوبي بشأن بناء سد النهضة الإثيوبي، وذلك خلال تدشين مشروع ربط شبكتي كهرباء إثيوبيا و السودان فى الرابع من ديسمبر لعام 2013 م. هذا علاوة على ضرورة استخدام الخارجية المصرية وقياداتها السياسية للأثار البيئية الضارة لسد النهضة للتحرك فى جميع المستويات ومخاطبة المنظمات البيئية المتخصصة الدولية والإقليمية والمحلية بذلك, وتنبيه إثيوبيا بضرورة عدم الشروع فى أى مشروعات أخرى على النيل الأزرق إلا بالتشاور مع مصر على أساس مبدأ التوازن والتعادل فى المكاسب ونفى الضرر، وذلك وفقا لمبدأ القانون الدولى. ويجب أن نضع فى اعتبارنا المسالك السياسية والدبلوماسية والقانونية, إلى جانب الوسائل السلمية والمساعى الحميدة والمفاوضات الثنائية والدولية لتقريب وجهات النظر و إيجاد سبل جديدة للتعاون بين دول الحوض بما يضمن المصلحة المتبادلة والمنافع المشتركة لجميع الدول المعنية, والبحث عن صيغة للتفاهم مع دولتي السودان وبخاصة الجنوب وتنفيذ مشروعات مشتركة فيما بينها ويحقق مصلحة للجميع, والضغط على دول المنابع بشتى السبل لتعديل مواقفها والإقرار بالمخاطر المتوقعة على مصر جراء تنفيذ مشروعات مائية فى بعض الدول المطلة على مجرى النهر والتى من شأنها الإضرار بمصر وحصتها المائية. إلى جانب ذلك لابد من التنسيق مع الدول والجهات المانحة لمنع تمويل هذه المشروعات المائية والسدود والتى تؤثر على حصة مصر من المياه أو على الأقل الضغط على أثيوبيا لإبداء المرونة فى تنفيذ توصيات لجنه تقييم سد النهضة الإثيوبي وإرسال تطمينات من الجانب الإثيوبي لمصر بعدم الإضرار بحصتها المائية والتى أقرتها المواثيق والاتفاقيات الدولية لعامى 1929و 1959م. ونهاية فإن كل البدائل و الخيارات الإستراتيجية لمعالجة هذا الملف الشائك متاحة ومتنوعة وآليات تنفيذها متوافرة إذا توافرت الإرادة السياسية وتماسك الجبهة الداخلية المصرية وتحقيق التوافق المجتمعى والسياسي للالتفاف الشعبي حول أزمة سد النهضة وسبل التعامل معها , بعيداً عن أى خلاف أو اختلاف، ولتكن البداية مع دستور مصر للجميع لعام 2013 م, والذى يعبر بحق عن مبادئ وأهداف ثورتى 25 يناير 2011م و 30 يونيه 2013 م, ويبني نظاماً سياسياً قويا متوازنا يعيد إلى مصر ريادتها الإقليمية و مكانتها الدولية والتى تؤهلها لإدارة أزماتها الإقليمية و الدولية بكفاءة عالية وبما يحافظ على أمنها القومي عامة والمائى والغذائى خاصة, ولمواجهة التحديات السياسية والعسكرية التى تواجهنا فى منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل والتى سمحت بتصاعد الأطماع الصهيونية فى مياه النيل وقيامها بمديد العون المالى والفنى لأثيوبيا. فبدستور 2013 م واستكمال بنود خارطه الطريق بعد ثورة 30 يونيه 2013 م ستصبح مصر قادرة على حسن إدارتها لأزمة سد النهضة الأثيوبي سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وقانونيا ودوليا.