أحداث متعاقبة ومشهد يغلب عليه الطابع السياسي انتظاراً لتتابع تنفيذ خارطة الطريق التي وضعت بعد عزل مرسي حيث بدأت أولي الخطوات بكتابة الدستور الجديد وقرب طرحه للاستفتاء الشعبي، وتبقي السياسة بأحداثها المتعاقبة غالبة علي الحديث والتحليل ويظل الاقتصاد مرآة ينعكس فيها تأثير كل هذه الأحداث. حيث ظلت السياسة والاقتصاد "توأم" منذ اندلاع ثورة يناير، يتلازمان الصعود والهبوط ويتشاركان التأثيرات فإذا هدأت الساحة السياسية قليلاً واستقرت الأوضاع وجدنا الاقتصاد قد استعاد جزءاً من عافيته وباتت البورصة "خضراء" أما إذا اشتعلت الأحداث السياسية وازدادت الساحة توتراً وسخونة يتأثر الاقتصاد ويعاود النزيف من جديد وتتوالي الخسائر والاستثمارات. ويبقي حال الاقتصاد تحت الميكروسكوب خاصة قطاع الاستثمار الذي أصابه الجمود لفترات طويلة، خاصة وأن هناك تحديا آخر أمام القطاع الاقتصادي وهو مجموع القضايا المحالة للتحكيم التجاري الدولي بسبب نزاع الدولة والمستثمرين الأجانب لأن خسارة هذه القضايا تضيف أعباء جديدة علي الجانب المصري. -- الاقتصاد في "ورطة"!: - أحكام عقود النزاع تنذر بمناخ استثماري مرتبك. والمجتمع الاقتصادي يبحث عن حل وسط: - اقتصاديون يؤكدون: التراخي والجهل بالقانون الدولي سبب الخسائر. والكوادر المدربة "غائبة" عن كتابة العقود مع الحكومات والشركات والأفراد الأجانب: - د. صلاح جودة: 11 قضية ب 100 مليار دولار. ولا بديل عن تعديل قانون الاستثمار: - د. عليان: لكل قضية وضعها وملابساتها القانونية. ومشروعات المنتدى المصري الخليجي "عظيمة" ولكن!: وسط أحلام وتمنيات بعام جديد بعام جديد مستقر اقتصاديا وحافل بالاستثمارات العربية والأجنبية يطل علينا كابوس قضايا التحكيم الدولي المحالة ضد مصر وكأنها تدق ناقوس الخطر قبل توقيع جزاءات تصل لمليارات الدولارات علي اقتصاد يحاول تنفس الصعداء. تاريخ غير مشجع لمصر في التحيكم الدولي ينذر بأزمة كبيرة قد تحل بمصر في العام الجديد إذا ما كانت الخسارة نصيبنا خاصة وأنها تتعلق بمسألة الإخلال بالعقود مع عدد من المستثمرين الأجانب، لذلك يحاول بعض خبراء الاقتصاد وضع الطريقة الأمثل في التعامل مع هذه الأزمة المرتقبة وإمكانية الوصول لحلول بديلة عن الطرق القانونية التي أجمعوا أنها تنذر بخسارة كبيرة، علاوة علي كيفية التعامل مع قضايا التحكيم الدولي في مجملها. في البداية يوضح الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادي ومدير مركز الدراسات الاقتصادية أن التحكيم الدولي عادة يكون في الدول التي تتعامل بالنظام الاقتصادي الحر أو ما يعرف باسم اقتصاديات السوق وذلك لفض النزاع بين المتعاملين أو بين الأطراف وغالبا تكون شركات خاصة أو شركات وحكومات، وقد تم إنشاء مراكز للتحكيم الدولي لهذا الغرض تقضي بين الأطراف المتنازعة وقراراتها نهائية وملزمة وفي حالة عدم التنفيذ يتم فرض عقوبات مالية علي الطرف الرافض لتنفيذ الحكم وبالنسبة للدول يتم التنفيذ علي أملاكها وعلي حساباتها في البنوك وعلي كل المستحقات الخاصة بهذه الدول في أرض الغير، ويقول إن الدول والحكومات والشركات والأفراد يمتثلون جميعا لقرارات التحكيم. ويؤكد جودة: مصر خسرت عدة قضايا في معركة التحكيم الدولي أشهرها قضية وزارة الطيران حيث خسرت مصر القضية بسبب إلغائها عقد مع إحدى الشركات الانجليزية التي جاءت للعمل في مصر ورأس مال هذه الشركة هو (2000 جنيه استرليني فقط) ولكنها كسبت قضية التحكيم من مصر وقامت بسداد مبلغ (500 مليون دولار) وكان هذا بسبب بعض الأخطاء في العقود المبرمة بين الحكومة والشركة. وهناك قضية سياج وكانت هذه الشركة قد تم تخصيص قطعة أرض لها علي مساحة (150 فدانا) في منطقة (طابا) وقامت الحكومة بعد ذلك بسحب الأرض منها وقامت الشركة برفع قضية أمام جهات (التحكيم الدولية) وكسبت التحكيم وقامت مصر بسداد مبلغ (750 مليون جنيه مصري) للشركة. ويري أن خسارة مصر في معظم القضايا في تاريخها مع التحكيم الدولي سببه التراخي والجهل بالقانون الدولي وعدم وجود كوادر فنية وخبرات قانونية كافية لصياغة العقود المبرمة بين الحكومة والشركات خاصة أن الحكومة تعتمد علي الشئون القانونية في الحكومة أو الوزارات أو الادارات في كل عقد تقوم بإبرامه، وبالتالي تكون خبراتها محدودة تتعلق فقط بالمسائل الإدارية داخلها ولا يكون لديها خبرة دولية بالقوانين الأوروبية والأسيوية والأمريكية، مشيرا إلي ضرورة التنبيه علي جميع الجهات (الحكومة قطاع عام قطاع أعمال محليات) أنه لا يجوز إبرام أي عقود أو خلافه بين أي إدارة من إدارات الحكومة أو الوزارات وأي طرف أجنبي إلا بعد الرجوع لخبراء التحكيم وتكون هناك عقوبات علي هؤلاء الخبراء إذا تقاعس أحدهم أو لم يكن بالمهنة الفائقة للعمل الموكول إليه مثلما هو الحال في الدول الغربية. ويوضح جودة أن القضايا المحالة للتحكيم التجاري الدولي ضد مصر وعددها 11 قضية قد تتسبب في حالة الخسارة وإلي توقيع جزاءات قد تصل إلي 100 مليار دولار مشيرا إلي أن معظم هذه القضايا من رجال أعمال ومستثمرين من الخليج بسبب إنهاء بعض العقود لمشروعاتهم التي أقاموها واستثمروا أموالهم فيها في مصر مثل قضايا عمر أفندي وطنطا للكتان وحليج الأقطان والشركة المصرية الكويتية للاستثمار العقاري، لذا يري جودة ضرورة استغلال المناخ الاستثمار العربي الذي تقدمه دول الإمارات والكويت والسعودية خاصة بعد الانتهاء من المنتدى الاقتصادي المصري الخليجي يومي 4، 5 ديسمبر وذلك لمساعدة مصر في الحصول علي فرص استثمارية من دول الخليج وتوفير مزيد من فرص العمل وإعادة الشركات والمصانع والفنادق والقرى السياحية المتوقفة إلي العمل مرة آخري والأهم من كل ذلك استغلال الحكومة لهذا المناخ العربي الاستثماري "الأخوى" لحل مشكلات التحكيم الدولي بشكل ودي تفاديا لتوقيع جزاءات لا يتحملها الاقتصاد المصري، ويشدد جودة علي ضرورة تعديل التشريعات الاستثمارية وخاصة قانون الاستثمار وذلك لتحقيق أقصي استفادة للطرفين حيث يضمن المستثمرون حقوقهم وكذلك تضمن الدولة حقوقها وتضمن توفير مزيد من الاستثمارات. ويؤكد الدكتور عبد الرحمن عليان أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أن لكل قضية من القضايا المحالة للتحكيم الدولي طبيعتها الخاصة حيث أن لكل منها وضعها القانوني ولا يمكن الحكم علي نهايتها نظرا لهذا الاختلاف لذلك يستلزم الأمر تدخل خبراء القانون والاقتصاد لتنفيذ القضايا كل علي حدة لمعرفة ملابسات كل عقد وأسباب النزاع فيها. أما عن تاريخ مصر في القضايا والنزاعات الدولية وخسارة مصر في عدد كبير من القضايا التي تم اللجوء فيها إلي التحكيم الدولي يقول عليان إنه لم يكن هناك دراسة وافية لملفات هذه القضايا أو قد يكون تم التعامل معها من منظور القانون المحلي وليس الدولي ودون النظر لملابسات وشروط هذه العقود التي يضمن المستثمرون فيها حقوقهم قدر الإمكان. ويوضح عليان أن ضخامة أرقام التعويضات والجزاءات في مثل هذه القضايا تستلزم دراسة العقود التي يتم توقيعها مع المستثمرين الأجانب سواء كانت حكومات أو شركات أو حتى أفراد للوصول إلي أنسب صيغة، علاوة علي الضمانات الكافية للطرفين، الأمر الذي يستلزم وجود كوادر قانونية تدرس العقود الاستثمارية لضمان كل ذلك قبل توقيع أي عقد، ويري عليان أن التسوية تكون أفضل من الطريق القانوني مشيرا إلي أن التوافق دون اللجوء للتحكيم الدولي يصب في مصلحة الطرفين علي عكس نهاية النزاع بالقانون. وعلي جانب آخر تحدث عليان عن تأثير المنتدى الاقتصادي المصري الخليجي قائلا "مشروعات عملاقة وعظيمة للغاية ولكن الأهم التنفيذ"، حيث يري أن قوانين الاستثمار في مصر يشوبها بعض القصور الذي يقف حائلا أمام المشروعات الكبري والتي تقتضي التعديل بما يتوافق مع تجارب الدول العالمية، وختم حديثه مؤكدا أن "رأس المال جبان يحتاج دائما لضمانات كي يتوسع ويستمر في بيئة صالحة للاستثمار". ويؤكد الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي ورئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقا أن هذه القضايا لها تأثير سلبي علي الاقتصاد في العام المقبل حيث تتحمل خزينة الدولة الغرامات والجزاءات التي يقر بها التحكيم الدولي فتزداد الأعباء ويحدث عجز في الموازنة علاوة علي الفوائد التي تفرض علي المبالغ في حالة عدم السداد أو التأخر فيه. واستطرد عبد العظيم حديثه مشيرا إلي تأثير هذه القضايا وأحكامها علي المناخ الاستثماري حيث إنه سيؤدي إلي خوف المستثمرين من دخول السوق المصري خشية الدخول في منازعات أو إخلال الحكومة بعقودها كما حدث مع عقود سابقة، لذلك يتطلب الأمر إضفاء حالة من الطمأنينة يشعر بها المستثمرون للعودة باستثماراتهم من جديد مشيرا إلي المنتدى الاقتصادي المصري الخليجي ولكنه أوضح أنه قد يكون بين القطاع الخاص المصري والخليجي ليعطي للشركات الخليجية فرصة للعمل في مصر وهو في النهاية أمر إيجابي يجب استغلاله. ويشدد علي ضرورة وجود خبراء قانونيون أثناء إبرام العقود لدراسة كل البنود خاصة تلك التي تتعلق بمسائل المنازعات والتعويضات تحقيقا لعنصر الأمان لدي الطرفين. -- وخبراء القانون يضعون سيناريو الخلاص: - د. عبدالغني محمود: الحل القانوني لا يصب في "كفة" مصر. والتوافق أفضل للطرفين ويحمينا من الجزاءات المالية: - د. محمود شعبان: الخسارة أقرب للحدوث. والتأثير ليس ماديا فقط: العقد شريعة المتعاقدين. هكذا تقول القاعدة القانونية التي تحكم بين أي طرفين يوثق علاقتهما عقد يحوي الحقوق والواجبات والنصوص والشروط والأحكام وأيضا الجزاءات والغرامات التي تقع علي أحد الطرفين في حال أخل بالعقد المبرم. ولأنه ليس شرطا أن يكون نزاعا داخليا بين طرفين ينتميان لنفس الدولة جاء التحكيم الدولي كوسيلة لحل النزاعات بل إنه يكون باتفاق مسبق موجود ضمن بنود العقد المبرم حتى يمكن اللجوء للتحكيم الدولي لإنهاء النزاع وفقا للقانون. 11 قضية محالة للتحكيم التجاري الدولي ضد مصر وهي قضايا تتنازع فيها الدولة والمستثمرون ووسط توقعات بوقوع خسائر تتحملها مصر واقتصادها في العام المقبل يحاول خبراء القانون الدولي والتجاري وضع السيناريو الأمثل لتلاشي الطريق الصعب الذي يحمل مزيدا من الأعباء علي الاقتصاد المصري بسبب الجزاءات القانونية التي سيتم توقيعها في حال الخسارة وذلك قبل حلول وقت الفصل في هذه القضايا. في البداية يوضح الدكتور عبدالغني محمود أستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر انه لا مجال لتفادي الخسائر أو الغرامات المالية التي ستقع علي مصر في حال خسرت القضايا المحالة للتحكيم التجاري الدولي لأنها مبنية علي العقود المبرمة بين الدولة والمستثمرين مشيرا إلي أن شرط اللجوء للتحكيم الدولي موجود في كل العقود سواء كان المستثمرون وطنيين أو أجانب للجوء إليه عند إخلال أي من الطرفين بشروط العقد لتفصل المحكمة بينهما في النزاع القائم وفقا لصحيح القانون. ويري محمود أن الحل الأمثل يكمن في اللجوء للتوافق وذلك تفاديا لتكلفة مصر مبالغ ضخمة كتعويضات مؤكدا أن التوافق الاقتصادي بعيدا عن التحكيم الدولي قد يفضله بعض المستثمرين تفاديا لخسارة سوق مهمة كالسوق المصرية وخسارة استثماراته به بالإضافة إلي الأضرار التي وقعت عليه بسبب الإخلال بالعقد علاوة علي أنه الحل الأفضل للحكومة المصرية لتلاشي الغرامات في وقت يحاول فيه الاقتصاد استعادة عافيته، وبالتالي فإن الحل "التوافقي الودي" هو الأنسب للطرفين علي حد قوله. ويقول إن جنسيات بعض المستثمرين قد تجعلهم أكثر استعدادا للتوافق لاعتبارات سياسية وضرب مثلا بقضية تصدير الغاز لإسرائيل وعدم التشدد وفرض غرامات فورية بعد إثارة هذه القضية بعد اندلاع ثورة يناير حيث وضع المستثمرون في اعتبارهم العلاقة الشائكة بين الدولتين علاوة علي خوف الطرف الإسرائيلي من تبعات القضية وتأثيرها علي معاهدة السلام. ويؤكد الدكتور محمود شعبان أستاذ القانون التجاري أن الخسارة أقرب للحدوث نظرا لإخلال الحكومة بشروط العقد مشيرا إلي أن هذه القضايا ستؤثر علي المستقبل الاقتصادي لمصر في حال صدور أحكام ضدها وفقا لشروط التعاقد الدولية ولن يكون التأثير فقط بسبب الغرامات والجزاءات التي سيتم توقيعها في حال الخسارة ولكنها بداية لخسارة مستثمرين جدد يخشون بدء استثماراتهم في مصر. ويؤكد شعبان أنه "لابد من مواجهة انفسنا بالحقيقة والاعتراف بواقع موقعنا في مختلف القضايا وعدم دفن رؤوسنا بالرمال حتى يمكن الخروج من هذا المأزق بأقل خسائر ممكنة" علي حد قوله، وشدد علي أهمية استقرار الوضع السياسي لأن الاقتصاد والسياسة مرتبطان ارتباطا وثيقا وكلاهما يؤثر في الآخر، مشيرا إلي أن رأس المال "يهوي"الربح وبالتالي لا يمكن لمستثمر أن يضع أمواله في بلد لا يضمن استقراره. رابط دائم :