أكد الدكتور حسين عبد البصير مدير عام آثار الهرم بوزارة الآثار أن لقب "فرعون" لم يكن يدل على تجبر كل الحكام المصريين، كذلك لا يدل على شعب معين أو جنس محدد وإنما هو وصف إداري يشير إلى الحكام المصريين منذ عصر الدولة الحديثة وإلى نهاية تاريخ مصر الفرعونية فقط في عام 332 قبل الميلاد عندما احتل الإسكندر الأكبر مصر، وتحولت إلى مستعمرة يحكمها الغرباء لقرون عديدة. ونفى عبد البصير المزاعم التي ترددت مؤخرًا حول أن "الفرعون الذي زامن سيدنا موسى عليه السلام كان من الهكسوس"، مؤكدًا أن الهكسوس ليسوا من العرب، فهم احتلوا شمال مصر إلى مصر الوسطى في الفترة من 1750 قبل الميلاد إلى 1530 قبل الميلاد، فيما يعرف تاريخيًا بعصر الانتقال الثاني ولم يكن بين ملوكهم ملك يسمى "فرعون"، ولم يعش سيدنا موسى عليه السلام بينهم ولا في زمنهم. وشدد على أن تلك الفرضيات لا تقوم على أي أساس علمي ولا يدعمها أي دليل أو مصدر أثري أو أي مرجع علمي غير الربط بين عناصر عدة غير متآلفة من التاريخ المصري القديم والقرآن الكريم وكتابات علماء المسلمين القدامى والعهد القديم من الكتاب المقدس دون أي أسانيد علمية، وبنيت تلك الفرضية على تأويلات لغوية بحتة بناء على اللفظ الأعجمي الممنوع من الصرف في اللغة العربية "فرعون". وحول حقيقة اسم فرعون، قال عبد البصير إن عددًا كبيرًا من المصريين وغيرهم لديهم اعتقاد بأن "الفراعنة" والتجبر والاستبداد والديكتاتورية والطغيان صفات حكام مصر منذ عصر الفراعنة، ويطلقون عليهم جميعا لقب "فرعون" وجمعهم "فراعنة" دون أدنى استثناء، وكذلك يطلق المصريون أنفسهم وغيرهم على الشعب المصري كله لفظ "فراعنة"، موضحًا أن هذا الاعتقاد جاء نتيجة ما ورد في الكتاب المقدس العهد القديم والقرآن الكريم عن طغيان وتجبر وتكبر وتأله الملك المصري القديم الذي أطلق عليه لقب "فرعون" دون أن يسمى، وعاش في عهده نبى الله موسى عليه السلام. وأضاف أن الحاكم في مصر القديمة من بداية توحيد مصر نحو عام 3000 قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام أى منذ نحو 5000 سنة رأس الدولة والسلطة المركزية متمثلة في جميع السلطات التشريعية والحربية والتنفيذية، فضلا عن رئاسته للسلطة الدينية والكهنة، وكان الملك المصري يحكم مصر نيابة عن آلهة مصر الكبار باعتباره ابن الآلهة والوريث الشرعي لهم على الأرض، وهكذا كان الحاكم المصري مصدر السلطات مجتمعة. وأوضح مدير عام آثار الهرم أن لفظ "فرعون" جاء من القصر الذي كان يعيش فيه الحاكم المصري القديم، وكان يطلق عليه "بر عا" أو "بر عو" وهو تعبير مصري قديم مشتق من مقطعين وهما "بر"، وهو اسم يعنى "البيت"، و "عا"، وتعنى "الكبير" أو "العظيم" نسبة إلى الحاكم، وكان يستخدم هذا المسمى للإشارة إلى الحاكم ومقر حكم الدولة المصرية القديمة منذ عصر الدولة الحديثة (أي من نحو 3500 سنة). وتابع قائلا: "إن لقب "برعو" تحول إلى "فرعو" فى اللغة العبرية، وأضيفت "النون" في اللغة العربية فأصبح "فرعون"، وكان يستخدم لفظ "فرعون" استخداما إداريا فقط، ضمن صفات الحاكم المصري العديدة، ونظرا لظهور هذا الوصف الملكي المصري الجديد منذ عصر الدولة الحديثة، لذا لم يستخدمه القرآن الكريم عندما أشار إلى حاكم مصر في عهد سيدنا يوسف عليه السلام، وأطلق عليه لفظ "الملك"، مؤكدا أن هذا أقرب إلى أدبيات العصر الحالي عندما تطلق لفظة "البيت الأبيض" عند الإشارة إلى رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية وسياساته. وأشار عبد البصير إلى أنه مع التسليم بما جاء في الكتب السماوية عن فرعون موسى عليه السلام؛ فإنه لا يجوز اتهام كل حكام مصر الفراعنة بنفس صفات الطغيان والتأله والتجبر التي كان عليها ذلك الفرعون؛ فكان من بينهم الصالح والطالح والمؤمن والكافر والقوى والضعيف والعادل والظالم ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إطلاق لقب "فراعنة" - الذي كان يطلق على الملوك الفراعنة منذ عصر الدولة الحديثة فقط - على كل المصريين، لأنه من غير المنطقي أن يطلق لقب "قيصر" - الذي كان يخص الإمبراطور الروماني - على كل الرومان أو الروم. وأوضح أن أسماء الملوك الخمسة التي ذكرت في تلك المزاعم الخاطئة، لا يوجد من بينها "نب تاوى" وإنما "نبتى" أي المنتسب للسيدتين "نخبت" و"وادجيت" ، مشددا على أنه لا يجوز الربط بين تفسيرات العلماء المسلمين القدامى لأسماء بعض الشخصيات، التي جاء ذكرها في القرآن الكريم دون أسمائها، وبين الأسماء المصرية القديمة. وأضاف أنه من المعروف أن اللغة المصرية لم تفك أسرارها إلا في عام 1822 فكيف للعلماء المسلمين القدامى معرفة الأسماء المصرية القديمة على نحو صحيح في زمنهم البعيد من العصر الحديث، مؤكدا أن اللغة الآرامية ليست لغة الأعراب، ومن المعروف أنها كانت لغة الشرق الأدنى القديم في الألف الأول قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وأن اللغتين العربية والعبرية من اللغات السامية الغربية. وطالب الدكتور حسين عبد البصير الباحثين بضرورة اتباع المنهج العلمي حين التصدي لأي قضية علمية حيث لا يجوز إطلاق الأحكام والآراء دون وجود ما يدعم أي فرضية من دلائل أثرية، مؤكدا أن الربط بين الدين والتاريخ عادة لا يكون في صالح الدين الثابت في مواجهة التاريخ المتغير وفقا لأحدث الاكتشافات الأثرية التي في تزايد مستمر وتغير بشكل دائم.