تساءل الكثيرون عن سر اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى بزيارة دولة كازاخستان في مطلع زيارته الآسيوية، التي انتهت بوصوله لمحطة اليابان، خاصة وأن "كازاخستان " ليست من الدول الكبرى التي نعرف أهميتها السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية بالنسبة لمصر؟ بالنظر إلى نتائج الزيارة يمكن تحديد أهم ملامح استفادة مصر منها. أولا: كازاخستان تعد الامتداد الطبيعي لروسيا، وهي بمثابة حلقة الوصل بين الصينوروسيا، وطالما أن مصر تتجه شرقًا فلا يجوز إهمال هذه الحلقة. وتعتبر كازاخستان إحدى البلاد التي تتواجد في قارتين معًا، فالجزء الأكبر من هذه الدولة هو ذلك الوقع في القارة الآسيويّة والجزء المتبقّي في شرق أوروبا. ثانيا: على مستوى العالم الإسلامي فهي الدولة الأكبر مساحة من بين كل دول العالم الإسلامي.. "فأغلبية السكان مسلمين بنسبة تصل 65%.. ولكازاخستان دور إسلامي صاعد وحيوي، وهو ما دفع بالرئيس إلى تأييد مبادرة رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف لعقد مؤتمر زعماء الأديان العالمية والتقليدية، باعتباره عاملاً مهمًا في تعزيز الحوار بين الأديان والحضارات في العالم. وأكدت مصر رغبتها في الاستمرار في المشاركة بنشاط على أعلى مستوى في هذه العملية.. ومن جهته أكدت أذربيجان على مكانة الأزهر، ودوره في مكافحة أيديولوجية التطرف الديني والتشدد، وسعيه لنشر أفكار التسامح والجوهر السلمي للإسلام. وقام الجانب المصري بدعم المبادرات التي طرحها الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف لإنشاء " تحالف الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب "، و تنظيم منتدى " الأديان من أجل السلام". وثمن الجانب المصري مبادرة الرئيس نور سلطان نزارباييف رئيس جمهورية كازاخستان حول إنشاء منظمة إسلامية للأمن الغذائي، يكون مقرها في أستانا. كما رحب الجانب الكازاخستانى بتوقيع جمهورية مصر العربية على ميثاق المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي أثناء الزيارة.. واتفق الجانبان على التعاون الوثيق والدعم المتبادل فى إطار تلك المنظمة. ثالثا: القمح.. فارتباطًا بالأمن الغذائي تعتبر كازاخستان واحدة من أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم، وهي بالتالي من أهم الدول المصدرة للقمح إلى مصر بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، خصوصًا بعد الاضطرابات الحادثة في أوكرانيا، وكان لابد من البحث عن بديل آمن في حالة وقف شحنات القمح الأوكراني . رابعا: البترول .. فكازاخستان هي أكبر دول آسيا الوسطى ومساحتها تعادل ضعف مساحة مصر، وتصنّف كازاخستان على أنها الدولة التاسعة من حيث ضخامة المساحة على مستوى دول العالم كلها، حيث تقدّر مساحة الأراضي الكازاخية بحوالي المليونين وسبعمائة ألف كيلو متر مربع. ومن هنا كانت هذه الدولة من حيث المساحة تتفوق على مساحة (أوروبا الغربية) كاملة. وتحتل كازاخستان مكانًا حيويًا في منطقة آسيا الوسطى تحتوي على حوالي 27% من إجمالي احتياطيات النفط العالمي، وتقع أغلب هذه الذخائر في كازاخستان وأذربيجان . خامسا : أغلب مصانع السلاح وعتاد التصنيع الروسي الثقيل مازالت موجودة في كازاخستان حتى الآن، لأن كازاخستان - وعلى عكس معظم الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي السابق - ظلت محتفظة بعلاقات وثيقة مع روسيا ولم تفكك، أو تطرد التصنيع الثقيل الروسي المتواجد على أراضيها منذ حقبة الاتحاد السوفيتي. ورأت أن وجود هذه المصانع على أراضيها سيضمن لها الحماية من جهة، وسيوفر فرص عمل كثيرة لأبنائها من جهة أخرى، والدليل على ذلك أن عملية إطلاق القمر الصناعي الروسي الذي اشترته مصر قد تم من قاعدة فضائية موجودة في كازاخستان. سادسًا: البيان الختامى للرئيسين السيسى والكازاخستاني نور سلطان نزارباييف تضمن إشارة عن تبادل الجانبين وجهات النظر حول كيفية تطوير التعاون في مجال" الطاقة النووية وفي المجال التقني العسكري"، ومناقشة سبل تعزيز التعاون في مجال الفضاء الذي وصل لمستوى مناسب بين وكالات الفضاء في البلدين. تلك العبارات المحدودة تلفت إلى دور أكبر لكازاخستان في بناء المفاعل النووي بالضبعة، إضافة للتسليح الذي تحدثنا عنه. سابعًا: حل أزمة السياحة الروسية.. فنظرا لأن الرئيس الروسي بوتين لا يستطيع في الوقت الحاضر إعادة الطيران الروسي المباشر بين روسيا ومصر عقب حادثة الطائرة الروسية، لكون هذا القرار قد تم اتخاذه من قبل مجلس النواب الروسي ( الدوما) ، لذلك، ونظرا لقرب كازاخستان الجغرافي من روسيا، فإن هذه الدولة تعتبر هي أفضل مكان يمكن للسياحة الروسية أن تعود فيه لمصر من الباب الخلفي لروسيا. وبالفعل، تابعنا الإعلان عن فتح خط طيران مباشر بينها وبين شرم الشيخ ، مما يعنى عودة السياحة الروسية قريبا لمصر. ثامنًا: وفقا لقانون قمة العشرين القادمة والمقرر انعقادها في الصين، فمن حق الدولة المضيفة أن تدعو دولتين من خارج المجموعة لحضور هذه القمة، وقد اختارت الصين هاتين الدولتين بالفعل للمشاركة مع أقوى عشرين اقتصاد في العالم والدولتين ليس صدفة أنهما "مصر وكازاخستان". وتم الإعلان على هامش الزيارة، أن مصر تعتزم المشاركة بفعالية في معرض إكسبو - 2017الذي سيعقد في أستانا. حيث إن شعار "طاقة المستقبل" الذي تم اختياره لمعرض إكسبو 2017 يهدف إلى تسليط الضوء على موضوع مصادر الطاقة البديلة، وهو ما يعد أمراً بالغ الأهمية لمصر، ويتوافق أيضاً مع إستراتيجيات الحكومة في تشكيل مستقبل الطاقة في البلاد. من جانبها، أعربت جمهورية كازاخستان عن استعدادها لدعم طلب مصر للحصول على وضع شريك في حوار منظمة شانغهاى للتعاون، فسيصب ذلك في توسيع نطاق التعاون متعدد الأطراف بين البلدين. تاسعًا: مكافحة الإرهاب.. حيث أعلن عن اتفاق الجانبين على توطيد التعاون الوثيق بشأن قضايا العمل المشترك في مكافحة الإرهاب الدولي والتطرف الديني، وغيرها من الجرائم الدولية على اختلاف أنواعها... ولكازاخستان تجربة متميزة فى مجال مكافحة الجماعات المسلحة والإرهابية. عاشرا: ثقافيا.. حيث اتفق الجانبان على استمرار التنظيم المتبادل ليوم الثقافة في البلدين، وأسبوع السينما، والمشاركة في العديد من المهرجانات في مجال الفن والفولكلور والفنون الشعبية، والمزيد من التوسع في التوأمة بين المدن والمناطق الرئيسية والمحافظات في كازاخستان ومصر. كما تم التأكيد على أهمية الانتهاء من أعمال الترميم في مسجد "السلطان بيبرس" في القاهرة، فشخصية البطل الكازاخستانى الأصل ... تشكل ارتباطا تاريخياً هاماً يعمل على ربط وتعميق أواصر الصداقة التي امتدت لعقود عديدة بين الشعبين الكازاخستاني والمصري.