وزير الري الأسبق: إثيوبيا مررت 5 مليارات متر مكعب من سد النهضة خلال الأسبوع الماضي    جامعة دمنهور تعقد دورة الإرشاد الأسري والدعم النفسي    كان رمزا للعطاء والتفاني، جامعات المعرفة الدولية تنعي رئيسها ياسر صقر    3 أيام عطلة رسمية.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 في مصر للقطاع العام والخاص بعد ترحيلها    يصل إلى 14 جنيها، انخفاض جديد في أسعار اللحوم اليوم بالأسواق    أسعار مواصفات سيارة بروتون ساجا 2026 المجمعة محليا    عيار 21 الآن بالمصنعية.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر بالصاغة بعد الارتفاع التاريخي    "وصفة" لتفجير المنطقة، أول رد من حركة الجهاد الإسلامي على خطة ترامب بشأن غزة    في بيان رسمي، السلطة الفلسطينية ترحب بخطة ترامب لإنهاء حرب غزة    محمد كامل عمرو: ترامب الرئيس الأمريكي الوحيد القادر على قول «لا» لإسرائيل منذ أيزنهاور    "غرقنا ولازم يمشي"، شيكابالا يطالب برحيل فيريرا عن الزمالك "فورا" (فيديو)    جمال عبدالحميد يهاجم فيريرا بعد هزيمة الزمالك من الأهلي    «ميقعدوش دكة».. مصطفى عبده يتغنى بثلاثي الأهلي بعد الخسارة من الزمالك    الشحات: المباريات الكبيرة تظهر اللاعبين الكبار «كان بإمكاننا الفوز بالأربعة»    اليوم، الحكم في دعوى التعويض ضد الفنان أحمد صلاح حسني    مصرع ربة منزل سقطت من الطابق الثالث بسوهاج    الأرصاد تحذر: موجة تقلبات جوية تضرب البلاد خلال الأيام القادمة    الداخلية الكويتية: ضبط مقيم عربي خطط لعملية إرهابية تستهدف دور العبادة    فيضان النيل يحاصر «جزيرة داوود» بالمنوفية.. والأهالى: «نستخدم القوارب»    أول حفل مباشر لمغنيات "K-pop Demon Hunters" الحقيقيات على مسرح جيمي فالون    محمد سعد يختار مسلسل "جراب الحاوي" للعودة للدراما التليفزيونية    راحة فورية وطويلة المدى.. 7 أطعمة تخلص من الإمساك    غير الحمل.. 7 أسباب لانقطاع الدورة الشهرية    «إعلامى الوزراء»: قفزة قياسية في تحويلات المصريين بالخارج تعزز استقرار الاحتياطيات الدولية    أسعار اللحوم فى أسيوط اليوم الثلاثاء 3092025    أسعار الفاكهة في أسيوط اليوم الثلاثاء 3092025    لاتسيو يكتسح جنوى بثلاثية خارج الديار في الدوري الإيطالي    إيفرتون يكتفي بالتعادل مع وست هام في الدوري الإنجليزي    دونجا: الزمالك خارج الخدمة أمام الأهلي.. و«كوكا» أوقف مفاتيح لعب القلعة البيضاء    النحاس يكشف حقيقة طلب زيزو المشاركة.. ويؤكد: أبارك للأهلي وجماهيره    الرئيس السيسي يدعو مجلس الشيوخ للانعقاد الخميس 2 أكتوبر    قرار جديد بشأن بلوغ المعلمين سن المعاش 2025.. (تعليمات عاجلة للمديريات والتأمينات الاجتماعية)    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025    ترحيب «مصرى- إماراتى» بمبادرة «ترامب» لوقف الحرب في غزة    الأردن: جماعة الإخوان أنفقت 1% من التبرعات على جهات إغاثية والباقي على أنشطتها المحظورة    بسبب خلافات مالية.. تجديد حبس المتهم بقتل صديقه في مصر الجديدة    إلغاء «طموح جارية» من مناهج الإعدادية 2026.. توزيع منهج اللغة العربية والدرجات وخطة التدريس كاملة    "معاريف": رسالة نصية وراء اعتقال رئيس مكتب بن غفير    ترحيب أممي وأوروبي بخطة ترامب للسلام في غزة    37 عامًا على رحيل فتحي رضوان «المثقف الشامل»    احتكاكات غير لطيفة مع بعض زملاء العمل.. توقعات برج الحمل اليوم 30 سبتمبر    موظف بسيط دخل التاريخ صدفة.. حكاية أول وجه ظهر على شاشة التلفزيون    "التعليم في مصر الفرعونية" ضمن أنشطة ثقافة الغربية للتوعية بمخاطر الأمية    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الثلاثاء 3092025    تعرف على مواقيت الصلاة غدا الثلاثاء 30سبتمبر2025 في المنيا    معايير للمشاركة وحضور جماهيري.. برازيليات يتألقن في مسابقة «ملكة جمال السجن» (فيديو)    اسعار الحديد فى أسيوط اليوم الثلاثاء 3092025    انطلاق المؤتمر السنوي لأمراض الغدد الصماء والسكر بمشاركة نخبة من الخبراء ب«عين شمس»    «تحت السيطرة».. عودة الكهرباء لمستشفى قفط بقنا    محافظ الأقصر يفتتح منفذ بيع الكتب بمكتبة مصر العامة    عضو مركز الأزهر: الزكاة طهارة للنفس والمال وعقوبة مانعها شديدة    مصرع طفلين غرقا في حادثين منفصلين بدار السلام وجرجا في سوهاج    أحمد الفيشاوى وسينتيا خليفة فى أول صور من مشاهدهما بفيلم "سفاح التجمع"    هل تصح صلاة الفرض أثناء التنقل في السيارة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزارة الصحة توضح حقيقة شكوى مواطنة من معهد القلب القومي    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للقطاعين العام والخاص في مصر.. هل يتم ترحيلها؟    خالد الجندي: آيات القتال مقصورة على الكافر المقاتل وليس الدعوة للعنف    فى اليوم العالمى.. طبيب أمريكى يوصى بأفضل 6 مكملات غذائية لدعم صحة القلب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الله والحب في ديوان "حقيقة بلا مسعى" لأحمد خالد.. مقال للكاتب محمد منصور
نشر في بوابة الأهرام يوم 28 - 02 - 2016

في ديوانه "حقيقة بلا مسعى"، الصادر عن دار "تشكيل"، يحاول الشاعر أحمد خالد إيهام قارئه بأنه قد نجح في معرفة "حقيقة ما" من دون أن يسعى إلى ذلك.
وعلى الرغم من أن أغلبية الشعراء والفلاسفة قد توصلوا إلى حقيقة أكيدة تتمثل في أنه لا حقيقة على الإطلاق، أو في أفضل الأحوال، يؤمنون بأن الحقيقة تتعدد بتعدد جوانب النظر إليها، فتختلف الحقائق من باحث إلى آخر. أقول على الرغم من غياب الحقيقة، نجد الشاعر في هذا الديوان يتحدث عن حقيقة واضحة للعيان، والأغرب من ذلك أنه وصل إلى هذه الحقيقة بلا مسعى.
هل هي المفارقة الساذجة التي سيطرت على الشعراء فترات طويلة من الزمن، وجعلت عملية كتابة القصيدة تتم وفق وصفات بلاغية جاهزة تعتمد الجمع بين المتناقضات، أو اتباع مبدأ "خالف تُعرف"، كحل سحري لكتابة قصيدة سهلة يخرج منها القارئ خالي الوفاض إلا من دهشة عابرة لا تغني ولا تسمن من جوع إلى الخيال؟
وللإجابة عن هذا السؤال دعونا ندخل البيت من بابه، أي نقرأ الديوان بداية من العنوان، وما يثيره من دلالات تتجلى في بقية القصائد.
جاءت كلمة "حقيقة" في العنوان "نكرة"، لكن تم تعريفها بالصفة "بلا مسعى"، وبالإضافة إلى ذلك، فإن القارئ لن يتعب كثيرًا حتى يكتشف دلالات أخرى للعنوان.
ففي أول قصيدة في الديوان "تداعت"، وردت جملتا: "سأصير سرَّ ذاتي/ حقيقةً بلا مسعى" حيث تم حذف "سأصير" من بداية الجملة الثانية، "والشعر فن الحذف". أي أن الذات هي حقيقة الحقائق، تلك الذات التي تصنعها التجارب، لا الطموحات ولا الرغبات. فأنا أريد، وأنت تريد، والتجرية تفعل ما تريد، ولا يكون أمامنا إلا التداعي في الحياة، والانتقال من تجربة إلى أخرى، تارة نظن أننا نجحنا فنفشل، وتارة نرى أننا فشلنا فننجح.
ومع ذلك، ما هي تلك الحقيقة التي وصل إليها الشاعر بلا مسعى، وهل لها صورة واحدة، أم تجلت في صورة عدة؟
نعرف أن "الله" هو السؤال الأقدم الذي ظل يراود البشرية لآلاف السنين، وسيظل يراودها حتى نهاية الخليقة، لدرجة أن معظم الحضارات -إن لم تكن كلها- قد أثارت هذا السؤال من دون أن تستطيع الوصول إلى إجابة جامعة مانعة ترضي جميع النفوس والعقول.
لكن "الله" يتجلى في قصائد الديوان على شكل حقيقة مغايرة للمنطق، بل مجافية للعلم في أغلبية الأحيان، إنها صورة الأطفال عن الله.
بالفعل، وجميعنا يردد حقيقة أن "الأطفال أحباب الله"، في حين أن الأطفال كثيرًا ما يتعرضون للتخويف من الله، خلال مراحل تربيتهم، أو بالأحرى تدجينهم.
وما دام الشاعر لا يريد أن يصل إلى الله كما يفعل العلماء والفلاسفة الذين من فرط إيمانهم بعقولهم يقتلون أرواحهم، فإنه سيصل إلى الله بخيال الطفل، وفي هذه الحالة، سيصل إلى حقيقة "الله" بلا مسعى علمي أو منطقي، وإنما من خلال خيال الطفولة.
لكنهم كثيرًا ما يقولون إن الله محبة. ومن الطبيعي أن تكون حقيقة "الله" هي الطريق إلى حقيقة "الحب"، كما أن الحب هو الطريق إلى الله.
وعن الحب الذي هو أقرب الحقائق إلى نفوسنا، يرى الشاعر أنه لا يحتاج إلى تنظير أو خبرةأو نصيحة، فالحب كالقدر؛ يأتي بلا مسعى و"الحب ليس حقل تجارب"..
يقول في قصيدة "الحب":
في الصحراءالبيضاء/ شجرةقديمة/ تساءلنا من أين أتاها الماء!
لقد عرفناأن الحب شجرة قديمة قِدَمَ الخليقة، لكن كيف لهذه الشجرة أنت ظل وارفة ولاتذبل رغم كل مايواجهه العشاق من خيبات؟
وماهي هذه الصحراءالبيضاء؟ ألأن الأصفر لون الذهب/ الجشع، ولون الخداع/ الخيانة، فإن شجرةالحب لا تنمو في صحراء صفراء؟ أم لأن الأبيض هو لون النقاء والوضوح في بعض الثقافات، ولون الحزن والحداد في ثقافات أخرى؟ هل الشاعر حزين بما يكفي للحب، وواضح بمايكفي لأن يكون جديرًابالفناء في الآخر؟
يقول في قصيدة "منفلت": "منفلت بطبعي/ بمارضعته من لبن أمي/ لكنني لاأكذب/ وحين امتصصت أصابعك/ شعرت بنشوة الكون في حلمتيك".
هل هي الأوديبية التي تجمع بين الحبيبة والأم في شخص واحد؟ نقرأ في قصيدة "ضجيج": "حبيبتي تقول: أنت لا تصمت إلا حين أقبلك/ ماذالوكنت رضيعي!".
الحب يمر بأطوار عدة؛ لاينتهي، وإنما يتراكم. ولكنه قد يتأثر بالمحيط العام، فحين "تستعدالأمم للحرب واحتكار الورد، يستبدل العاشق العادةالسرية بحبيباته"، ووقتها ينتفي الصفاء، و"لاتمطر السماء"، فتذبل شجرةالحب القديمة قليلا،إلى أن يستعيد الشاعرالثق في حقيقة الحب، تلك التي تأتي "بلامسعى".
الشاعر -في غالبية قصائدالديوان- طفل ضائع بين الحقيقة/ الله/ الحب. دائم البحث عنهم، ليس بالحجج والأدلة والبراهين كما يفعل الفلاسفة والعلماء، وإنما باللعب كعادة الأطفال.
لكن ماذا سيحدث عندما يعجز الشاعر الطفل عن الوصول إلى حقائقه؟ بالتأكيد سيحلم، غير أننا نجد أن المفردات التي تشكل أحلام الطفل هي تلك المفردات التي شكلت قصيدة نثر مختلفة ومغايرة على طول الديوان. مفردات بسيطة لكنها قابعة في ذاكرتنا الطفولية.
على سبيل المثال لا الحصر: "ساحرة، راقصة معبد، ذئب هائج يفترس الناس" (قصيدة بدون فرح). و"سامحت فأرًا/ أكل قطعة من خبزي" (حياة متسعة). و"لا تنزعج يا قطي الأول كيكا/ هل تظن أن قطة مثل شوسي، لم تتعلم أن تقضي حاجتها/ يمكن أن تشاركني محبتك!" (اختطاف ملاك).
وما دامت قصائد الديوان مليئة بهذه الصور الطفولية، فمن الطبيعي أن تخلو من الدرامي والملحمي "منتظم الإيقاع الصوري"، كما هو موجود عند شعراء التفعلية، أو من يظنون أنهم يكتبون قصيدة نثر، لكنهم في الحقيقة ينظمون خواطر "مختلة الإيقاع".
إن تركيب الصور الشعرية في "حقيقة بلا مسعى" أقرب إلى اللقطات السينمائية السريعة والمتتابعة وغير المنتظمة دلاليًّا بما يسمح للقارئ بأن يشارك في إعادة إنتاجها حال قراءته للقصيدة. بمعنى أن الصورة أقرب إلى فن الرسوم المتحركة منها إلى السرد السينمائي المعهود في الأفلام الملحمية والطويلة.
وأرى أن السبب في ذلك هو الاستراتيجية التي اعتمدها الشاعر منذ بداية الديوان، وهي التي أشرنا إليها آنفًا مؤكدين أن الشاعر ترك العنان لأحلامه وخيالاته الطفولية كي تسجل نفسها في القصيدة بعيدًا عن القضايا الكبرى، أو بالأحرى "الأوهام الكبرى"، كما ترك نفسه للتجربة كي يأتيه "الله" بلا حجج عقلية، و"الحب" بلا خبرة عاطفية، والحقيقة بلا مسعى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.