يبدو أن الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى سيسير على خطى الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى تعامله مع أزمته الداخلية التى سببتها موجات متلاحقة من الاستقالات الجماعية التى تقدم بها أعضاء وقيادات يمثلون تيار اليمين المعترض على نتائج انتخابات رئاسة الحزب. ففى مطلع سبعينيات القرن الماضى اندلع صراع عنيف بين الرئيس أنور السادات ومجموعة من رجال الرئيس جمال عبدالناصر، ورأت المجموعة المناوئة للسادات أن تستقيل من مناصبها الوزارية الخطيرة دفعة واحدة، بغرض إحداث فراغ دستورى وإرباك الرئيس، وصولاً إلى الإطاحة به وحسم المعركة لصالحها. إلا أن السادات فاجأهم بقبول استقالتهم بارتياح شديد، وعيّن آخرين فى مناصبهم، ويبدو أن هذا السيناريو تكرر فى الحزب مع موجات الاستقالات الجماعية المتصاعدة لتيار اليمين الذى يحوز الأغلبية داخل مؤسسات الحزب وهيكله التنظيمى عندما قرروا الانسحاب من مناصبهم دفعة واحدة فى محاولة للضغط على القيادة الجديدة المحسوبة على اليسار. حيث أوضحت مصادر متطابقة ل"بوابة الأهرام" من داخل الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى أن ما يتم تداوله فى أروقة الحزب بين الأعضاء والقيادات تعليقا على الاستقالات الجماعية يتفق مع هذا السيناريو بشدة، وأن الكثيرن يعتقدون بشدة أن الهدف من انسحاب تيار اليمين بهذا الشكل هو الضغط على القيادة الجديدة للحزب ممثلة فى رئيسه المنتخب فريد زهران ونائبه الأول باسم كامل ومحاولة إحراجهم إعلاميا من خلال تسريب الاستقالات الجماعية التى تم إعلانها فى نفس التوقيت. وأكدت المصادر ما وصفته بوجود حالة من الارتياح لدى نسبة كبيرة من أعضاء الحزب وقياداته بسبب انسحاب تلك المجموعة التى حملوها مسئولية انحراف الحزب عن مساره والفشل فى إدارة عدد من الملفات وعلى رأسها ملف الانتخابات البرلمانية، مؤكدين أن الحزب لن يتأثر كثيرا بسبب الفراغ الذى خلفه المستقيلون. وأوضحت مصادر مقربه من رئيس الحزب فريد زهران أنه أفرط فى إطلاق التطمينات منذ توليه وحرص على الالتقاء بعدد كبير من أعضاء الحزب بمختلف الأمانات واستنفذ كل محاولاته لإحداث توافق مع المجموعة المنسحبة، وأنه بالفعل جهز بدائل تشغل مكان القيادات المنسحبة، ويستعد لاستقطاب أعضاء جدد للحزب لتفادي الانسحابات علي مستوي التمويل أو العضوية. وعقد زهران أمس عددا من الاجتماعات مع عدد من قيادات الحزب فى القاهرة والمحافظات لبحث سبل تصعيد القيادات البديلة والإعداد لاجتماع طارئ للهيئة العليا للحزب لبحث البدائل الذين سيتم تصعيدهم وفقا للائحة والمناصب التى ستطلب إعادة الانتخابات عليها، وسط توقعات بعقد الاجتماع بعد مرور 15 يوما على الاستقالات. وأكدت المصادر أن تلك الاجتماعات خلصت إلى توجيه الشكر للقيادات المستقيلة، والتأكيد على أن باب الحزب سيظل مفتوحا لهم متى أرادوا العودة مرة أخرى. ومن جهته اعتبر أشرف حلمى، عضو المكتب التنفيذى للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى فى تصريح ل"بوابة الأهرام" أن الاستقالات الجماعية بمثابة حركة احتجاجية ومحاولة للضغط من قبل المستقيلين على القيادة الجديدة للحزب، مشيرا إلى أنهم لم يتقدموا حتى الآن بأى مطالب، وأن الحزب حريص على عدم إقصاء أحد لأنه يدرك أن قوته تتمثل فى الحفاظ على التنوع السياسي داخله، وسيسعى للتواصل مع المستقيلين. وشدد على أن قيادات الحزب من مؤسسيه مثل: د.زياد بهاء الدين، د. هدى الصدة ، د. عماد أبو غازى، د. إيهاب الخراط، د.حنا جريس يقفون ضد الاستقالات ويتمسكون بالحفاظ على التنوع السياسي داخل الحزب واستمراره. وحول ما تردد فى استقالة أعضاء المكتب التنفيذى الذين اتهموا نائب رئيس الحزب باسم كامل بتسريب نتائج الاجتماع قبل انتهائه؛ اعتبر عضو المكتب التنفيذى أن تلك المزاعم والاتهامات تنطوى على قدر كبير من المبالغة فى إطار محاولة تلك المجموعة للضغط على الحزب، مشيرا إلى أن قرارات واجتماعات المكتب التنفيذى علنية للجميع ولا توجد بها أسرار بل ويمكن نشرها بالصحف لذا فإن إقحام مصطلحات مثل "تسريب" لا يتناسب مع علنية وشفافية المناقشات والاجتماعات داخل الحزب. بدوره أكد محمد عرفات، مسئول أمانة التقييم والمتابعة فى الحزب أن الحزب لا يعانى من أى مشكلة فى سد عجز المناصب التنفيذية التى تقدم أصحابها باستقالة جماعية، موضحا أن لائحة الحزب تضمن توفير بديل لشاغر المنصب حيث يتم الرجوع لآخر انتخابات داخلية وبحث فارق الأصوات بين المرشحين وحساب أقرب فارق أصوات أقل من 10% بين المرشح الفائز بالمنصب وبين من يليه وسيتم تصعيده بشكل تلقائي. وأوضح عضو الهيئة العليا أنه حال وجود فارق أصوات أكبر من 10 % فستتم إعادة الانتخابات على المنصب، لافتا إلى أنه سيتم عقد اجتماع للهيئة العليا فى أقرب وقت لتحديد بدائل المستقيلين. كما أكد عرفات أن الحزب سيجرى محاولات أخرى مع المستقيلين وعلى رأسهم الأمين العام خالد راشد فى محاولة لإرجاعه عن الاستقالة، لافتا إلى أن الحزب يرحب بأى عضو أيا كانت الاختلافات السياسية طالما كان متمسكا بالحزب ولديه رغبة حقيقية للعطاء فى إطار من الاحترام المتبادل واحترام لائحة الحزب. وأشار إلى أن تجربة الحزب الديمقراطية مازالت وليدة وناشئة ومن الطبيعى أنه عندما تتم أى انتخابات فى أى مكان يكون هناك من يرضي بالنتيجة ومن يعترض عليها ولكن قواعد الديمقراطية تحتم القبول بنتائج الانتخابات أيا كانت. ونفى القيادى بالحزب صحة ما تردد حول استقالة د.زياد بهاء الدين من الحزب، مؤكدا أن الحزب يقدر بهاء الدن ويتمسك به هو وجميع قيادات الحزب ومؤسسيه، وأن القيادة الجديدة عرضت على بهاء الدين أكثر من منصب وتنتظر قراره لاختيار أيهما يفضل ويرى أنه الأقرب له. ولفت إلى أن نائب رئيس الحزب السابق شارك فى صياغة بيان الحزب ردا على برنامج الحكومة، موضحا أن طلبه بحذف بريده الإلكترونى من الهيئة العليا يأتى احتراما منه لنتائج الانتخابات وكونه أصبح عضوا عاديا وفقا للائحة إلا أنه مازال مشارك بجزء كبير فى أعمال الحزب. ومن جهته نفى تامر النحاس، أمين التنظيم والعضوية المستقيل، أحد أبرز القيادات المحسوبة على تيار اليمين المنسحب من الحزب وجود أى تواصل تم معهم من قبل رئيس الحزب ونائبه الأول، مؤكدا أنه لن يتراجع عن استقالته وأنه قرر الانسحاب بهدوء من الحزب لأن المناخ لم يعد ملائما من وجهة نظره. وحول تفضيلهم الانسحاب بموجات من الاستقالات الجماعية فى محاولة للضغط على القيادة الجديدة من أجل مطالب ما؛ أكد النحاس أن المجموعة المستقيلة ليست لديها مطالب لتتفاوض وتضغط من أجل تحقيقها. وبشأن أسباب اتخاذهم لقرارالانسحاب وتنفيذه بتلك الصورة على الرغم من كونهم يحوزون الأغلبية بالهيكل التنظيمى للحزب ومؤسساته وفقا للانتخابات الأخيرة ؛ قال أمين التنظيم المستقيل إن هناك اختلافا قويا مع القيادة الجديدة للحزب وهناك أسباب تدفعهم للاستقالة وعدم البقاء، ولكنهم يفضلون الاحتفاظ بها لأنفسهم بعيدا عن وسائل الإعلام. وحول ما تردد حول اتجاههم لانضمام لأحد الأحزاب؛ أكد أنه من غير الوارد الانضمام لحزب جديد فى الوقت الحالى وأنه يحتاج لوقت لتقييم التجربة والاستفادة من دروسها، مشيرا إلى أنه لن يتوقف عن الاهتمام بالشأن العام.