لايخفى ان احترام الدستور يتوقف فى الحقيقة علي مدي إيمان الشعب به وحرصه عليه تبعا للتطورات التي تحدث في المجتمع حتي يتولد في ضميره القانوني اتجاه سياسي وسيكولوجي جدي يسعي إلي الإطاحة بالنظام القائم وتغييره بالثورة والفوضي في أغلب الأحيان بل إن الضمانات القانونية والدستورية في هذه الأحوال هي السلاح الذي يشهره الحكام في وجه كل من ينادي بالتغيير فتكون الثور ضد هذه الضمانات التي ماتقررت إلا من أجل حماية الشعب من وجود الحاكم فهل يمكن أن تقف النصوص القانونية والدستورية ضد إرادة الشعب صاحب السيادة والحق في وضع نظامه وتغييره وتحديد سلطات واختصاصات من يمارسون السيادة نيابة عنه؟! فمن هنا ظهرت فكرة تقرير حق الشعب في مقاومة الطغيان والمقصود بالطغيان هو ذلك الذي يبلغ من العمومية بحيث يهدد الشعب في مجموعه,ومن أمثله حالات الطغيان إصدار السلطة التشريعية قانونا يخالف الدستور أو ينتهك الحقوق الطبيعية والمدنية والسياسية للإنسان أو إذا انتهك القانون بواسطة الموظفين العموميين عند تطبيقهم للقانون علي الحالات الفردية أو الأعمال التحكمية التي تأتيها الحكومة دون استناد إلي قواعد قانونية مقررة بالطريق الدستوري السليم, علي أننا نري أن الطغيان لايقتصر علي انحراف السلطة التشريعية وإنما يحدث أيضا إذا خرجت أي من السلطات الثلاث عن أحكام الدستور,فلا شك أن الفصل بين هذه السلطات هو النتيجة الحتمية الوحيدة لمبدأ السيادة الشعبية فلا يمكن أن يقع طغيان مع احترام مبدأ الفصل بين السلطات علي ألا تستبد كل سلطة بتصرفاتها وإنما تتعاون فيما بينها دون تغول علي السلطات الأخري فضلا عن أن الواقع يكذب وجود فصل مطلق بين السلطات في الأنظمة السياسية القديمة والحديثة علي حد سواء. ومنذ ظهور فكرة العقد الاجتماعي باعتبار أن الشعب صاحب السيادة فوض الحاكم في مباشرة هذه السيادة مما أوجد سندا عقديا لحق مقاومة الطغيان فرتب المفكرون حق الشعب في فسخ العقد جزاء لمخالفة الحاكم لشرط الاتفاق ومن ثم للشعب أن يقاوم الظالم الذي ينتهك شروط العقد الاجتماعي, ووفق مبدأ عمومية حق مقاومة الطغيان فهو حق لجماعة الأفراد في الدولة وليس لعدد أو فئة وهو مايستقيم مع المنطق العقدي للدستور ولاشك أن الحقوق والحريات الطبيعية للأفراد تمثل الغاية من السلطة السياسية وهي لذلك تقيدها وإلا كان للأفراد ان يخرجوا عليها فالشعب هو الحكم النهائي الذي يفصل في الأمور مما يبرر إقرار حقه في مقاومة الحاكم بل وأيضا السلطة التشريعية إذا انحرفت وأصدرت تشريعات جائرة وأصبحت الضرورة تحتم علي الشعب الانقضاض علي النظام القائم إذا اتسم بالظلم العام وكذلك فإن اغتصاب الدستور يعد أمرا غير شرعي وهو ما يجب مقاومته بالقوة ردا علي القوة التي تعتمد عليها السلطة لضمان بقائها باعتبار أن مقاومة الطيغان تقوم علي أساس ممارسة حق الدفاع الشرعي للمواطنين تجاه انحراف السلطات لاسيما عبث الحاكم بالمقدسات مما يثير الضمير العام عند الشعب فيقوم كنتيجة منطقية لخضوع الحاكم( الدولة) للقانون ذلك أن تدخل المحكومين في هذه الحالة بالثورة علي الحكام المستبدين يعتبر تدخلا مشروعا؟ لأنه يؤكد تطبيق القانون والتزاما بنصوص العقد الاجتماعي الذي بمقتضاه يفوض الحاكم في ممارسة السلطة فإذا خرج عن هذا الالتزام وجنح إلي الحكم المطلق حق للأفراد مقاومته. واذا كان من الخير تقرير حق مقاومة الطغيان غير أن المفيد كذلك أن تجنب القلاقل والفوضي وأعمال الشغب والتهديد المستمر للسلطة السياسية فكيف يكون التوفيق بين حق المقاومة وبين استبداد النظام والأمن في الدولة فإذا نظم في الدستور نفسه هذا الحق وشروط ممارسته وحدد طرق وأساليب استعماله فإن الشعب عندما يلجأ إلي مقاومة الطغيان فإنما يقوم حينئذ بعمل قانوني شرعي منبثق من الدستور, ولذلك فلا غضاضة في أن يعترف بحق الشعب وهو صاحب السيادة في أن ينحي الحاكم المستبد الذي يمارس السلطة بتوكيل من الشعب ولايقدح في ذلك أنه أتي عن طريق الصندوق. وكذلك أيضا حظي حق مقاومة الطغيان بتأكيدات واعترافات من القوانين الوضعية كنتيجة طبيعية لخضوع الدولة للقانون كمبدأ دستوري أصيل انعكاسا للحركة الدستورية في بداية العصر الحديث في أعقاب الثورات التحريرية, وتوجه ذلك بالنص في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(1948) علي أن هذا الإعلان صدر انطلاقا من تولي القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر الي التمرد علي الاستبداد والظلم في إشارة واضحة إلي حق مقاومة الطغيان. وجدير بالذكر: أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مصدر لتشريع أكثر الدساتير والقوانين الوطنية كما تنامي تأثيرها في تطور القانون الدولي المعاصر بعد أن انتهجت الأممالمتحدة بعد صدوره إلي مهمة أكثر صعوبة وهي تحويل المباديء الواردة فيه إلي اتفاقيات تقرر التزامات قانونية من جانب كل دولة مصدقة عليها كاتفاقية حقوق الطفل والمرأة ومناهضة التفرقة العنصرية واتفاقيتي حقوق الإنسان الأولي للحقوق المدنية والسياسية والثانية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية, ولذلك يصبح النص علي حق مقاومة الطغيان وتنظيمه مبدأ دستوريا مقبولا وملحا. رابط دائم :