* بدأت لجنة الخمسين المكلفة بوضع دستور جديد للبلاد في مباشرة عملها, ولقد كان من الطبيعي أن يدور الجدل عن الاسلوب الانتخابي الذي يتم بموجبه إجراء عملية الانتخابات التشريعية والمحلية, فمن ابرز اساليب الانتخابات التي عرفتها النظام الديمقراطية نظام الانتخاب الفردي ونظام القوائم والذي قد يكون مطلقا أو نسبيا, ولقد لجأت دول عدة للإستفادة من مزايا كلا النظامين وتلافي عيوبهما إلي الجميع بين النظامين الفردي ونظام القائمة بنوعيها. ولنظام الانتخاب الفردي عده مزايا وله أيضا عيوب, ومن مزاياه انه يحقق ارتباط المرشح بناخبيه, دائرته الانتخابية, حيث يتقدم المرشح لخوض الانتخابات عن دائرة معينة يعرفونه وينتمي إليها جغرافيا ويستشعر فيها أنه يحوز ثقته جمهورها, وبالتالي يختاروه عند خوضه المعركة الانتخابية, فإذا اخفق المرشح في ان يجوز علي ثقة جماهيره لعدم مقدرته علي شرح برنامجه الانتخابي الذي يتعهد بالعمل علي تحقيقه عند فوزه أو رأي الجمهور ان به عيبا يحول دون منحه ثقتهم أو ان احد المرشحين الأخرين أجدر منه بثقتهم, أو سبق لهم أن اختاروه في إحدي الانتخابات السابقة وكان آداؤه البرلماني دون تطلعاتهم منه, فإن جماهير الدائرة الانتخابية لا يختارونه في هذه المرة, لذا تتعمق علاقة المرشح بدائرته الانتخابية ويسعي الأول حتي بعد فوزه علي استمرار تلك الثقة لضمان نجاحه في الانتخابات القادمة, فلا يبتعد عنهم ويحرص علي دوام الإلتقاء بهم وسماع مطالبهم والعمل علي حل شكاويهم. ولكن يعيب هذه الطريقة أنها تعتمد بالدرجة الأولي علي المقدرة والكفاءة المالية أو الشخصية للمرشح في الوصول لجماهير ناخبي الدائرة, أو أن يكون المرشح ذو عصبة أسرية أو قبلية أو حتي ينتمي لفئه وظيفية تقف إلي جواره وتدعمه للفوز, وهي ملكه قد لا تتوافر في الكثيرون رغم ما قد يتمتع به أحدهم من الكفاءة أو النزاهة والمقدرة علي العمل السياسي, فلا يتمكن من أن يعرض نفسه ويشرح برنامجه وخدماته التي يتعهد لأسباب غير الخضوع للمعايير الموضوعية للكفاءة السياسية, كما أن اسلوب الانتخاب الفردي يناقض المبدأ القاضي بان المرشح متي أنتخب يصبح نائبا عن الامه وليس نائبا عن دائرته فقط, حيث يناط به مناقشة أمور عامه تخص البلد كلها كالموازنه العامة أو التصويت علي القوانين الجديدة أو الإشتراك في منح الحكومة قرار خوض الحرب, وهي أمور قد تتعارض في تفصيلاتها مع مصالح الدائرة الانتخابية الضيقة وتصرفه عن تلبيه طلبات أفرادها التي قد تكون شخصية, ومن ناحية أخري قد يضطر المرشح لتزكية طلبات أفرادها التي قد تكون شخصية, ومن ناحية أخري قد يضطر المرشح لتزكية نفسه لدي الجماهير بتقديم وعود بتحقيق مزايا يلتزم بتحقيقها عند الفوز لأشخاص معينه لديها تأثير في الدائرة أو تحقيق مطالب ما لأشخاص أو فئه منهم, وهو ما اصطلح علي تسميته بالرشاوي الانتخابية. أما انتخابات القائمة فهي تعتمد علي وجود أحزاب قوية لديها برنامج سياسي تلتزم علي تحقيقه سواء أكانت بالحكم أو بالمعارضة, ويكون لديها المقدرة المالية والإمكانات البشرية والإدارية والتقنية التي تمكنها من أن تتفاعل دوما مع كل جماهير البلاد وأن تسعي بالتالي للحصول علي ثقتهم ودعمهم لتحقيق برنامجها, ففكرة الأحزاب تقوم علي تجمع قطاع عريض من الشعب تحت رؤية سياسية معينه تسعي لتحقيقها المتبعة, وإختيار هيئة المكتب المسئولة عن إدارة الحزب بالدولة والمحافظات لتحقيق أهدافه وبرامجه, وتقوم تلك الأحزاب عند الرستعداد للإنتخابات بإختيار قوائم تتكون ممن تري فيهم من اعضائها السمعة الطيبة والمقدرة والكفاءة الشخصية لتحقيق برامجها وأهدافها, وتصنفهم لقوائم بحسب انتماء كل منهم الإقليمي أو الوظيفي, لكي تخوض الانتخابات بإسمها, ويتمتع المرشح وفق هذا النظام بدعم حزبه المادي والفني وإمكاناته الدعائية, دون أن تشترط فيه المقدرة المالية أو الإدارية الخاصة, وبالتالي يخضع للتدريب والتثقيف الحزبي, وإكتساب الخبرة السياسية التي يؤهلها له العمل بداخل كوادر الحزب, لذا فإن الناخب يختار مرشحة لإنتمائه لحزب يؤمن هو بأهدافه وبرامجه السياسية وليس لمعايير شخصية بالمرشح مثل النظام الفردي, لذا فلا يتطلب الامر أن يكون المرشح ذو مقدرة مالية أو دعائية تمكنه من خوض غمار الحياة السياسية منفردا, كما ان نجاحة يعني نجاح الحزب الذي انتخب علي قائمته, ويصبح هذا الحزب وليس الناخب هو المسئول أمام جموع الشعب إذا ما أخفق في تنفيذ برامجه السياسية القومية, فيبتعد المرشح عن الوقوع في أسر مطالب دائرته, والحق ان فكرة الأحزاب السياسية هي مناط العمل السياسي الكفء والفاعل في كل الديمقراطيات الحديثة, حتي وإن لم تأخذ بنظام القوائم الانتخابية كالولايات المتحدة, فنظامها الانتخابي فردي, ولكن يترشح الناخب فيها غالبا علي أسس ومبادئ حزب ما الذي يتعهد بدعمه وتأييده. لذا: فإن الانتخابات بالقائمة تحقق العديد من المزايا ويقل معها حجم العيوب الموجودة بالنظام الفردي, لذلك فقد لجأت إليه أنظمة سياسية عدة ولكي تقلل من عيوبه خلطته بالفردي أو جعلت القوائم نسبيه وليست مطلقه, فالقوائم هي السبيل الناجح لتحقيق حياة ديمقراطية سليمة يتحقق فيها هدف الرقابة الشعبية لتنفيذ أهداف قومية لأنها تدعم فكرة وجود احزاب سياسية فاعلة, لذلك فقد مالت أنظمة الانتخابات في مصر ما قبل ثورة25 يناير وما بعدها لهذا النظام, رغم ذلك.. فإننا نري بالنظر لظروف مصر السياسية ومدي قدرة وثقافة عامة الشعب السياسية وخبرته الحزبية, وبالنظر إلي طبيعة الأحزاب السياسية القائمة ومدي قوتها وقدرتها علي التعبير علي مطالب وتطلعات الشعب, وبالنظر أيضا لتاريخ العمل الحزبي بمصر في الفترة السابقة وخاصة بعد ثورة25 يناير والتي لم يجد فيها الشعب من يمكن أن يحقق أماله غير الاحزاب ذات الاصول الدينية, والتي فشلت فشلا كاملا في الاحتفاظ بثقة الشعب, لكل هذا نري أن تكون الانتخابات القادمة بالنظام الفردي, حتي نعطي الفرصة لتكوين أحزاب سياسية حقيقية تتشكل بناء علي مطالب وامال الشعب, تمكنها من خوض الانتخابات القادمة علي أسس تحقق الحياة الديمقراطية السليمة وتضمن تنفيذ مصالح الجماهير والمحافظة علي الأمن القومي وصيانة استقلال مصر وسلامة اراضيها. رابط دائم :