في شهادته التي كشف عنها الليلة الماضية وحصل الأهرام المسائي علي نسخة وينشرها تفصيليا اليوم.. أزاح الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الستار عن احداث الأيام الأخيرة التي سبقت ثورة25 يناير حتي تنحي الرئيس الأسبق مبارك. وأجاب عن التساؤلات التي طرحها البعض حول زيارته التي سبقت الثورة للولايات المتحدة وتفاصيل لقائه المفاجئ بقاعدة أندرو الأمريكية مع قائد المنطقة المركزية الأمريكية الذي فوجئ به في انتظاره قبل عودته للقاهرة بطلب من المشير طنطاوي وزير الدفاع السابق. وقال عنان إن الرئيس الاسبق طلب منا الاجتماع به بعد بيان المجلس العسكري مباشرة, وفي هذا الاجتماع قال المشير طنطاوي: انتوا كده اعلنتوا موفقكم ياحسين, وعندما تأخر المشير في الرد قلت له: ياريس احنا أعلنا موفقنا علشان عارفين سيادتكم مابتحبش الدم. ثم تحدث عنان عن رؤيته للتعامل مع الاحداث فقال: الخروج من الأزمة كان يتطلب انقلابا ناعما يحقق الاستقرار ولا يسفك الدماء, مشيرا إلي الاحتقان الذي كان يسود الشارع قبل الثورة بسبب عدة أشياء خاصة بنتائج الانتخابات البرلمانية, وقال: إن الرئيس المخلوع قال لعمر سليمان: لا تقلق ياعمر.. أحمد عز مرتب كل حاجة في الانتخابات. وأكد أن زيارته إلي أمريكا قبل الثورة بساعات كانت معدة من قبل في إطار التعاون العسكري المصري- الأمريكي, لكن عندما اندلعت الثورة كنت أتابعها باستمرار, وعندما علمت بنزول الجيش شعرت بخطورة وطلبت مني المشير العودة فقال لي: ارجع وعند العودة فوجئت بقائد المنطقة المركزية الأمريكية في انتظاري بقاعدة أندرو الجوية الأمريكية وسألني: هل ستضربون المتظاهرين بالرصاص الحي؟ قلت: لا طبعا.. لأن الجيش المصري له تقاليده الراسخة, فأثني علي هذا الموقف. وإلي الشهادة التي حصل الأهرام المسائي علي نصها.. زيارة أمريكا قبل الثورة بيوم بدأ عنان شهادته عن زيارة أمربكا قبيل الثورة قائلا: في الحقيقة سمعت كثيرا من اللغط بهذا الشأن ولم يكن لأصحاب تلك الشائعة أسانيد أو أدلة ودارت هذه الأكاذيب كأنها حقيقة لكني بحكم موقعي كرئيس للأركان آنذاك كانت هناك ترتيبات لزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية في شهر أكتوبر2010 تهدف إلي التنسيق فيما يتعلق بالتعاون العسكري المصري الامريكي وهذه زيارة تعقد لجنتها سنويا يتم الترتيب لها في مصر ويسبقها تنظيم مؤتمرات علي مدار8 أشهر تبحث في جميع أنواع التعاون في كل الأفرع والأسلحة وتحدد المطالب كما تقيم ما تم انجازه في العام السابق. وأضاف أنه قبل السفر بعشرة أيام تقريبا تحدثت مع المشير طنطاوي في شأن اقتراب موعد انتخابات مجلس الشعب التي كانت تتواكب في موعدها مع موعد الزيارة إلي أمريكا وأوضحت له أن العملية الانتخابية تستدعي أعمال تأمين وحماية تتولاها القوات المسلحة تحت إشراف رئيس الأركان وهو ما كان يتطلب وجودي فتقبل القائد العام وجهه نظري وطلب مني اتخاذ إجراءات تأجيل الزيارة وتم إبلاغ الجانب الامريكي الذي لم يمانع علي أن تكون الزيارة في يناير2011.. وقد كان.. تطمينات عز بالطبع جاءت النتائج صادمة حيث اكتسح مرشحو الحزب الوطني الحاكم الانتخابات في مواجهة المعارضة الحزبية والمستقلة وكانت النتائج مستفزة لأن الحزب لا يحظي بشعبية تبررها كما كانت بصمات التلاعب واضحة أمام الجميع وشأني كمواطن مصري لم يختلف عن شأني السياسي وشعرت بقدر كبير من المهانة والاستهانة بعقول المصريين ونقلت هذا الرأي صراحة للسيد المشير الذي كان بدوره يشاركني في عدم الرضا والذي أعرفه جيدا أن المشير تحدث مع الرئيس آنذاك في تخوفه من الآثار السلبية الوخيمة التي قد تترتب علي النتائج المعلنة كما علمت بعد ثورة25 يناير من اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات الأسبق رحمة الله عليه أنه أبلغ الرئيس بما يدور علي الساحة السياسية وهما في رحلة خارجية وبعد العودة استدعاه الرئيس وقال له: لا تقلق يا عمر, أحمد عز مرتب كل حاجة. واسترجع عنان حديثه عن المشير قائلا: أعتقد أن الرد نفسه كان قد سمعه القائد العام للقوات المسلحة حسين طنطاوي. مسئولية المؤسسة العسكرية بالطبع هناك أطر ومسئوليات لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة والمؤسسة العسكرية لم يكن لها شأن بتفاصيل العملية السياسية لأنها مؤسسة وطنية وقادتها يقدمون النصيحة لوجه الله والوطن ولا يتابعون العمل بها ولا تصدق ما قيل من مزاعم حول استياء القيادات الوسطي وصغار ضباط الجيش آنذاك لأن التزامنا بدورنا كامل لا تشوبه شائبة وتعامل الضباط مع الأحداث السياسية يتم كمواطن يتابع ويتأثر بما يدور حوله لكنه في الوقت نفسه يعرف حدود مهامه جيدا ولا يتجاوزها. رد الفعل وقال عنان- وكأنه يسترجع مشهدا من ذاكرته البصرية- دار حوار بيني وبين المشير لن أنساه حيث بدأته قائلا: الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أصدر أوامره لوزير الدفاع بالتعامل العنيف مع المتظاهرين لكنه رفض فبادرني المشير بالرد قائلا التعليمات كانت لرئيس الأركان وليس لوزير الدفاع فقلت له كنت أعرف هذه المعلومة لكني حرصت علي التأدب في القول علي اعتبار أنه السلطة الأعلي في الأنظمة العسكرية الشرقية التي تتأثر في هيكلها بالنموذج الروسي وهو النموذج الذي لا تتبعه التجربة التونسية حيث يمثل منصب وزير الدفاع تكليفا سياسيا ثم التفت إلي المشير قائلا: لو حصل هذا الأمر عندنا في مصر.. ماذا تفعل يا سامي ؟ فأجبته بلا تردد لن أضرب متظاهرا مصريا فدوري هو تأمين المتظاهرين والحفاظ علي أرواحهم.. وأنا متأكد أن سيادتكم لا يمكن أن تصدر أمرا بضرب النار. فقال المشير مبتسما: لماذا أنت متأكد ؟ فذكرته بما حدث عند الاجتياح الفلسطيني في رفح عندما كانت التعليمات بالمعاملة الإنسانية دون عنف.. وعندما طلبت القيادة السياسية آنذاك التعامل بعنف عند الاجتياح الثاني رفض أيضا قائلا إن السلاح المصري لا يمكن إشهاره في وجه فلسطيني فمن باب أولي لا يتم توجيهه للمصريين. رحلة لم تكتمل وأضاف: عندما وصلت أمريكا كان برنامج الزيارة يسير وفق التخطيط الذي سبق إعداده وفي مساء يوم27 يناير كنت في عشاء عمل بدعوة من الجانب الامريكي وكان من الضروري أن يتطرق الحوار إلي المظاهرات التي تشهدها مصر فسألني السفير ألكسندر فر شبو رئيس اللجنة المركزية المناظرة للجنة المصرية عما إذا كنت متابعا لما يحدث في مصر من عدمه فأجبته بأني أتابعها عبر وسائل الإعلام واستأذن ألكسندر سائلا ماذا يفعل الجيش لو نزل إلي الشارع ؟ فأجبته قائلا ثق بأن الجيش لا يفعل ذلك إلا إذا حدث تهديد للمنشآت والأهداف الحيوية حينئذ سيكون علي الجيش واجب التأمين.. فعاودني ألكسندر سائلا ألن تضربوا المتظاهرين ؟.. فأجابته لا بالطبع.. فقال لي: حتي لو صدرت الأوامر بالضرب؟ قلت له إنني واثق أن مثل هذه الأوامر لن تصدر, حتي إذا صدرت فلن نطلق النار علي أبناء وطننا. ولن أنسي ما حييت التعليق العفوي الذي صدر من ألكسندر ونبرة الإعجاب والتقدير حين قال إن القوات المسلحة المصرية علي قدر عال من المهنية والاحترافية وتتخلق بأخلاق الفروسية. وبعد عودتي من عشاء العمل أسرعت بالاتصال بالمشير طنطاوي وطلبت منه العودة إلي مصر لكنه رفض لاستكمال المأمورية التي سافرت من اجلها وكنت أتابع عند عودتي للفندق ما تبثه قناة الجزيرة القطرية البارعة في صناعة التوتر وزاد قلقي لأن مقابلتي مع الأدميرالمولن كان موعدها بعد يومين كما أنه كان خارج واشنطن فلم أحتمل الانتظار.. وبدافع من الشعور بالخطر الشديد ارتديت ملابسي وطلبت من زوجتي أن تستعد للعودة إلي مصر وعاودت الاتصال بالمشير فلم أجده بالاستراحة أو الوزارة وعرفت أنه موجود في قيادة المنطقة المركزية مع اللواء الرويني وأخبرته بأنني أريد العودة فقال كلمة واحدة ارجع.. عندها تصاعد شعوري بالخطر. مفاجأة في قاعدة أندرو وتدارست مع أعضاء الوفد كيفية الرجوع في أسرع وقت واتخذنا القرار وفي اتصال آخر باللواء الرويني للاطمئنان علي المشير أخبرني بأن الأوامر قد صدرت بنزول القوات المسلحة لمعاونة الشرطة في تأمين المنشآت والأهداف الحيوية وتوجهنا والوفد المرافق إلي قاعدة أندرو حيث كانت المفاجأة في وجود الجنرال ماتيس قائد القيادة المركزية الأمريكية الذي لم أكن أتخيل أن يحضر خصيصا لمقابلتي و اصطحبني لمكتب قائد القاعدة لنتحدث علي انفراد وسألني بالحرف الواحد هل ستطلقون الرصاص علي المتظاهرين ؟ فقلت له لا فبادرني حتي لو صدرت لكم الأوامر بذلك ؟ قلت له: حتي لو صدرت الأوامر فشد علي يدي واسمعني بعض عبارات الثناء علي الجيش المصري وقيادته. المتغطي بالأمريكان عريان واتخذنا طريقنا من قاعدة أندور إلي نيويورك لنلحق بطائرة مصر للطيران.. حينها ألقي الرئيس مبارك بكلمته الشهيرة يوم28 يناير وفوجئت بخبر عاجل علي قناة الجزيرة عن قطع زيارة رئيس الأركان المصري للولايات المتحدة وعودته إلي مصر.. ولم يكن هناك تفسير للخبر إلا أنه تسريب أمريكي مقصود يأتي في إطار خطة معدة لتحقيق أهداف بعينها.. وعاودتني الحقيقة الراسخة بأن المتغطي بالأمريكان عريان فصانع القرار الامريكي يبحث دائما عن مصلحة بلاده والسياسة مصالح بلا عواطف فمن تابع تصريحات الإدارة الأمريكية خلال الأزمة يكتشف بلا عناء تطبيقهم للمثل المصري المعروف مسك العصا من النصف حيث بدأوا بتأييد مبارك ثم تحفظوا قليلا مع تصاعد المظاهرات والاحتجاجات وتغير الموقف. كلمة مبارك ووصف الكلمة قائلا: حقيقة أنا توقفت طويلا أمام قوله طلبت من الحكومة تقديم استقالتها اليوم لأن التعبير لم يكن موفقا في صياغته ويوحي بالضعف والتردد وغياب الحسم فالقرار الصائب بنسبة80% في توقيت مناسب أفضل بكثير من قرار صائب بنسبة95% في توقيت غير مناسب.. واستطرد: لو كنت مكان مبارك لاستخدمت تكوينا لغويا مثل إقالة حكومة نظيف لفشلها في إدارة شئون الدولة.. وحينها شعرت بأن الرئيس الأسبق يقع تحت ضغوط حتي لا يتخذ قرارات قوية وأن بعض المحيطين به لا يتعاملون مع الاحتجاجات الشعبية في ميدان التحرير بالجدية المطلوبة ويظنون أنه أمر سينتهي سريعا.. فجانب كبير من المشكلة يتعلق بالمعلومات المقدمة للقيادة قبل اتخاذ القرار.. والمعلومات سلاح فتاك يعين علي تحقيق الانتصار ويؤدي غيابها للهزيمة وزيادة التأزم وبدا علي إدارة الرئاسة منذ بداية الأزمة التخبط وعدم وضوح الرؤية.. وهذه مسؤولية يتحملها معاونو الرئيس ومستشاروه. وأشار إلي أن الخطاب كان محاولة لاحتواء الموقف لكن التأخير في اتخاذ القرار أدي إلي تفاقم المشكلة وزيادة الاحتقان فلو أنهم سألوا الشباب الغاضب في التحرير عن مطالبهم وقدم لهم الرئيس استجابة لمطلبين هما إقالة الحكومة ومن بينها وزير الداخلية تحديدا ووعد رئاسي صريح بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة وعدم التوريث لانصرف99% من الشباب الغاضب لكن شيئا من هذا لم يحدث للأسف.. فقد كان الإيقاع بطيئا مما صعد الأزمة حيث ان ما كان يرضي الثوار في اليوم الأول لن يشبعهم أو يقنعهم في اليوم الثاني. وعاد ليؤكد أن الرئيس مسئول بحكم منصبه ومسئوليته التاريخية لكن المسئولية الأكبر يتحملها من يعيقون بتقصيرهم وضوح الرؤية عنده فتولد قراراته مريضة بعرضين مدمرين هما التأخير في التوقيت والعجز عن فهم حركة الشارع وحدودها. انقلاب ناعم وعن رحلة العودة التي استغرقت13 ساعة قال عنان: أنا للأمانة سرحت كتير ودارت برأسي سيناريوهات عدة توصلت خلالها إلي مجموعة من الترتيبات التي رأيت أنها ضرورة وطنية خاصة بعد أن شاهدت علي شاشات التليفزيون دبابات مكتوبا عليها الحرس الجمهوري تقف أمام مبني ماسبيرو وقد كان من المقرر أن تقتصر مهام الحرس الجمهوري علي تأمين المنشآت القريبة من مؤسسة الرئاسة كما أن قائد الحرس يتلقي تعليماته من رئيس الجمهورية.. وكان أول هذه الترتيبات هو أن الخروج من الأزمة يتطلب انقلابا ناعما يحقق الاستقرار دون سفك للدماء أو سقوط ضحايا علي أن يراعي هذا الانقلاب مطالب الشعب من ناحية والحفاظ علي مكانة المنصب الرئاسي من خلال انتخابات حرة نزيهة من ناحية أخري. كما كان لابد أن يتم الانقلاب بكياسة ولباقة فتتحرك مجموعات من رجال الصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية للمرور علي القوات في ميدان التحرير وماسبيرو ومن هناك تعلن القرارات التي اتخذها المجلس الأعلي للقوات المسلحة للحفاظ علي وحدة الوطن وتجنب الصراعات.. وكنت في ذلك الوقت أراهن علي تجاوب الشعب وترحيبه حيث كان النداء في الشارع بهتاف الجيش و الشعب إيد واحدة وبمجرد وصولي لمطار القاهرة ظهر يوم29 يناير توجهت لمبني وزارة الدفاع وارتديت ملابسي العسكرية ثم التقيت المشير طنطاوي في مبني القيادة وبعد فهم الموقف وشرحه لي باستفاضة من رئيس العمليات اصدرت توجيهاتي في وجود المشير لضمان وجود القوات بأماكنها ثم خرجت مع المشير لحديقة القيادة وطرحت عليه أفكاري مؤكدا له أن الانقلاب الناعم هو الحل الوحيد وشرحت له الإجراء العملي بتشكيل مجلس رئاسي برئاسة المشير الذي يتولي أيضا حقيبة وزارة الدفاع وإعلان مواقيت محددة لإنهاء الأزمة والخروج بالبلاد إلي بر الأمان فسألني المشير.. حد يعرف الكلام ده غيرك ؟ قلت له لا فقال طيب.. بلاش الكلام ده.. التزمت طبعا بتوجيهاته وكانت الأحداث تتصاعد بإيقاع سريع. إسقاط الدولة وقال وكأنه يروي مشاهد من الذاكرة البصرية : كانت أجواء التوتر والاحتقان تسود مصر كلها وتشكلت لجان شعبية بمبادرات شبابية لمواجهة أعمال السلب والنهب والبلطجة فهناك محطات مترو تتحطم وتسرق وعصابات منظمة تسطو وعلي الجانب الآخر يخرج صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني ليعلن أن أحمد عز أمين التنظيم قد تقدم باستقالته وعرضت علي هيئة المكتب وتم قبولها.. وطبعا مثل هذه الإجراءات لم تكن ملبية لطموحات الشباب الذي ملأ ميادين مصر خاصة ان هناك تحالفا قويا من قوي داخلية وخارجة كان حريصا علي التصعيد ورافضا لكل المبادرات والحلول التي تحقق الاستقرار وتحول دون الانهيار.. فالشباب الذي خرج يوم25 يناير لم يكن يتصدر المشهد حينئذ وأدركت بحكم موقعي أن هناك من يستثمر الموقف لتحقيق أهداف ومصالح خاصة ويستخدم الشباب المخلص والشعارات الثورية كمبرر لإسقاط الدولة ولا شك أن الشعب الآن قد تعرف علي هؤلاء. وبدأ بمقولة: اللي ما يشوفش من الغربال يبقي أعمي أتبعها قائلا: إن واقع ما بعد سقوط محمد مرسي يظهر بجلاء ما حدث في الماضي القريب ويؤكد أنهم صانعي الفوضي.. وقال محذرا ومتوعدا: لمن ينسي أو يتناسي فإن الهاربين من سجن وادي النطرون بمساعدة من حزب الله وحماس.. سيحاسبهم التاريخ.. و لابد أيضا أن يحاسبهم الشعب. سليمان وشفيق ووصف عملية اختيار اعضاء أول حكومة قائلا: كلاهما وطني مخلص والقرار كان موفقا وكلاهما رجل دولة ذو خبرة ودراية و وعي.. لكني أعود وأتحفظ علي توقيت صدور القرار لأنه لم يترك الأثر المطلوب في ميادين مصر وعلي الرغم من أن السيد عمر سليمان قد بدأ حوارا جادا مع القوي السياسية المختلفة للإصلاح الدستوري والتشريعي ثم جاء بعده خطاب مبارك في أول فبراير الذي اهتزت له مشاعر المصريين واستجابت له قطاعات عريضة بشكل إيجابي وكبير لمثاليته في أسلوبه ومضمونه إلا أن القوي المتربصة بمصر تحركت سريعا لإجهاضه ولا يستطيع الإخوان المسلمون إنكار ذلك فمصالحهم كانت توجب عليهم أن يستمر الاشتعال وبالفعل منعوا الشباب من مغادرة الميدان وقد شاهدت ذلك من خلال استغاثات الاهالي بغرفة العمليات التي أكدت علي أن هناك من يمنعون أبناءهم من مغادرة الميدان. مشاعر المشير وفي صباح الأول من فبراير اجتمعت بعدد من القادة ومساعدي الوزير ومساعدي رئيس الأركان وبعض أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة وطلبت من المشير طنطاوي عدم المشاركة حتي أجنبه الحرج.. وأقسمنا علي المصحف بأن نظل علي قلب رجل واحد ومع مطالب الشعب دون استخدام العنف وصغنا بيانا وافق عليه المشير وأذاعه التليفزيون حيث كان بمثابة رسالة طمأنينة للشعب والقوي السياسية وصفق له شباب الميدان لإدراكهم بأن القوات المسلحة تنحاز للشعب بلا تردد أو مساومة. وفي الثامنة من مساء نفس اليوم أخبرني المشير طنطاوي بأن الرئيس مبارك طلب أن نلتقي به وتخوفت من التفسيرات والتأويلات التي قد تشيع بعد لقاء الرئيس وقد يفسر بأنه خدعة من الجيش للشعب فطلبت من المشير ألا تتم تغطية اللقاء إعلاميا وأكدنا علي ذلك عندما استقبلنا قائد الحرس الجمهوري وكبير الياوران عند وصولنا إلي المقر الرئاسي ونبهنا كذلك علي المسئول الإعلامي بالرئاسة حتي أنني أذكر أني طلبت عدم دخول عامل البوفيه علينا لتقديم واجب الضيافة وضمت مائدة الاجتماع الرئيس مبارك والسيد عمر سليمان والمشير طنطاوي والفريق أحمد شفيق ورئيس الأركان ووزير الداخلية محمود وجدي واللواء نجيب رشوان قائد الحرس الجمهوري واللواء حسن عبد الرحمن مدير مباحث أمن الدولة وتوجه الرئيس للمشير سائلا أنتوا كده أعلنتوا موقفكم يا حسين عندما تأخر المشير في الرد وجدت نفسي أتدخل وقلت يا ريس إحنا أعلنا موقفنا عشان عارفين سيادتك مبتحبش الدم فرد قائلا: دم أيه يا سامي لا سمح الله.. أنا مش بحب الدم.. ولا عايز دم فعلقت عشان كده أصدرنا البيان اللي بيأكد علي كلامك ده ياريس.. و أضاف مبارك: ماتنسوش يا جماعة إنكم مسئولون عن الشرعية وأعاد العبارة مزيدا مسئولون عن حماية الشرعية وكان الرئيس واثقا من أن بيان الجيش ليس تحريضا وأن دافعه وطني بما يتفق مع توجيهاته شخصيا. موقعة الجمل آما عن موقعة الجمل فقال عنان: موقعة الجمل- كما سميت إعلاميا كانت نقطة تحول حاسمة في الصراع الذي امتد بين يومي25 يناير و11 فبراير وسيكشف التاريخ يوما عن الحقيقة الكاملة.. وأضاف: أن كل ما أستطيع قوله الآن أن المدبر والمنفذ هو صاحب المصلحة في جملة النتائج التي ترتبت علي الواقعة حيث كان الفريق شفيق مصرا علي النجاح وعبور الأزمة واستطاع الرئيس مبارك أن يكتسب أرضا جديدة ويحظي بقدر كبير من التعاطف بعد خطابه.. فلا مصلحة حينئذ لتغيير المسار الايجابي وبالبحث عن صاحب المصلحة والمستفيد الفعلي يمكن أن نصل بالعقل إلي الفاعل الذي أصبح معروفا. خيبة أمل وعلي الرغم من إصدار النائب العام عبد المجيد محمود عدة قرارات بمنع سفر مجموعة من كبار المسئولين من رموز الحزب الوطني واستقالة جمال مبارك وصفوت الشريف من هيئة المكتب إلا أن الأزمة كانت قد تجاوزت ما تخيله كثيرون في قمة السلطة. إلا أن التوقيت لم يكن مناسبا أيضا ولم يساعد علي إنجاح الحوار لأن الأحداث تتزايد في الشارع والحوار يتم تحت ضغط عصبي ونفسي كما حدث اختلال مفاجئ في موازين القوي تسبب في قلة فرص التفاهم والتواصل كما كانت الأحزاب السياسية في مصر ضعيفة لا تملك قواعد شعبية قادرة علي التأثير في الشارع المصري مما دعا البعض للارتماء في أحضان الإخوان باعتبارها الجماعة الأقوي والأكثر تنظيما. وفي العاشر من فبراير وجه مبارك خطابه الثالث للشعب لكنه جاء مخيبا للآمال فقد تمسك مبارك بالاستمرار في موقعه حتي نقل السلطة بطريقة آمنة واكتفي بتفويض سلطاته للنائب السيد عمر سليمان وأشار إلي رفض الضغوط والاملاءات الخارجية مصرا علي أن مصر كما كانت له أرض المحيا ستكون له أرض الممات.. ومن هنا بات الطريق ممهدا للسقوط القريب وجاء يوم الحادي عشر من فبراير بإعلان النائب عمر سليمان عن تنحي الرئيس مبارك لتدخل مصر بعدها مرحلة جديدة في تاريخها. رابط دائم :