خيمت في الآونة الأخيرة حالة من الحزن علي المصريين وخاصة الأطفال, وهو ما يتنافي مع طبيعة الشعب المصري المعروف بخفة ظله وميله إلي الفكاهة والسخرية مهما كانت معاناته, حتي أصبح الآن مصابا بالاكتئاب!! لدراسة هذه الظاهرة قامت د.رشا الجندي مدرس علم النفس بجامعه بني سويف ببحث ميداني منذ بداية التغيرات السياسية التي شهدها المناخ العام في مصر منذ عامين وشمل مجموعة كبيرة من الأطفال من عمر4 إلي13 عاما وتنوعت ظروفهم الاقتصادية والبيئية والنفسية, فمنهم الغني والفقير ومتوسط الحال, ومنهم المنطوي والاجتماعي ومن يعيشون بالقري ومن يسكنون المدن, ومنهم من عاصر أحداث الثورات في الميادين مع أبائهم وأمهاتهم, أو من اكتفي بالوقوف باللجان الشعبية مع جيرانة وإخوته أو بالمتابعه عن طريق مشاهدة التليفزيون. وقد أسفرت النتائج عن أن جميع هؤلاء الأطفال يعانون من نسب لا يمكن الاستهانة بها من الاكتئاب, وهو ما دفع د.رشا إلي لفت نظر كل الآباء والأمهات والقائمين علي رعاية الأطفال إلي أن الاكتئاب متواجد بالفعل, وأنه لا يفرق بين صغير ولا كبير, ولا غني ولا فقير, لذلك علي كل الأمهات ألا ينسين أن الاكتئاب مرض معدي من الممكن أن يصيب أطفالهم إذا استمر بداخلهم لأنه طاقة سلبية يتم نقلها إلي الآخر دون أن نشعر, أي بطريقة غير مباشرة. لذا تنصح الباحثة كل من هو قائم علي رعاية طفل ألا ينسي أن فاقد الشئ لا يعطيه وبناء عليه يجب عليهم البدء بأنفسهم بالخروج من حالة الاكتئاب بأسرع وقت حتي لا ينقلوها إلي الأطفال دون أن يشعروا. وتشير إلي أن أهم الطرق التي تساعد علي الخروج من الاكتئاب هي البعد عن مصادر الطاقة السلبية والاتجاه إلي مصادر الطاقة الإيجابية, وذلك بالجلوس مع أشخاص سعداء في حياتهم وممارسة الرياضة والابتسام باستمرار لأن الضحك دقيقة واحده يعادل ممارسة الرياضة لمدة ساعة, وتجنب الانطواء, والابتعاد عن جو الأخبار المزعجة وأصحاب الشكوي الدائمة, والجلوس مع من تحب من أهلك وأصدقائك, وقضاء وقت كاف يوميا في اللعب مع الأطفال مهما كان عمرك فاللعب والسعادة والرياضة ليست للأطفال فقط. ويري د.أحمد يحيي عبد الحميد أستاذ علم الاجتماع بجامعة السويس أن الأسباب التي أدت إلي وصول الشعب لتلك الحالة من الاكتئاب هي غياب الرؤية للمستقبل المستقر, فأصبح المواطن المصري في حالة من القلق المزمن والدائم مما سيحدث في الغد وذلك بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والتي أثرت علي الحالة الاقتصادية للبلاد فشعر المواطن بضغوط عديدة, مع استمرار تكرارالحوادث المؤسفة من قتل وسرقات واختطاف, بالإضافه إلي ازدياد الحوادث المرورية, فشعر المصري أن حياته في خطر علي الدوام. وعلاج هذه الحالة من وجهة نظر د.أحمد يحيي في الاستقرار السياسي وانتعاش الحالة الاقتصادية. أما د.محمد سمير عبد الفتاح أستاذ علم النفس بكليه الآداب جامعه عين شمس فيقول إن الاكتئاب المسيطر علي المشهد العام حاليا يرجع لعدة أسباب رئيسية علي رأسها الحالة الاقتصادية الحرجة التي تعيشها معظم الأسر نتيجة للظروف غير المستقرة خلال العامين الماضيين, إلي جانب الإحباط المصاحب لظروف البطالة التي تفشت بمعدلات فاقت أي وقت مضي, هذا إلي جانب الخوف من المجهول الذي يعيشه البيت المصري يوما بعد يوم, فلا يوجد من يستطيع التنبوء بعناوين الصحف غدا, كما اعتاد الشارع المصري علي المفاجآت المحزنة يوميا, بالإضافة إلي الانتقادات اللاذعة والوعظ الاجتماعي الذي تزخر به برامج التوك شو بشكل مستمر وهو ما ولد حالة من عدم الثقة في أي رأي يصدر عن أحد الساسة أو الإعلاميين أو المسئولين, فضلا عن حالات التخوين والكثير من الاتهامات وغيرها من الظواهر الغريبة علي الشخصية المصرية. وينصح د. محمد سمير بإغلاق التليفزيون كخطوة أولي لحل مشكلة الاكتئاب والتوتر وعدم الثقة التي يعيشها المصريون بشكل عام, بالإضافه إلي التوقف عن نقد الآخرين ومحاولة تقبل الآخر, وعودة المحبة بين الناس, وغيرها من الصفات الجميله التي غابت عن المجتمع المصري.