ظل قانون التظاهر حبيسا في أدراج مجلس الوزراء لشهور, قبل أن تقرر حكومة الدكتور حازم البببلاوي, علي نحو مفاجيء, منحه قبلة الحياة من جديد, في تكرار يدعو للدهشة لما أقدمت عليه حكومة الدكتور هشام قنديل قبل شهور, عندما دفعت بالقانون نفسه إلي مجلس الشوري لإقراره, في محاولة يائسة لوقف تسونامي التظاهرات الذي ضرب البلاد, في الأسابيع الأخيرة لحكم الإخوان, وهي التظاهرات التي بلغت ذروتها بالمليونيات الحاشدة في30 يونيو, التي أطاحت بالرئيس مرسي بعد مرور عام علي وصول جماعته إلي الحكم في مصر. دفعت حكومة قنديل بمشروع قانون التظاهر للمرة الأولي, إلي مجلس الشوري لإقراره في مارس الماضي, في خطوة استهدفت السيطرة علي حدة التظاهرات التي اندلعت احتجاجا علي فشل حكومته, وسعي جماعة الإخوان للسيطرة علي مفاصل الدولة, في ظل انقسام واضح داخل الغرفة الثانية للبرلمان حينها, بين تيار كاسح تمثله الجماعة وحافاؤها, يري في القانون إجراء تنظيميا ضروريا, لضبط إيقاع العديد من التظاهرات, التي كانت تنظر إليها الجماعة, باعتبارها قد خرجت عن أغراضها المشروعة وطابعها السلمي, وبين أقلية كانت تنظر إلي القانون, باعتباره أداة تستهدف الجماعة من خلالها التضييق علي حق المواطنين في التظاهر السلمي, الذي كان ولايزال, جوهر الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك. كانت قراءة سريعة لنصوص المشروع الذي تقدمت به الحكومة حينذاك, كافية للتأكد من أن الهدف الرئيسي وراء إقرار مثل هذا القانون, لا يستهدف تنظيم التظاهرات والاحتجاجات السلمية المشروعة, بقدر ما يستهدف منح مزيد من الصلاحيات لأجهزة الأمن, في قمع هذه التظاهرات والسيطرة علي مساراتها, إذ اشترط علي منظمي أي اجتماع عام أو مظاهرة, إبلاغ الشرطة مسبقا, مع تحديد الزمان ووالمكان والموضوع والجهة المنظمة, ومنح في الوقت ذاته جهة الإدارة الممثلة في وزارة الداخلية, الحق في الرفض, إذا ما رأت أن من شأن هذا الاجتماع أو المظاهرة, اضطراب النظام أو الأمن العام. في26 مارس أعلن مجلس الشوري, موافقته المبدئية علي مشروع القانون, ضاربا عرض الحائط بحالة الاحتقان وغياب التوافق السياسي, التي كانت قد بلغت ذروتها في مصر جراء سياسات الجماعة, وقد لعبت أحداث العنف التي شهدتها العديد من التظاهرات في تلك الفترة دورا كبيرا, في زيادة حالة الاحتقان التي ساعد عليها, في حقيقة الأمر, ما يمكن وصفه ب غياب نصوص قانونية واضحة تتعلق بكفالة حق التظاهر, وتحدد واجبات وحقوق جميع الأطراف, سواء المتظاهرون أو قوات الأمن. يري كثيرون اليوم وكاتب هذه السطور من بينهم, ان إقرار قانون التظاهر لو كان قد تم خلال فترة الرئيس المخلوع, لكان كفيلا ليس فحسب بإجهاض ثورة الشعب التي خلعت الإخوان من الحكم في30 يونيو, وإنما بمحاكمة كل من دعا إليها أو شارك فيها, إذ كان بوضعه الذي أحالته به حكومة قنديل إلي مجلس الشوري, لا يهدف إلي الأمن, بقدر ما كان يهدف إلي تبرير القمع البوليسي, بإعادة تدوير المعادلة القديمة التي اعتمد عليها نظام مبارك لعقود, والتي كانت تعتمد علي الأمن مقابل القمع, وهو أمر لم يعد في طاقة أحد في مصر اليوم تحمله أو حتي مجرد سماعه, الأمر الذي من شأنه أن يطرح آلاف الأسئلة علي حكومة الدكتور الببلاوي, وعن السر وراء إصراره علي تمرير قانون, سبق أن تقدمت به جماعة الإخوان لتكميم الأفواه, وسلب المصريين حقا أصيلا انتزعوه بالدم في ثورة25 يناير؟ ربما يعكس السجال الكبير الذي شهدته الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء, قبيل إحالة مشروع القانون للرئيس عدلي منصور, للدلالة علي حجم التوتر الحاصل في الشارع السياسي, وقد كان الجناح المعارض للقانون داخل الحكومة يري بوضوح ما تراه العديد من القوي الثورية الآن, من اقرار أي قانون من شأنه أن يحد من حق التظاهر السلمي, هو قانون جائر, وأن عشرات النصوص التي يتضمنها قانون العقوبات الجاري, كافية لردع أي خروج في التظاهرات التي تنظمها الجماعة علي السلمية. ربما تكون التهديدات التي لا تزال جماعة الإخوان تواصل بين حين وآخر, بالترتيب لتظاهرات أكثر عنفا مع بداية النصف الثاني من نوفمبر المقبل, هي أحد الأسباب التي عجلت بدفع الحكومة بالقانون لإقراره, خاصة أن حالة الطوارئ سوف تنتهي في هذا التوقيت, ولن يكون بمقدور الرئيس تمديدها إلا عبر استفتاء شعبي, لكن المؤكد أن الغالبية العظمي من القوي السياسية علي اختلاف توجهاتها, لا تخفي معارضتها لمشروع القانون, وهو ما يحتم علي الحكومة التريث في إقراره, وطرحه لحوار هادئ بعيدا عن توترات المشهد الراهن, بهدف الوصول إلي قانون ينظم ولا يقمع, ويحمي ولا يصادر, ومن قبل ذلك كله, يحافظ علي حق أصيل انتزعه المصريون بالدم, عندما نجحت حشودهم الهادرة في إسقاط نظام مبارك, بعدما جلس علي عرش مصر لمدة ثلاثين عاما, في يناير من العام2011. رابط دائم :