في الوقت الذي تتكاتف جهود الحكومة لتوفير التمويل اللازم لاستيراد القمح من الخارج, مهما كانت قيمة هذا التمويل, نجد العكس في التعامل مع المزارع المصري عند قيامه بتوريد حصيلة زراعته لهذا المحصول الاستراتيجي, فعلي الرغم من التصريحات التي يطلقها المسئولون عن توفير التمويل اللازم لشراء القمح من المزارعين من خلال بنوك التنمية والائتمان الزراعي, وكذلك وزارة التضامن الاجتماعي, كان حصول المزارع علي مستحقاته المالية بعد عملية التوريد قد تستغرق ثلاثة أشهر. هذا الأمر قد يجعل كثيرا من المزارعين يعزفون عن زراعة القمح, أو أي محاصيل استراتيجية أخري الدولة في أشد الحاجة إليها. بداية يري الدكتور عبدالسلام جمعة خبير زراعة القمح: أن سهولة توفير المتطلبات المالية في عمليات استيراد القمح من الخارج تعد سهلة ومتوافرة, فإنه بالنسبة للسيولة المالية التي يتم توفيرها للفلاح المصري لتوريده الحاصلات الزراعية بشكل عام وتوريد محصول القمح بشكل خاص تعد غاية في الصعوبة, وهذا يدعو إلي السؤال المحير لماذا يتم توفير السيولة المالية لعمليات الاستيراد من الخارج ومن المستفيد من تبسيط الإجراءات الاستيرادية وترك الفلاح المصري يواجه هذه الصعوبات بالرغم من أن80% من الفلاحين مستأجرين للأراضي الزراعية التي تتم زراعتها في مصر. ويري علي شرف رئيس غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية: أنه بعد أن أصدرت القرارات من وزارة الزراعة والتي تفيد أنه سيتم رفع سعر توريد القمح من الفلاح المصري, وكان هذا بداية بشائر الخير وسارع كل فلاح في توريد القمح في شون الجمعيات الزراعية وبنك التنمية والائتمان الزراعي, وبعد أن أصبح القمح في الشون لم يأخذ الفلاح حقه وذلك بحجة أنه لا توجد لدي الفلاحين بطاقات حيازة زراعية تفيد أنه قام بزراعة القمح في الأراضي المصرية, وتسبب ذلك في وجود خسائر كبيرة للفلاح, والذي يقوم بشراء الأسمدة والبذور ورعاية وخدمة الأرض الزراعية طوال السنة بما يعرف بالأجل( أي علي الحساب) حتي يتم بيع المحصول وبنفس الثمن ثم يقوم بالسداد لجميع الجهات المتعامل معها فإن تأخير مستحقاته ستزيد من معاناة الفلاح المصري. وأكد محمد عويضة عضو غرفة الصناعات المصرية: أن عشوائية التعامل مع قطاع الزراعة سيؤدي خلال الفترة المقبلة إلي أزمة كبيرة بسبب عزوف الفلاح المصري عن الزراعات الاستراتيجية التي يرتكز عليها المستهلك مثل القمح والذرة والأرز والبنجر فلماذا هذا التخبط في القرارات وعدم التنسيق بين الجهات المتخصصة في تسليم المحاصل من الفلاح المصري الذي أصبح يواجه الكثير من العقبات في زراعة هذه المحاصيل الاستراتيجية والتي ستجعله يبتعد عن زراعة هذه المحاصيل العام المقبل, مما سيعرض الحكومة لأزمات كبري بسبب نقص هذه المحاصيل في الإنتاج المحلي. وقال الدكتور صلاح جودة مدير مركز الدراسات الاقتصادية: إن تأخير مستحقات الفلاح المصري تعني زيادة فوائد البنك علي كاهل الفلاح, وتقدر هذه الفوائد بنحو من25% 32% من قيمة إيرادته ولذلك نجد في نهاية كل عام مشكلة تتجدد سنويا, وهي مشكلة المتعثرين مع بنك التنمية والائتمان الزراعي, وهذه المشكلة تأتي من عدم قدرة الفلاحين علي السداد بسبب زيادة المدة الخاصة بالحصول علي مستحقاتهم والتي تصل إلي نحو3 أشهر وتم حل جميع مشكلات المتعثرين وحذف المديونية المستحقة علي الفلاحين وكانت هذه المديونيات تعد بمثابة فوائد عن المدة التي امتنع فيها البنك عن إعطاء المستحقات للفلاحين, وهذا ما جعل الفلاحين تحجم عن زراعة الحبوب والغلال وهي الأرز والقمح والذرة وتقوم بزراعة المحاصيل الأخري والفواكه مثل الفراولة, والكنتالوب, والبطيخ لأن هذه السلع يتم بيعها بالقطاع الخاص وتحصيل المستحقات قبل حصة المحاصيل. ويقول الدكتور عمر الحسيني الأستاذ بكلية الزراعة جامعة بنها: إنه لو استمر المسئولون في وزارة الزراعة, وبنك التنمية والائتمان الزراعي علي هذا المنوال, فإننا سنجد خلال سنوات قليلة قادمة أن مصر قد تخلت عن زراعة القطن والقمح والذرة والبنجر وهذه محاصيل رئيسية واستراتيجية, وكان الأجدي بالمسئولين أن يقوموا بتشجيع الفلاحين بزراعة هذه المحاصيل الاستراتيجية, وأن يتم المحاسبة علي أساس تكلفته الزراعية لعدم خسارة الفلاح المصري, واللجوء إلي الاستيراد, مشيرا إلي أنه يجب علي الجهات الإدارية, وعلي رأسها وزارة الزراعة, وبنك التنمية والائتمان الزراعي أن تقوم بسداد مستحقات الفلاحون أولا بأول ويتم العمل علي زيادة قيمة توريد المحاصيل حتي يقبل الفلاحين علي زراعة الغلال والحبوب والقطن.