لو صح ما تناقلته وسائل الإعلام عن وزير الزراعة أيمن أبوحديد بأن الأسواق بها طماطم محورة وراثيا ومسرطنة لاستحق محاكمته فورا بتهمة الإهمال الجسيم والتقصير الشديد في حماية صحة المصريين من الخطر. الوزير الذي تدور حوله أقاويل وشبهات منذ عصر المخلوع مبارك تعامل مع القضية ليس بوصفه وزيرا ولا مسئولا ولا مواطنا أو وطنيا ولكن بوصفة سياسية أقل ما توصف أنها تشبه هرمونات نمو الطماطم إذ اكتفي بالتأكيد علي أنها ترجع إلي أنواع من البذور تم تهريبها من إسرائيل قبل 30 يونيو وأن التهريب تم في عهد الإخوان، وبدلا من أن يتحرك الوزير للتحقيق والتحقق وحماية صحة المصريين من مادة السولانين المدمرة للكبد سارع إلي التعامل مع القضية بمنظور سياسي يلصق البذور بالمرشد والطماطم بجماعته. وقبل أن يتبرأ أبوحديد من مسئولياته، حرص علي تقديم السيمفونية المصرية المعروفة بنفي وجود طماطم مسرطنة، ثم التسليم بوجودها، فتشكيل لجنة لأخذ عينات، ثم نفي تصريحاته بوجود بذور إسرائيلية بالأسواق وأن الموجود هو طماطم المرشد القادمة عبر أنفاق حماس لتدمير صحة المصريين. وهذا العبث لا وجود له إلا في بلادنا، وهو بالمناسبة ليس جديدا وسبق الظهور بوجوه عديدة بعضها كان يتهم الوزير ذاته بأنه وراء دخول البذور الإسرائيلية ومبيدات تل أبيب حينما كان رئيسا للمركز القومي للبحوث الزراعية وكان الإخوان ساعتها يتهمونه بالتطبيع والتلاعب بصحة المصريين لصالح رجال مبارك وكان يرد بأن ما يقال مجرد خزعبلات سياسية لا علاقة لها بالزراعة وبحوثها، وهو الأمر الذي يجاهر به الآن بلغة سياسية وليست زراعية. والحق أقول إن الزراعة المصرية تلقت طعنات قاتلة خلال العشرين عاما الماضية بأسلحة تهريب البذور المحورة وراثيا والشتلات المعالجة هرمونيا والمبيدات منتهية الصلاحية التي شوهت ملامحها ونسفت أصولها، ورغم صرخات المواطنين والفلاحين والمهندسين الزراعيين استمر التجريف المتعمد لهويتها في عهد مبارك والمجلس العسكري والإخوان والسلطة الحالية واستمر أيضا ما يقال عن الطماطم المسرطنة والفاكهة القاتلة وخضراوات الفشل الكلوي ومعهم تواصل التهريب والاستيراد وبيع البذور والشتلات والمبيدات والأسمدة والهرمونات المخالفة علي مرأي ومسمع من الجميع بل إن البعض يتعامل كخبير في إكثار الإنتاجية وتحديث المزارع بهذه الأساليب المخالفة بكل علانية. ويبدو أن الزراعة المصرية لا تتغير بالثورات وأن الطعنات التي توجه لها بأيدي المصريين وغيرهم، والأوجاع التي تصيبهم باسمها وبتجارب أبحاثها وواردات أمراضها لا ترتبط بصيحات النشطاء بداية من الثورة الخضراء ونهاية بثورة يونيو. باختصار، ما تزال الزراعة في مرمي نيران العدو الحقيقي للمصريين في تل أبيب، وفي بؤرة الجشع والكسب الحرام لمهربي بذور وهرمونات ومبيدات الموت، وفي ذيل اهتمامات القائمين علي إدارة البلاد شأن كل زمان، ومع تلك الثلاثية التي لا يمكن تكييفها إلا بالجريمة مكتملة الأركان سيستمر المواطن يدفع الثمن سواء لبذور أبوحديد أو طماطم المرشد.