لا أستطيع تفسير حالة المصريين أمام محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، بل ويعجز كثير من فقهاء الطب النفسي عن تبرير مواقفهم منها تماما كعجزهم عن تفسير المتهم ذاته. فقد تحول كل مصري إلي قاض ومحام وطبيب نفسي وضابط ودبلوماسي ومحلل أمني ومؤرخ وخبير استراتيجي وعالم بأمور السجون والمحاكمات، ولا أرفض تلك الحالة من السلطنة المصرية التي أعقبت ثلاثة أعوام وليس ثلاثة قرون من ثورتهم علي الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأري أن ما يحدث مجرد أعراض لهوس الشعب بمعجزاته التي لم يكن كثير من أبنائه يتوقعها فحدثت بصورة تفوق الطموح والحلم والتوقعات أيضا. لهذا لا أجد غرابة في "الحالة" التي ظهر عليها الكثيرون أمام تلك المحاكمة وربما بصورة تفوق حالتهم أمام محاكمة مبارك والتي أخذوا يركزون فيها مع إصرار مرسي علي غلق "زرار الجاكيت" وتكرار كلمته "أنا الرئيس الشرعي 11 مرة" ولماذا وقف ليواجه المحكمة بينما أعطي باقي المتهمين ظهورهم لها؟ ولماذا رفض ارتداء اللبس الأبيض؟ ولماذا تواجد أنصاره أمام المحكمة الدستورية بينما يحاكم في القاهرة الجديدة؟، وماذا قال مرسي وباقي المتهمين في اجتماعهم التمثيلي بالمحكمة ولماذا وقف فلان علي يمين مرسي وعلان علي يساره؟ ولماذا ظهر المتهم وهو ينزل من "الميكروباص" وليس من الطائرة العسكرية؟ ولا أجد غرابة أيضا في وصول تلك الحالة إلي الربط بين المحاكمة وزيارة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي وموقف الغرب من المحاكمة، وتفسير طلب منظمة العفو ضرورة الإفراج عن مرسي وعلاقة ذلك باستمرار صفقات التنظيم الدولي، ولماذا أجري عدد من وزراء الببلاوي حوارات مع بعض القنوات ركزوا فيها علي الحريات لا علي إنجازاتهم الوهمية علي أرض الواقع؟ بل وصل الأمر إلي درجة الربط بين دخول المتهم القفص ومساومات حزب النور بشأن المادة 219 من دستور مجموعة الخمسين والمعركة الأخيرة لنزع ألغام الإخوان في الدستور. تلك "الحالة" هي التي كشفت الإخوان في عام واحد، فقد أصر "تنظيمهم" علي التعامل مع الشعب من منظور السمع والطاعة الذي قد يكون له مبرره بالنسبة للمرتبط بالتنظيم ولكنه لا علاقة له بالمواطن العادي حتى ولو قدم له استحقاقاته الانتخابية وفواتير فقره واحتياجه بالسلع والمستوصفات المجانية وغيرها، لأن هذا المواطن يريد أن يكون فيلسوفا وخبيرا ومن الآخر "بتاع كله" بينما التنظيم يريده تابعا يسمع دون تفكير ويطيع دون سؤال وينفذ دون وعي، وهذا جعل العبيد يتحالفون مع "الإخوان" وانتصر من يرفضون العبودية لحالة "المزاج المصري" التي لا تنازل عنها. وهذا الأمر هو الذي يفسر تصرفات مرسي وإخوانه داخل القفص وخارجه ويؤكد أن المصريين أدركوا أن الإخوان لا يعترفون بالواقع" فاستحقوا أن يلفظوا آخر أنفاسهم السياسية ب"المزاج المصري". رابط دائم :