ما أن فرغت من قراءة رواية( لمن تدق الأجراس) للكاتب الأمريكي هيمنجواي) حتي غمرني إحساس مفاجئ بالتعب رحت علي أثره في غيبة طويلة من النعاس. ورأيت في الحلم ممرا طويلا ضيقا تحيط به علي كلا جانبيه الأشجار الباسقة, وفي نهاية الممر كانت ترقد كنيسة عتيقة. وما أن وصلت بي خطواتي المتعثرة الحذرة إلي مدخل الكنيسة حتي لمحت رجلا كهلا مرتديا معطفا باليا وعلي رأسه قبعة عجيبة لا لون لها. وسرعان ما أتجه الحارس الكهل إلي ركن من أركان الكنيسة وأخذ يدق الأجراس دقات متواصلة. وما أن فرغ الكهل ومن عمله حتي هرع إلي خارج الكنيسة كل من كان في الداخل وقد استبد بهم الذعر والهلع وهم يصرخون في صوت واحد بهتاف فهمت منه بأن القيامة قد قامت وأن الأجراس التي كانت تدق إن هي إلا أجراس القيامة. وسألتني إمرأة عجوز كانت آخر من خرج من الكنيسة وقد تشبثت بذراعي بشكل آلمني: معذرة ياسيدي.. هل حقا قد قامت القيامة؟ وأجبتها علي الفور بلهجة واثقة: كلا ياسيدتي.. ولكنها كانت أجراس الإنذار من يوم القيامة.. وعقبت العجوز علي قولي وهي ترمقني في ذهول: وهل تحتاج القيامة إلي أجراس إنذار تسبقها؟! وأجبت وأنا أدير لها ظهري: بالتأكيد.. لابد لبوق القيامة وأن تسبقه أجراس الإنذار.. وعاد بعض رواد الكنيسة يعاودون الدخول إلي الداخل وقد بدأ عليهم الوجوم وعلت وجوههم صفرة الموت. وكان الجميع يركعون علي ركبهم وهم يقدمون الصلوات إلي الله عسي أن يرحمهم ويرفع مقته وغضبه عنهم ويطرح خطاياهم في بحر النسيان. وقال باتريك وهو يصلي في ضراعة: سامحني يارب.. فأنت تعلم بأني ماقتلت الفونسو إلا انتقاما لشرفي المطعون.. وتنهد أوسكار في صلاته وقال وهو يذرف الدموع: إغفر لي يارب.. فأنا ما استوليت علي أموال ابنة عمي إيفا إلا لسبب فقري المدقع وحاجتي الماسة إلي النقود.. وولول اندريا في محضر الله وأخيرا قال في صلاته: ربي وإلهي البار القدوس.. أنت تعلم بأني ما كنت أمارس الفحشاء والفسوق إلا لسبب غواية الشيطان.. وأما نورمان فلم يشأ أن يرفع وجهه إلي السماء بل قرع علي صدره في أسي وكمد وقد اعتراه إحساس عميق بالذنب وهتف قائلا: يا ربي وحبيبي.. أنت عالم بأن لا عذر لي في تعدياتي وكسري لوصاياك.. وظللت واقفا إلي جواره حتي فرغ من صلاته وقد بدأ علي وجهه ذلك المزيج الفريد من حمرة الشفق ونور الإيمان. وسألني نورمان في صوت متهدج: خبرني ياسيدي.. لمن كانت تدق الأجراس؟.. وأجبته في لهجة حانية: يا عزيزي نورمان.. هذه الأجراس ليست لك.. وعاد نورمان يسأل في حيرة: فلمن إذا كانت تدق الأجراس؟!.. ووجدتني أهتف به في حزم: لأولئك البؤساء الذين سقطوا علي الأرض كالذباب.. لهم وحدهم كانت تدق الأجراس!! رابط دائم :