باستقراء الأوضاع الدولية الراهنة, يتكشف لنا بروز صيغة( جغرافية) حديثة تمثلت في التباين الواضح بين دول الشمال الغنية المتقدمة صناعيا واقتصاديا ودول الجنوب الفقيرة, والمتخلفة عن التطورات التكنولوجية المعاصرة. حيث تتمتع الدول المتقدمة بإمكانات عالية جدا من الإبداع والابتكار والتجديد التكنولوجي والتي أفرزها اضطلاع تلك الدول وعنايتها بأساليب وطرق البحث العلمي والعناية الفائقة بوظيفة البحوث والتطوير والتنمية. وبالنظر للتكنولوجيا المستخدمة في الدول النامية والدول الصناعية الأقل تقدما ومقارنتها بالدول الصناعية من زاوية طرق التصنيع وأساليب التسويق وسائر المعارف العلمية الأخري, يمكننا أن نلمس وجود( فجوة اختراعات تكنولوجية) هائلة, وتتسع تلك الفجوة بصورة متلاحقة وبأجيال تكنولوجية تتواصل وتتفاقم بصورة تجعل من العسير علي الدول النامية استيعابها, وتطويعها للمواءمة مع بيئتها للتعامل معها. وقد فرض ذلك الوضع الحاد مسارعة الدول النامية للبحث عن السبل والطرق والبدائل أو أي آليات متاحة وممكنة للتعامل مع الشركات الدولية في الدول المتقدمة صناعيا للتصدي لقضية التخلف التكنولوجي وسعيا لجلب وتطويع الموارد التكنولوجية الفنية والادارية إلي الشركات المحلية في الدول النامية المستوردة لها. حتي يمكن إن أمكن القضاء علي تلك الفجوة واللحاق بركب التطور أو علي الأقل تضييق هذه الفجوة أدني حد ممكن. وتنظر الدول النامية عموما إلي التكنولوجيا كعامل حيوي للإنتاج, بل وليس هناك من دولة لا ترغب في اكتساب مزايا نسبية في مجال الانتاج, حتي لا تبقي متخصصة كليا في استخراج المواد الخام حتي ولو اضطرتها الظروف المكلفة لذلك. وفوق ذلك فإن كل دولة تبحث عن مدخل للتكنولوجيا الجارية في التصنيع ونتيجة لذلك فإن الاقتصاد يمكن أن يتنوع ولا يعتمد فقط علي مدي ضيق للمنتجات وخصوصا المواد الخام. ورغبة في ذلك فإن الدول النامية ممثلة في حكوماتها تريد دوما الحصول علي مورد دائم ومتدفق للتكنولوجيا الجارية من الموردين مثل الشركات الدولية وبأي مستوي تكاليف إلي أعظم درجة ممكنة. مما حدي بالدول النامية للجوء لاستراتيجية الدخول في اتفاقيات المشروعات الدولية المشتركة مع الشركات الدولية كقناة لنقل التكنولوجيا الفنية والادارية. حيث تهيمن الشركات الدولية وحدها علي مقاليد التطور التكنولوجي لاضطلاعها بوظائف البحوث واستحواذها علي المصدر الحقيقي للتطور وهو البحث العلمي المنظم وبرامج التطوير المستمرة واحتكارها لمصادر التجديد التكنولوجي. حيث تمثل التكنولوجيا العنصر الأكثر تأثيرا وحسما في مجال توحيد السوق العالمية. وتتولي الشركات الدولية احتكار مصادر التجديد التكنولوجي. وهي تجعل منه محور المنافسة الدولية فيما بينهما. هذا وتتوطن أنشطة البحث التطبيقي والتنمية التكنولوجية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا الغربية واليابان. وعلي ذلك فإن الدول المتخلفة صناعيا لا تتم تنميتها إلا من خلال تقابلها وإدماجها في النظام الاقتصادي الدولي. وفي ظل عمليات التدويل القائمة للاقتصاد العالمي والاعتماد المتبادل بين الدول برزت آلية الإنتاج المشتركة حيث تمثل سياسة للاعتماد المتبادل في الاقتصاد العالمي. وإذا كان هناك بعض الاتجاهات التي تحث الدول النامية علي قطع الصلات بالسوق الرأسمالية العالمية المتمثلة في الشركات الدولية وذلك بغية القيام بعملية تنمية داخلية فعالة. فإن هناك اتجاها آخر يري أنه مهما كان الاتجاه الإيديولوجي للبلد فإن الحقائق الصلبة للاقتصاد تملي واقعا وهو أنه لا توجد دولة تستطيع الاستغناء عن المهارات والمعارف الفنية والادارية ورأس المال المتمثلة في الشركات الدولية. فالبلاد الإفريقية ومنها مصر أكثر من أي بلدان نامية أخري تحتاج بشدة لهذه الأشياء وخاصة لمهارات الأعمال من كل الأنواع. ومن المرجح أن تنتشر صيغ الدخول في مشروعات دولية مشتركة. حيث ينظر إليها علي أنها من أكثر الآليات تحقيقا للتوازن والتوافق والانسجام بين أهداف الشركات الدولية المصدرة للتكنولوجيا والسياسات والنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الدول النامية وعلي وجه الخصوص تلك الدول التي تنتهج التخطيط المركزي في إدارة اقتصادها وبرامج التنمية الخاصة بها. هذا وتمثل المشروعات الدولية المشتركة في الدول النامية صيغة من التنظيمات الخاصة والتي تشبع رغبات أطراف متعددة من أصحاب المصالح سواء كانت خاصة محلية أو شركات دولية أو حكومات دول في جميع الاقتصادات المعاصرة. والايديولوجيات المتناقضة من رأسمالية تخضع لآلية السوق أو اشتراكية متحفظة أو الدول التي تتطلع للاندماج في السوق الرأسمالي الدولي لملاحقة التطورات التكنولوجية في الدول المتقدمة صناعيا. وقد برزت صيغة المشروعات الدولية المشتركة كاستراتيجية للأعمال الدولية كمرحلة من مراحل تطور أعمال الشركات الدولية في الدول النامية. فبعد قيامها بالإنتاج في الدولة الأم تقوم بتصدير المنتجات إلي أسواق الدول النامية. ثم تلي ذلك مرحلة الدخول في اتفاقيات الترخيص للعلامات التجارية وبراءات الاختراع والمعارف الفنية والادارية للشركات المحلية في الدول النامية. وفي مرحلة تالية تلجأ بعد ذلك للعمليات الدولية القائمة علي إنشاء مصانع للتجميع والتصنيع. ويكون ذلك من خلال المشروعات الدولية المشتركة. وعلي الأخص في الدول التي تطورت فيها الصناعات المحلية من خلال الجهود والإمكانات المحلية, كما أنها تعتبر أحد المداخل الحديثة لجمع المزايا التي تجمعها شركات محلية من ناحية الشركات الدولية دون أن تبدو في صورة التعارض المباشر مع المصالح الاجتماعية. وفي دراسة أعدت عن قوانين الاستثمار الأجنبي في السبعينيات تناولت تحليل تلك القوانين تبين فيها أنه لم يعد هناك موضوع للتساؤل عما إذا كان من المفضل اختيار شكل المشروع المشترك, أو علي الأقل ما إذا كان هذا الشكل يفي بمتطلبات الكفاءة الاقتصادية. إذ إنه يبدو مقنعا بالنسبة للدول التي تمت دراستها وأكثرها من الدول النامية أن المشروع المشترك أصبح هو الحقيقة الواقعة. وعلي الرغم من ازدياد مرات الممارسة والتجربة فإن هذا المجال لم يلق أي عناية من الباحثين وعلي قدر علمي أنه لا توجد دراسات موجهة إلي تطوير صياغة المشروعات المشتركة مع الوكالات الحكومية مع أن هذا المجال يستحق الكثير من الدراسات الإضافية. رابط دائم :