انتشرت في الفترة الأخيرة بالتزامن مع الأوضاع السياسية المضطربة علي إثر ما بات يعرف ب- الربيع العربي تصرفات عينة من البشر, تستحل بالقول والفعل ماحرم الله,فتقتل وتحرق وتسرق, وتشيع الفساد في الأرض, وتروع الآمنين,بحجج وادعاءات, تجافي الحق وتتناقض مع الدين,والمؤكد أن هذه الممارسات الإجرامية مهما تكن الدوافع الكامنة وراءها تعكس خللا في النفس وكراهية عمياء للوطن. فات هؤلاء ماتعرض له رسول الله, صلي عليه وسلم, من أشد وأسوأ ألوان التعذيب والتنكيل علي أيدي أهله وقومه, في سبيل نشر وإعلاء كلمة التوحيد, ومع هذا قال لمكة وهو يودعها, ربما مجبرا:ما أطيبك من بلد,وأحبك إلي, ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك وهي كلمات من يتأملها, يجد أنها تفيض بحبه العميق, وتعلقه غير المحدود بوطنه,مكةالمكرمة, وكما قال القائل,ب حلها وحرمها, بجبالها ووديانها, برملها وصخورها, بمائها وهوائها, هواؤها عليل ولو كان محملا بالغبار, وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار,وتربتها دواء ولو كانت قفارا لقد صعقت وأنا أطالع تعليق أحد هؤلاء المغيبين علي كلمات الإعلامي الفلسطيني المتميز محمود المسلمي في مدونته ب الفيسبوك يتحدث بحب وتقدير عن مصر, فإذا بشخص موتور, يكشف عن كراهيته لبلده, بما تعرض له الفصيل السياسي المتعاطف معه أو ربما المنتمي إليه, من ظلم واستبداد,قائلا إنه يكره هذا البلد من كل أعماقه الغريب أن هذا الشخص وكنيته أبو محمد دافع عن جريمته برر كراهيته بكلمات تطفح بالغل والحقد, متجاهلا التأسي بقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله, في هذا المقام..رسولنا الكريم الذي ثبت عنه في حديث عائشة رضي الله عنها, أنه كان يقول في الرقية:( باسم الله, تربة أرضنا, وريقة بعضنا يشفي سقيمنا بإذن ربنا) وقال الحافظ الذهبي معددا طائفة من محبوبات رسول الله وكان يحب عائشة, ويحب أباها, ويحب أسامة, ويحب سبطيه, ويحب الحلواء والعسل, ويحب جبل أحد, ويحب وطنه. يتغاضي هؤلاء الذين يقتلون جنود الشرطة والجيش ويفجرون المصالح والجهات الأمنية والسيادية,ويسرقون وينهبون بعض الكنائس..عن سيرة النبي الأعظم, في الوقت الذي يقول فيه الجاحظ: كانت العرب إذا غزت, أو سافرت, حملت معها من تربة بلدها رملا وعفرا تستنشقه ويقو الإمام الغزالي: والبشر يألفون أرضهم علي ما بها, ولو كانت قفرا مستوحشا, وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس, تجعل الإنسان يستريح إلي البقاء فيه, ويحن إليه إذا غاب عنه, ويدافع عنه إذا هوجم, ويغضب له إذا انتقص. الواضح إذن أن أصحاب الفكر التكفيري والمسلك العدواني,لا يقرأون ولا يفهمون, ولا تمت أعمالهم الإجرامية للدين بأي صلة..والمؤسف أن مشاعر الكراهية لاتقتصر عليهم, فهناك وبالمبررات نفسها, من يستحلون لأنفسهم التزويغ من دفع قيمة تذكرة بعض وسائل النقل العام, أو الاحتيال, أو اختلاس أموال الدولة, أو التحريض علي هروب مجندي الشرطة والجيش من أماكن خدمتهم..إنهم يأخذون الكل بجريرة البعض, ويظلمون الأغلبية بذنب الأقلية,هؤلاء ختم الله علي قلوبهم وابصارهم,فصاروا لا يرون سوي ماتمليه عليهم أنفسهم المريضة, وعقولهم المضطربة..وبالتالي فهم أكثر من يسيئون للدين, بينما الدين منهم براء. إن الله سبحانه فطرنا علي حب أرضنا وأهلنا وديارنا..وبلادنا وإن جارت علينا عزيزة, وأهلنا وإن ضنوا علينا كرام ومعلوم أن النفي والتغريب عن الوطن عقوبة من الله لمن عصي, واقترف الفواحش ونشر الفساد في الأرض حيث يقول تعالي في سورة المائدة: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم وحب الأوطان لايقف عند حدود المشاعر, وإنما يتخطاها متجسدا في الأقوال والأفعال, فرسول الله يدعو للمدينة المنورة:( اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ماجعلت بمكة من البركة)( اللهم بارك لنا في تمرنا, وبارك لنا في مدينتنا,وبارك لنا في صاعنا, وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك, وإني عبدك ونبيك, وإنه دعاك لمكة, وأنا أدعوك للمدينة بمثل مادعا لمكة,ومثله معه).وهاهو أيضا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام دعا لمكةالمكرمة, كما حكي عنه ربنا جل وعلا, في سورة البقرةوإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلي عذاب النار وبئس المصير ويشير أحد أساتذة الشريعة إلي أن حب الوطن جزء من العقيدة, وكما يقول فإن الدفاع عن تراب الوطن واجب مقدس, مصداقا لقول الرسول في الحديث الشريف من مات دون أرضه فهو شهيد وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عمر الله البلدان بحب الأوطان وروي أن أعرابيا أراد السفر, فقال لامرأته: عدي السنين لغيبتي وتصبري وذري الشهوري فإنهن قصار.فأجابته: فاذكر صبابتنا إليك وشوقنا, وارحم بناتك إنهن صغار فأقام الرجل في وطنه متخليا عن فكرة السفر. وحب الوطن فرض علي أبنائه,المستظلين بظلاله, المتدثرين بسمائه مهما تعرضوا له من ظلم..وكما يتغني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب: حب الوطن فرض علي, أفديه بروحي وعيني..فهي بلاد ألفناها علي كل حالة وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن..ونستعذب الأرض التي لا هوا بها ولا ماؤها عذب,ولكنها وطن ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي: وطني لو شغلت بالخلد عنه, نازعتني إليه في الخلد نفسي.ويقول أبو تمام: كم منزل في الأرض يألفه الفتي,وحنينه أبدا لأول منزل..نقل فؤادك حيث شئت من الهوي, ما الحب إلا للحبيب الأول. وحب الوطن من علامات الصحة النفسية والراحة الذهنية وفي هذا الصدد,يقال إن إياس بن معاوية مر بمكان فقال لمن معه:إني أسمع صوت كلب غريب فقيل له بم عرفت ذلك؟ فأجاب: بخضوع صوته, وضعف نبرته, وشدة نباح غيره. وأخيرا, أدعو الله بالهداية لجميع الفرقاء ومازلت أرجو أن يغلبوا مصالح الوطن فوق كل اعتبارات سياسية أو فئوية..ألا هل بلغت اللهم فاشهد. رابط دائم :