استدراكًا للمقال السابق، فإن الروائى الكويتى طالب الرفاعى الذى حصد الكثير من الجوائز، وكان رئيسا للجنة تحكيم جائزة البوكر العربية فى دورتها الثالثة عام 2009 أخبرنى عن تجربته العملية فى رئاسة تحكيم هذه الجائزة قائلا: مصداقية أية جائزة تتحقق بالنظر إلى الأسماء التي تذهب إليها، ومن الصعوبة بمكان إرضاء الجميع فدائما هناك من يرى أحقية فلان على فلان في نيل الجائزة. وأنا هنا سأكتفي بالحديث عن تجربتي في رئاسة لجنة تحكيم جائزة المسابقة العالمية للرواية العربية "البوكر" للعام 2009، وللحقيقة والتاريخ أقول إن اللجنة لم تكن تحت أي ضغوط من المنظمين، سواء مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي أو مجلس أمناء الجائزة، لكن المس والهمز واللمز واللغط الكبير جاء من بعض الأسماء المشتغلة بالنقد الأدبي، أو من الروائيين اللذين كانت أسماؤهم مرشحة للجائزة، ولم يُكتب لها الظهور في القائمتين الطويلة أو القصيرة. المهم بالنسبة لي هو التأكيد على نزاهة وموضوعية وديمقراطية قرارات لجنة التحكيم، فالقائمة الطويلة جاءت بموافقة وإمضاء جميع أعضاء اللجنة، وكذلك هي القائمة القصيرة، وحتى حصول الروائي السعودي عبده خال على المرتبة الأولى جاء بموافقة جميع أعضاء لجنة التحكيم، ولا أظن بأن هذا سر. لذا فأنا سعيد بتلك التجربة، أتاحت لي فرصة الإطلاع على المشهد الروائي العربي، عبر قراءة 118 رواية عربية، من مختلف الأعمار والأساليب، كما أنها جعلتني أنكشف على حقيقة البعض، بأمراض الساحة النقدية العربية. وصديقى الذى لم يفز بجائزة البوكر عندما كان طالب الرفاعى رئيسا للجنة التحكيم هو الدكتور محمد المنسى قنديل الذى أكد لى: أنا حزنت كثيرا لعدم فوزي بجائزة البوكر، لسبب لا يخطر بالبال، أن الفوز يتيح للرواية الترجمة للغة الإنجليزية، كنت أعتقد أنها أفضل رواية يمكن أن نقدمها للعالم الغربي، ولكن الحظ لم يسعفني، عموما خيرها في غيرها، الجائزة هي مجرد قياس.. فالكاتب يجلس في غرفة منعزلة ويكتب لجمهور لا يراه، ولا يعرف مدى تأثير هذه الكلمات على الآخرين، الجوائز هي مقياس وقتي يشعر الكاتب أن هناك من يرونه ويشعرون به، وهي ضرورية جدا لدفع الإنتاج الأدبي وازدهاره، والعالم العربي ليس بدعة في ذلك، فكل دولة لديها جوائزها، رمزية أو مادية، لأن الأدب هو عنصر صامت، لا يستطيع أن يعلن عن نفسه، وفي حاجة دائما لمن يلفت الأنظار إليه. أما الصديق محمد الغربى عمران الذى أداعبه بلقب سندباد اليمن الأدبى فله رأى فى الجوائز عموما وجائزة البوكر بالذات باعتبارها من أهم الجوائز العربية الآن، حيث أخبرنى بأن هناك ما هو أكثر من قيمة من الجائزة.. صحيح أن الجائزة تفيد العمل من حيث الانتشار وكذلك العائد المادي للكاتب.. لكنى أرى التكريم الحقيقي هو ذلك التواصل بقرائك.. وذلك الاحتفاء بأعمالك من مؤسسات أكاديمية.. وغير ذلك من وسائل الاحتفاء بالعمل. وكلنا يعلم أن الحكم على أي عمل في تلك المسابقات خاضع لسياسة الجائزة وتوجه أربابها ثم مزاج لجنة التحكيم.. فمثلا جائزة البوكر.. ستلاحظ بأنها تكرس لأدباء مجلس التعاون الخليجي.. بل وأعلن مؤخرا بأن لجنة التحكيم استثنت أعمالا لكتاب كبار كهدى بركات وواسيني الأعرج وغيرهم.. وكلمة استثنت.. تعني الإقصاء.. ليفوز بها كويتي مغمور.. وقبلها سعودية مع كاتب مغربي مناصفة.. وقبلها سعودي.. ماذا يعني لك ذلك؟ وقس هذا على بقية الجوائز.. والحكم لك. وأنا لا أنطلق في آرائي من منطلق ذاتي.. بل كقارئ. أقرأ دوما الروايات الست التي وصلت إلى القائمة القصيرة لأجد أن هناك أعمالا قوية لكنها أقصيت. لصالح العمل الأضعف.. ثانيا هناك في الوطن العربي مسألة حرب الهوامش والمركز.. فدول الخليج تود انتزاع المركز لتكون هي المركز بما لديها من قدرات مالية. وأعتقد أن سلاح المال له الدور الأكبر الآن في الفساد الذي نتلمسه.. فبقوة المال تركزت أبرز الجوائز في تلك الدول من: بوكر إلى العويس.. إلى الشيخ زايد....الخ.. لتتحول بقية الجوائز في الوطن العربي إلى جوائز هامشية سواء في قيمتها المادية أو المكانة المعنوية.. ونلاحظ أيضا كيف تخدم تلك الجوائز إعلاميا ما يجعلها تلفت انتباه الجميع.