لتجنب التوتر الذهني الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح.. هو مثل شعبي لجأ إليه معظم المواطنين الذين أصيبوا مؤخرا بحالة من الاكتئاب أحيانا والملل أحيانا أخري من جراء متابعة الأحداث السياسية السريعة والمتلاحقة في البلاد, وما طرأ عليها من تدهور الحالة الاقتصادية.. وكعادة الشعب المصري الذي يأبي أن يمكث أسيرا لقلقه وأحزانه, فهو دائما يميل لأن يهون علي نفسه ما يعانيه من تحديات الحياة. وفي استطلاع أجرته الأهرام المسائي أجمع الكثير منهم علي تعمدهم الابتعاد عن عالم السياسة لتستبدل بها أشياء ترفيهية لضمان حالة مزاجية أفضل.. فيما قدم خبراء علم النفس والاجتماع بعض النصائح للمواطنين للحد من حالات العصبية والاضطرابات النفسية التي كانت أحد الأسباب الرئيسية لمتابعة الأحداث. في البداية يقول الدكتور سمير عبد الفتاح أستاذ علم النفس السياسي وعميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببنها إن تعرض المواطن المصري للملل أو الاكتئاب بسبب ماتمر به البلاد من حالة عدم استقرار علي الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي أمر طبيعي, لأن الإنسان قد يمرض حينما يصيبه المرض ولكنه لايموت, لافتا إلي أن من أبرز أعراض المرض التي أصابت معظم المصريين في هذه المرحلة هي حالات الحزن الشديد والقلق والاكتئاب والخوف من المستقبل, إلي جانب قيام الخلافات ا لسياسية بالتأثير سلبا علي استقرار الأسر المصرية, ومن حيث زيادة حدة الخلافات داخل البيوت المصرية وزيادة حالات القطيعة بين الأهل والأصحاب, بجانب ارتفاع معدلات الطلاق بين المتزوجين. ويضيف أن أحد أهم الأسباب الرئيسية التي أنتجت هذا الشعور هو إصابة معظم المصريين بنوع من الإحباط نتيجة عدم شعورهم بأثر ملموس لثورة25 يناير حتي الآن وبعد مرور أكثر من عامين,إذ لاتزال الاضطرابات السياسية والاقتصادية هي الطاغية علي المشهد, بعد أن علق المصريون آمالا عريضة علي هذه الثورة أبرزها انتهاء عصور غلاء الأسعار والجوع والفقر. وينصح عبد الفتاح بأهمية ملء أوقات الفراغ بالقيام بأمور نافعة, بدلا من الدخول في نقاشات سياسية حادة وعقيمة تعمق الخلافات وتزيد من الفرقة بين الأهل والأصدقاء. يتفق معه الدكتور جمال أبو شنب أستاذ اجتماع سياسي بجامعة حلوان مؤكدا أن الثورات غالبا ماتعقبها حالة من الاضطرابات النفسية لدي الشعوب بسبب مايطرأ علي البلاد من تغييرات جذرية علي جميع الأصعدة, لافتا إلي أن هذه المرحلة هي الأخطر في حياة الشعوب, لأنها الفترة التي ينتظر فيها المواطنون تفعيل قرارات سياسية واقتصادية واجتماعية تنعكس بالإيجاب علي تحسين مشكلاته اليومية من مآكل وملبس ومسكن, مؤكدا أنه كلما طالت تلك الفترة كلما دب اليأس في النفوس وفقد المواطنون الأمل في التغيير مما قد ينعكس سلبا علي تصرفاتهم تجاه بلدهم,مطالبا السلطات القائمة علي شئون البلاد باتباع حزمة منا لإجراءات المرتبطة بتخفيف العبء عن كاهل المواطنين لضمان تجاوز تلك المرحلة الخطرة بنجاح. من جانبه يري الدكتور مصطفي شاهين استاذ الطب النفسي بقصر العيني أن المجتمع المصري يشهد مجموعة من التناقضات وحالة من ا لتخبط السياسي والتي من شأنها ان تتسب في إحداث نوع من الضغط النفسي الشديد علي أفراد المجتمع, مما يؤدي إلي مشاعر سلبية, واسلوب تفكير تشاؤمي يتحول الي سلوك عدواني. ويوضح أن هذه الحالة من الاكتئاب السياسي يطلق عليها مسمي اضطراب أو عسر المزاج المجتمعي بحيث ان اغلب المواطنين بفقدون القدرة علي التفكير بشكل ايجابي, مع انعدام القدرة علي اتخاذ أي مبادرات إيجابية, فضلا عن حالة التوتر المستمرة والخوف من المستقبل التي أصبحت سمة المجتمع الرئيسية. ويشير شاهين إلي أن التوقف عند هذه الحالة التشاؤمية العامة للمجتمع دون إيجاد حلول سريعة سيؤدي حتما إلي تكوين مجتمعات عازفة عن مقتضيات النمو والتقدم, مما يحدث خطأ بالغا في منظومة التفكير المجتمعي, لافتا إلي ضرورة العمل علي تنمية جانب النشاط الجمعي في المجتمع المصري. ويضيف أن تنمية النشاط الجامعي يتم من خلال إنشاء مشاريع قومية تضم جميع أنماط الشعب المصري من أجل بناء وتحقيق قيمة فعلية للمجتمع عن طريق تفعيل النظرة التكاملية بين أفراد الشعب وتوحيد الأهداف القومية وترسيخ روح الانتماء بين جموع الشعب, علي غرار ما يحدث بمباريات كرة القدم والتي يساهم فيها أكبر نسبة ممكنة من فئات الشعب المصري, والتي تساهم أيضا بشكل كبير في تنمية ولاء الفرد للمجتع. ويري أستاذ الطب النفسي أنه لابد أن تكون هناك نظرة أكثر شمولية من قبل الدولة للأفراد لتحفيز جانب الانتماء المجتمعي فيما بينهم, فضلا عن الحاجة الي التخفيف من الآثار السلبية الناتجة عن قيام الثورات من تدهور للحالة الاقتصادية والتخبط السياسي والاجتماعي, مع تعميق الفكر الفلسفي لقيمة الاحساس بالأمان عن طريق عرض المواقف الإيجابية علي المواطنين بصورة مبسطة وعميقة. ويؤكد الحاجة الماسة إلي ضرورة إعادة النظر في تقييم النخبة السياسية المتواجدة علي الساحة حاليا لمنح المواطنين الإحساس بالأمان في التعامل مع الأوضاع السياسية الراهنة, موضحا ضرورة تفعيل دور الشباب بالاشتراك مع ذوي الخبرة وأصحاب الرؤي العلمية داخل نظام الحكم في مصر تجنبا لحدوث فجوة مجتمعية. ويقول الدكتور محمد سيد خليل, استاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة عين شمس, ان العبء الاكبر يقع علي كاهل المسئولين بالدولة من حيث سرعة تفعيل وتنفيذ القوانين التي تتضمنها خارطة الطريق دون تخاذل, خاصة أن المرحلة التي يشهدها المجتمع المصري لاتحتمل أي تراخ, وتتطلب مزيدا من الشفافية والمصداقية مع المواطنين من أجل طمأنة افراد الشعب ويضيف أن عدم تفعيل قانون الطوارئ بشكل حاسم ولجوء بعض العناصر من الخارجين علي القانون بتعطيل المصالح العامة للمواطنين يؤثر سلبا علي المجتمع, مشيرا الي انه علي المواطنين عدم الانسياق وراء مايتم نشره من أخبار ومعلومات مغلوطة في بعض الجهات والوسائل الاعلامية,موضحا ان مهارات النقد في مصر تكاد تكون مضمحلة تماما, فضلا عن صعوبة التمييز بين ماهو صحيح وخاطئ من معلومات واخبار. ويؤكد ضرورة قيام الحكومة بدور الرقيب علي حرفية الاعلام, والإسراع بإصدار ميثاق الإعلام والذي بدوره يعتبر من أهم الاولويات الحالية للحد من هذه التجاوزات, مشيرا الي ضرورة وضع إطار زمني محدد من قبل المسئولين لتجاوز الأزمات الطاحنة التي تمر بها الدولة. من ناحيتها توجه الدكتورة سامية خضر, استاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس, بعض النصائح لوسائل الاعلام بالالتزام بالحيادية والشفافية فيما تنقلة وبثه من أخبار ومعلومات, وان تكون اكثر ذكاء في توضيح الامور دون تهويل أو تهوين,شرط ان يتم إظهار الحقائق في نصابها الحقيقي حتي يسهل علي المواطن الوصول الي المعلومة الصحيحة. وتركز علي أهمية عدم اكتفاء وسائل الاعلام برصد السلبيات داخل المجمتع مما يزيد معها من من نسبة إصابة المواطنين ب الاكتئاب السياسي ومن اجل التخفيف من أعباء المواطنين, والاتجاه الي رصد وتضخيم الايجابيات التي يقوم بها كل من ا لحكومة والمواطنين, لافتة الي أن ا لمواطن يجب ان يشعر ان هناك من يرفق به ويشفق علي حاله ويسعي بشكل مستمر للعمل علي النهوض بمستواه المعيشي. وتعرب سامية خضر عن قلقها بشأن مايتعرض له الشباب من إمكانية الانسياق وراء حالات التشدد السياسي, مؤكدة علي ضرورة العمل علي استغلال طاقات الشباب في التكنولوجيات الحديثة سواء في صناعتها او تطويرها كإحدي وسائل تحسين الدخل المادي والدعم الاقتصادي للشباب. ويعتبر الدكتور عبد الحميد زيد,أستاذ الاجتماعي السياسي بكلية آداب بجامعة الفيوم, أن تعمد المواطنين العزوف عن الحياةالسياسية ومقاطعة متابعة الأحداث مؤشر خطير, حيث لابد من مشاركة المواطنين بمختلف أطيافهم في اللعبة السياسية لضمان مشاركتهم في أخذ القرارات المصيرية في المستقبل, لافتا إلي أن الدولة تنقسم الي شعب وإقليم وحكومة, مما يجعل انطواء الشعب وعزله عن عمل الحكومة يحدث خللا في البنيان التنظيمي للدولة المصرية, مؤكدا أن المقياس الوحيد لنجاح أي نظام سياسي يكمن في نسبة مايحوز عليه هذا النظام من رضي شعبي. وينصح الدكتور زيد المواطنين بأهمية التحلي بقيمة الصبر في تلك المرحلة والمشاركة في اللعبة السياسية ولو بمجرد المتابعة للأخبار, مع الحرص علي عدم التأثر سلبا بالأخبار المزعجة وعدم السماع للشائعات أو ترديدها, تقليل آثارها السلبية في النفوس والمجتمع رابط دائم :