تصاعدت في الآونة الأخيرة ظاهرة انتشار المرضي النفسيين في الشوارع إلي حد مخيف خاصة قي ظل ما نعانيه من أزمات وتصاعد وتيرة العنف في المجتمع المصري. فبين الخوف منهم والإشفاق عليهم وربما الاشمئزاز من مظهرهم المرعب وغير الآدمي والنفور من رائحتهم الكريهة.. يتملك المواطنين مشاعر متباينه في حال مصادفة أحد المرضي النفسيين في الشوارع, متسائلين عن دور الأجهزة المعنية بالدولة في النظر إلي هؤلاء المنسيين بعين الرحمة ومن قبيل حق الإنسان في العيش الكريم قبل اعتباره واجب علي الدولة للعناية بهم وتقديم الرعاية الصحية والنفسية الملائمة لضمان إعادة تأهيلهم لممارسة الحياة بشكل طبيعي.. فيما يفند عدد من خبراء علم النفس والاجتماع أسباب انتشار تلك الظاهرة وسبل العلاج.. في البداية تشير ندي ناجي طالبة- إلي وجود شخص مصاب في عقله يتردد دائما علي شارع عباس العقاد بمدينة نصر الذي تقطن به, لافتة إلي أنه لديه هاجس تنظيم المرور, مما يدفعه للوقوف لساعات طويلة بجانب رجال المرور لتنظيم المرور معهم, مؤكدة أنه غير متزن إلا أنه لا يقوم بإيذاء أحد, كما أنه بات معروفا في المنطقة والناس يألفونه. وتؤكد أن هناك شخصا آخر يدعي هيثم وهو منغولي, يتردد علي المنطقة من حين لآخر, متمتعا بمظهر حسن وسمعة طيبة بين الناس, إلا أنه يبقي في الشوارع لساعات طويلة لا أحد يعلم مكان أقاربه, مما يثير شفقة الكثيرين عليه وعن رد فعلها حينما كانت تجلس في سيارتها وفوجئت بامرأة مريضة نفسية ذات مظهر مقزز ورائحة كريهة تطرق باب السيارة بعنف, تشير ندي ناجي إلي أنها أصيبت بالذعر الشديد وأغلقت كافة نوافذ السيارة وتحركت بها علي الفور, مناشدة السلطات المسئولة بالدولة لتبني استراتيجية جديدة تتضمن رعاية هؤلاء المرضي ليس فقط لأنهم يروعون المارة في الشوارع بل باعتبارهم مواطنين ولهم حقوق مثل بقية الشعب. ويري ابراهيم حسان موظف- أن أعداد المرضي النفسيين تزداد في الشوارع إلي حد أصبح مخيفا, خاصة في المناطق العشوائية وتحت الكباري, الأمر الذي يهدد الأمن في المجتمع المصري, كما أنه يشوه صورة مصر الحضارية, وينم عن غياب تام لدور الدولة تجاه هؤلاء المواطنين الذين لا يعرفون معني الحياة الكريمة. في السياق ذاته تؤكد مريم أحمد مدرسة- أنها تصاب بالفزع عندما تصادف هؤلاء المرضي في الشوارع, كما أنها تقوم بتغيير طريقها, لتجنب الاقتراب منهم, نظرا لأنهم قد يقومون بأي فعل غير مسئول نتيجة وجود خلل ما في أذهانهم, مناشدة المسئولين بضرورة جمع هؤلاء المرضي وإخضاعهم للرعاية الصحية والنفسية التي تضمن لهم إعادة التأهيل ليعاودوا ممارسة الحياة بالشكل الطبيعي. ترك هؤلاء المرضي في الشوارع جريمة في حق الإنسانية. بهذه الكلمات بدأ ياسر ممدوح, موظف بإحدي الشركات الحكومية, حديثه, إن هذه الحالات قد تكون نتيجة تعرض بعض المواطنين أصحاب الطبقات الاجتماعية المتوسطة أو الفقيرة لظروف اجتماعية ومادية ونفسية قاسية جدا, كالتعرض لبعض الصدمات المتتالية في الحياة العامة, أو الشعور بالقلق والتوتر لفترات ممتدة, أو الشعور بالعجز تجاه القدرة علي تلبية متطلبات الحياة الأساسية, مما يؤدي إلي الوصول إلي ذروة الإنهاك الذهني وعدم القدرة علي تحمل مزيد من الضغط, مما يفرز حالة من الاكتئاب الشديد قد يؤدي إلي فقد الإنسان لجزء من عقله. وتضيف سوسن فايز أن غالبية المرضي النفسيين ذوي التصرفات غير الطبيعية في الشوارع, هم في الأصل أطفال شوارع قضوا سنوات طويلة من عمرهم ما بين التسول وتعاطي المخدرات وممارسة شتي مختلف الأعمال الإجرامية حتي صاروا أسر شوارع, مما رسخ لديهم الشعور بالإهمال والظلم والقهر تجاه المجتمع حكومة وشعبا. وتضيف أن هذا الشعور السلبي الذي ترسخ علي مدار أعوام من شأنه انتاج حالة من الإحباط الشديد والرغبة في الانتقام من المجتمع الذي أهدر حقوق هؤلاء, ومن ثم إفراز حالة اضطراب نفسي حاد وردود أفعال شاذة وغريبة وغير ممتزنة, تظهرهم بمظهر المرضي النفسيين, مثل الصراخ أو خلع ملابسهم وسط المارة أو التحدث إلي أنفسهم بصوت عال, لافتة إلي أن هذه التصرفات قد تصدر بغرض لفت النظر المارة إليهم. وتنصح الدكتورة سوسن فايز بضرورة إخفاء المواطنين شعورهم بالخوف وعدم إظهار النفور من هؤلاء المرضي بقدر المستطاع, حتي لا يتنامي شعورهم بالسخط تجاه مجتمعهم أو تزداد حالتهم النفسية سوءا, مشيرة إلي ضرورة إشعارهم بالإحسان والتعاطف معهم بالقدر الذي لا يؤدي إلي الإضرار بالمواطنين وعن أحدث الدراسات الاجتماعية بخصوص تلك الظاهرة, توضح فايز أنها ذات أثر خطير علي الدولة المصرية وأمنها القومي بسبب انتشارها السريع, لافتة إلي أن المركز القومي للبحوث الاجتماعية قدم العديد من المقترحة العملية للحد من تلك الظاهرة, إلا أن الحل يتطلب تضافر جهود عدد من الوزارات والهيئات المعنية بالدولة كوزارات التضامن الاجتماعي والداخلية والتعليم والأوقاف, للتمكن من إعادة تأهيل هؤلاء المرضي من خلال احتوائهم و توفير مساكن ومصادر للرزق بعد تعليمهم بعض الحرف. وتؤكد أن جميع المقترحات المقدمة لوزارة التضامن الاجتماعي لا تزال حبرا علي الورق, بسبب ما تعانيه الدولة من قصور في التمويل وعجز في تبني استراتيجية ممنهجة وفعالة للحد من تلك الظاهرة تدريجيا. فيما ترجع الدكتورة مني يوسف, المستشارة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, سبب انتشار تلك الحالات في الشوارع إلي عدم كفاية المستشفيات الخاصة باستقبال مثل هذه الحالات المرضية, أو بسبب حالة الاضطراب العام الذي تعاني منه البلاد منذ3 سنوات والذي أثر علي دور الدولة في كثير من المجالات, ومن ثم التقصير في دورها تجاه هذه الفئة التي باتت مهملة إلي حد كبير. من جانبه يوضح الدكتور جمال أبو شنب أستاذ اجتماع سياسي بجامعة حلوان- وجود هذه الظاهرة في الشوارع منذ سنوات طويلة, فهي ليست جديدة, بينما توجد دلالة اجتماعية علي انتشار تلك الظاهرة وإساءة استخدامها من قبل بعض الأطراف في الفترة التي أعقبت ثورة25 يناير, لأن فترة ما بعد الثورات دائما ما تشهد فيها المجتمعات حالة من حالات السيولة وتراخي مؤسسات الدولة عن القيام بدورها, فضلا عن ضعف التشريعات واللوائح القانونية التي من شأنها ردع الخارجين علي القانون رابط دائم :