أكد ماجي كرابوسكي، وزير البيئة البولندي السابق (من 2013 الي 2015)، الذي شغل من قبل منصب نائب وزير المالية، أن الإصلاحات المالية والاقتصادية هي عملية ديناميكية تتطلب تقييم الإجراءات الإصلاحية ومراجعة القوانين واللوائح الإدارية بصفة مستمرة للتأكد من أثرها الإيجابي علي مستويات معيشة المواطنين. وقال إن الدعم السياسي والمجتمعي لعمليات الإصلاح المالي والاقتصادي بالإضافة إلي كفاءة الجهاز الإداري هي أهم محددات نجاح تجربة الإصلاح التي خاضتها بلاده بداية من عقد التسعينيات من القرن الماضي. لافتًا إلي أن إصلاح المالية العامة وتطبيق اللامركزية الإدارية والمالية علي مدي 25 عامًا، مكنت بولندا من احتلال المركز ال 21 عالميًا من حيث حجم الاقتصاد كما ساعدت علي تقليص عجز الموازنة العامة إلي 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. جاء ذلك في أولي اجتماعات البعثة المصرية التي تزور العاصمة البولندية وارسو حاليًا والتي نظمها المجلس الوطني المصري للتنافسية برئاسة سيف الله فهمي، وتضم اللواء رفعت قمصان مستشار رئيس مجلس الوزراء لشئون الانتخابات وعددا من أعضاء مجلس النواب ومسئولين بوزارتي المالية والتخطيط وأكاديميين للتعرف علي تجربة بولندا في الإصلاح المالي والاقتصادي. وقال المسئول البولندي، إن هذه الإصلاحات المالية شملت أيضا إجراءات لإصلاح إدارة الأصول العامة لجعلها أكثر إنتاجية مع تحسين كفاءة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين. وشدد علي أهمية التواصل الجيد والمستمر بين الدولة والمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني بصفة خاصة حتى يمكن للجميع تفهم دوافع وخطط الإصلاح وأهمية الإجراءات الواجب اتخاذها والنتائج المرجوة في الأجلين القصير والطويل وذلك ضمانا لمساندة الشعب لهذه الإجراءات، وهو الأمر الذي نجحت حكومات بولندا المتعاقبة في توصيله للمجتمع بشفافية مما ساعد علي تحمل المواطنين لعبء الإصلاح حتى نجحنا في تجاوز عنق الزجاجة. من جانبه، أكد سيف الله فهمي رئيس المجلس الوطني المصري للتنافسية، أن مصر يمكنها الاستفادة من التجربة البولندية حيث يمكننا تطبيق عدد من الإصلاحات التي نفذتها بولندا بالفعل، مشددا علي أهمية دراسة تلك الإصلاحات بعمق حتى نتجنب الصعوبات والمشكلات التي واجهت بولندا من قبل. وقال إن تطبيق هذه الإصلاحات سيسهم في ارتفاع تنافسية الاقتصاد المصري وجعله أكثر جذبًا للاستثمارات في الفترات المقبلة وهو ما سينعكس إيجابيا علي مستويات معيشة المواطنين. لافتا إلي أن المجلس الوطني المصري للتنافسية حريص علي دعم جهود الدولة المصرية في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة. من جانبها، أكدت أمينة غانم المدير التنفيذي للمجلس الوطني للتنافسية أهمية إصلاحات المالية العامة في مصر لأثرها المباشر علي تحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين خاصة خدمات التعليم والصحة إلي جانب تطوير البنية الأساسية وترشيد ورفع كفاءة الإنفاق العام وخفض كلفته. وأشارت غانم، إلي أن تنافسية مصر في مؤشر المالية العامة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس اظهر تدني ترتيب مصر إلي المركز 140 عالميا من بين 144 دولة يضمها المؤشر بعد أن كانت مصر ضمن أفضل 100 دولة في العالم، مما يؤكد الحاجة لاستمرار جهود إصلاح إدارة المالية العامة الأمر الذي سيسهم في دعم إستراتيجية التنمية المستدامة 2030 التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرًا والرامية لوضع مصر في مصاف أكبر 30 دولة اقتصاديا بالعالم. وأكدت أمين غانم، أن إصلاح المالية العامة لا تحدث بين يوم وليلة، ولكنها عملية تراكمية تحتاج إلى سنوات طويلة، مؤكدة أن مصر يمكنها بكوادرها ومسئوليها من ذوي الكفاءة والخبرة في هذا المجال أن يستفيدوا من التجربة البولندية التي أتت ثمارها بالفعل. وأشادت غانم بحرص وزارتي التخطيط والمالية علي المشاركة في أعمال البعثة وأيضا مشاركة عدد من أعضاء البرلمان والحزبيين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني والأكاديميين من اجل التعرف علي تجارب الإصلاح العالمية لنقلها إلي مصر. وأكدت أن هذا التنوع في خلفيات أعضاء البعثة سيسهم في إثراء مبادرة المجلس الوطني للتنافسية الذي يسعي إلى تحسين تنافسية الاقتصاد المصري وفي توعية المجتمع بالسياسات المطلوبة واللازمة لمواجهة التحديات الحقيقية التي مازال الاقتصاد المصري يعاني منها حتى الآن. وفي هذا السياق، أكد الدكتور خالد زكريا، أستاذ المالية العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والمستشار الرئيسي بمجلس التنافسية أن التجربة البولندية من أكثر التجارب الدولية التي يمكن لمصر الاستفادة منها وتحديدا قضايا الإصلاح المالي وتقليص عجز الموازنة العامة بجانب القضايا المتعلقة بإدارة الدين العام. وأضاف أن بولندا تمثل تجربة ناجحة بكل المقاييس خاصة في مجال تشجيع القطاع الخاص علي ضخ المزيد من الاستثمارات وزيادة مساهمته في الناتج القومي، أما فيما يتعلق باللامركزية المالية، فإن بولندا تمثل أيضا تجربة مهمة تتسم بالتدرج في تطبيق نظام اللامركزية والذي أثبت نجاحه. وأكد أن نجاح أي سياسة مهما تكن صعبة أو قاسية يعتمد بشكل أساسي علي مشاركة المواطنين وقناعتهم بجدوى تحمل أعباء الإصلاح وهو ما حدث بالفعل في تجربة بولندا، مشيرا إلي أن مصر يمكنها دراسة التجربة البولندية من جميع جوانبها خاصة ما تعرضت له من تحديات لاستخلاص نموذج وأدوات إصلاحية تتفق مع الظروف المصرية.