اتهامات من كل نوع.. قدح فى شروط الجوائز.. تشكيك فى نزاهة التحكيم .. شائعات وأقاويل لا تنقطع عن المجاملات والمحاباة والضغوط والاستجداء وعدم الشفافية والظلم والصفقات وتصفية الحسابات!.. احتجاجات، وأحيانا استقالات وانسحابات من لجان التحكيم!. هذا هو الحال فى الجوائز الثقافية، التى باتت مشكلة ليس فى مصر وحدها، وإنما فى العالم كله، وتلك هى الحقيقة بكل الأسف والأسى. وها هو الكاتب والناقد البريطانى روبرت ماكروم يعتبر- فى صحيفة الجارديان- أن جوائز البوكر، التى تعد أهم جوائز الأدب فى بريطانيا، تواجه أزمة ثقة، ويذهب إلى أن اختيارات لجنة التحكيم هي اختيارات شاذة فى كثير من الأحيان وتثير دهشة واستنكار، بل وعدم تصديق الكثيرين من محبى القراءة وعشاق الأدب. وتفرعت عن جائزة "البوكر" جوائز للرواية العربية وكذلك جوائز للأدب الروسي وأخرى للأدب الأفريقي، فيما يرى الناقد ماكروم أن أغلب الأعمال الفائزة هى أعمال متوسطة القيمة، بينما الاستثناء فى جوائز "البوكر" هو فوز أعمال متميزة حقا وذات قيمة أدبية عالية، مقابل أعمال رديئة تفوز أيضا رغم الأسف والاستنكار. وفى عام 2010، كانت الناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا قد أعلنت انسحابها من لجنة تحكيم الدورة الثالثة لجائزة "البوكر" العربية، قبيل إعلان القائمة القصيرة، التى ضمت ست روايات، احتجاجا على آلية التصويت فى هذه الجائزة المستعربة، وعدم اعتماد معايير نقدية واضحة، فيما كان الكاتب والناشر السورى الأصل رياض نجيب الريس قد استقال من مجلس أمناء "البوكر" العربية اعتراضا على الطريقة التى تدار بها، ووصف زملاءه فى المجلس بأنهم "مجموعة من شهود الزور"! ومع ذلك، فإن جائزة "البوكر"- شأنها شأن جائزة "جونكور" الفرنسية و"بوليتزر" الأمريكية، ناهيك عن "نوبل" العالمية- كثيرا ما تغير مصير من يفوز بها، سواء على المستوى المعنوى أو المادي، حيث تقفز مبيعات كتبه. وهى مسألة تحط من القيمة السامية لأية جائزة، فى نظر الكاتب روبرت ماكروم، لأنها تختزلها إلى مجرد ترويج لمبيعات كتب الفائز بالجائزة. ورغم أن روبرت ماكروم يسلم بأن البوكر باتت تتمتع بنفوذ وتأثير لايمكن التقليل منهما فى عالم الأدب، فقد بلغ هجوم هذا الكاتب والناقد على جوائز بوكر مبلغه، حين ذهب إلى أن القائمين على هذه الجوائز يشعرون بدونية وعقدة نقص، بالمقارنة بجوائز أدبية أخرى فى العالم، ومن هنا، فإن همهم هو أن يثيروا أكبر قدر ممكن من الدعاية لقيمتها والترويج لأهميتها بالحق أو بالباطل. والطريف أن روبرت ماكروم يعترف بأسى، بأن القائمين على جوائز البوكر قد نجحوا -بهذه الحملات الدعائية والترويجية- فى إقناع أغلب البريطانيين وبقية العالم بأن هذه الجوائز هى الأهم فى عالم الأدب المكتوب بالإنجليزية وأنها أكثر أهمية من جوائز البوليتزر الأمريكية أو الجوائز التى يمنحها اتحاد النقاد الأمريكيين. وإذا كان البعض فى مصر قد ذهبوا- فى سياق التعليق على جوائز الدولة- إلى أنها "تضيع الموضوعية، وتسقط المعايير، وفى نهاية المطاف تفقد الجوائز قيمتها وجدارتها، وعاما بعد عام تتكرر الحكاية ذاتها، ويتضاعف السخط من هذا التردى والسقوط فى مستنقع المجاملات، والتصويت لمن لايستحقون"، فإن الناقد والكاتب روبرت ماكروم يعتبر أن مايحدث فى جوائز البوكر يعبر عن تغير ثقافى فى السنوات الأربعين الأخيرة، حيث باتت العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة فى الثقافة، كما هو الحال فى الاقتصاد والسوق!. ويرى ماكروم أن هناك تغيرًا فى الذائقة والمزاج الثقافى وسوق الكتاب، لكنه تغير من الأعلى للأدنى، ومن الأعمق للسطحي، ومن الأفضل قيمة للمتوسط القيمة أو"الميديوكر" بلغة السينما ومن الأصيل والجاد للاستعراضى والشكلاني. وكل ذلك فعل أفاعيله فى جوائز البوكر التى لا يمكن تجاهلها، رغم كل المثالب والعيوب، لأنها نجحت فى فرض اسمها داخل بريطانيا وخارجها. ولأنها نجحت فى فرض اسمها، ولو بفضل الدعاية والترويج، فإن هذا الناقد والكاتب البريطانى يطالب القائمين على جوائز البوكر بالتحلى بقدر أكبر من المسؤولية والنضج. وإذا كانت أصوات الاعتراضات تدوى الآن فى القاهرة وتتعالى داخل دوائر ومنابر ثقافية وسط جدل حول جوائز الدولة فمن الطريف أن انتقادات من كتاب ومعلقين أمريكيين طالت جائزة بوليتزر، معتبرين أن لجنة التحكيم غير متوازنة نوعيا، حيث تخضع للهيمنة الذكورية، حيث كانت النسبة- فى العام الماضي- 12 رجلًا مقابل خمس نساء. ورأت هذه الأصوات أن عدم التوازن النوعي- داخل لجنة تحكيم جوائز البوليتزر الأمريكية، التى تمنحها جامعة كولومبيا- قد يعنى انحيازا فى تقييم الأعمال لصالح الذكور على حساب الإناث، غير أن الأمر قد يبدو أشد وطأة فى القاهرة، بعيدا عن مسألة مثل التوازن النوعى للجان التحكيم. وحتى جوائز نوبل- التى توصف بأنها "أم الجوائز" فى العالم- لم تسلم من اتهامات بالانحيازات الأيديولوجية، أو الخضوع لأهواء سياسية، بل وعنصرية. ويضرب البعض مثلا بحصول مبدع عربى واحد فحسب- وهو نجيب محفوظ- على جائزة نوبل للأدب، منذ أن ظهرت جوائز نوبل قبل أكثر من 100 عام. وفيما يتردد اسم الشاعر السورى على أحمد سعيد "أدونيس" كل عام، كمرشح محتمل للفوز بجائزة نوبل للأدب، فإن الجائزة مازالت مستعصية على أى عربي، بعد نجيب محفوظ، رغم أن الساخر الأيرلندى العظيم برنارد شو رفضها بازدراء، ووصفها بأنها "جائزة سيئة السمعة"، معتبرا أن هذه الجائزة أشبه بطوق نجاة يلقى لشخص بعد أن وصل بالفعل للشاطىء! ومن الموحي والدال- فى هذا السياق- أن نجيب محفوظ، الذى تحل هذا العام الذكرى المئوية لمولده، قد اعتبر أن هناك أدباء مصريين كانوا أحق منه بجائزة نوبل، وهم توفيق الحكيم وعباس محمود العقاد وطه حسين" وإن كان لم يبد انبهارًا بهذه الجائزة الكبرى، معتبرا أنها جلبت عليه الكثير من المتاعب بسبب مطاردات الإعلام. وخلافا لبقية الفروع الأخرى لجوائز نوبل، تثير جائزة الأدب الكثير من الجدل والضجيج، منذ أن منحت لأول مرة للشاعر الفرنسى سولى برودوم، الذى كان محدود الشهرة بالمقارنة مع الروائى الروسى العملاق تولستوى، والذى ضلت الجائزة طريقها إليه حتى وفاته عام 1910. وتبدو جائزة جونكور الفرنسية الأقل إثارة للاعتراضات والمطاعن، بالمقارنة مع بقية الجوائز الثقافية والأدبية الشهيرة فى العالم، كما أنها تبدو أحيانا الطريق نحو جائزة نوبل. ويعد أمين معلوف- صاحب "سمرقند" و"ليون الأفريقي" و"جذور"- ثاني أديب عربي الأصل يفوز بأرفع جائزة أدبية فى فرنسا، بعد المغربي الطاهر بن جلون. وقد انتخبته الأكاديمية الفرنسية مؤخرا خلفا للمفكر وعالم الأنثربولوجي كلود ليفى شتراوس، الذى توفى فى شهر أكتوبر عام 2009. واختير معلوف ضمن "الأربعين الخالدين فى الثقافة الفرنسية"، من أول جولة للتصويت. غير أن بعض النقاد العرب رأوا أن أمين معلوف لم يكن بحاجة للأكاديمية الفرنسية أو "مجمع الخالدين" وأعلى سلطة أدبية فى العالم الفرنكفوني، ليشغل صدارة المشهد الثقافي في لبنان وطنه الأصلى. وفي المقابل، صبت الأكاديمية الفرنسية حمم غضبها على الروائى اللبنانى الأصل، بعد أن أعلن- عام 2007- وفاة الفرنكفونية، داعيا لما أسماه بالأدب العالمى. وإذا كان اسم أمين معلوف- صاحب "صخرة طانيوس"، الذى فاز بجائزة جونكور عام 1993، يتردد الآن فيما يسمى ببورصة المرشحين للفوز بجائزة نوبل للأدب، فإن جيمس كامبل- الناقد بالملحق الأدبى لجريدة التايمز البريطانية- يرى أن هذه الجائزة زادت من مصائب الفريد نوبل مخترع الديناميت، لأن أحدا لا يمكنه وضع معايير ذهبية للكتابة فى الأدب، حتى لو كانت "معايير نوبلية" ومن ثم فهذه الجائزة- بالتحديد- تضاف لجناية السويدي ألفريد نوبل على الإنسانية وتركته المشؤومة للعالم!. وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت الجوائز الثقافية والأدبية تثير كل هذا الغضب فى كل مكان، فلعل هؤلاء الذين يقولون إن المتلقي أو القارئ هو الجائزة الحقيقية لأي مبدع لم يجانبوا الصواب.