لم يسبق للقاهرة أن رفضت الغناء أبدًا، بالعكس، تحث عليه دومًا حتى وإن بدا للعابرين مجرد ضجيج، فلماذا تبدو قلقة، هذه المرة، بينما تستمع إلى أغنية عمرو دياب الجديدة، والتي تحمل اسمها، بالرغم من سعيه الواضح إلى كسب ودها، حد استعانته بال"ملك" ذاته؟ بعد يومين من طرحها في الأول من فبراير الجاري، لم تحقق أغنية "القاهرة" نجاحًا كبيرًا بحجم طموح صناعها، ف"كليب" يظهر فيه عمرو دياب ومحمد منير معًا، وبغض النظر عن موضوعه، يمكن له أن "يكسر الدنيا"، لكن "القاهرة"، ظهرت باهتة في محتواها، وقلقة على مستوى تلقيها، تنحو إلى الفشل أكثر من اتجاهها لحيز "اختلاف الأذواق"، حيث سجنت نفسها في إطار تقييم "الموضوع" إما بقبوله أو رفضه. تظهر الأغنية كمقطوعة احتفالية بالقاهرة، كما تشير الكلمات التي كتبها الشاعر "تامر حسين":"كأنها بنت جميلة بتنادي عليك/فيها سر بيخليها دايمًا حلوة ف عنيك/ياسحرها/عشقتها/ بحبها/القاهرة ونيلها/وطول ليلها/ وأغانيها/ ومواويلها/ وحكاويها/ أه ياجمالها.. الخ"، وبالتالي فنحن أمام شريط بصري من المفترض به أن يعكس تلك الحالة الاحتفالية، لكنه لا يفعل، على العكس من ذلك يبدو المخرج "شريف صبري" والذي اشتهر بإخراج الإعلانات الترويجية، قد سأم السناريوهات المعتادة في تقديم صورة مصر أو القاهرة، لكنه في الوقت نفسه لم يقدم طرحًا بديلًا، بل اكتفى بتحريك، الكاميرا المثبتة فوق فندق بحي جاردن سيتي، من أعلى إلى أسفل لتظهر معالم نيل القاهرة الشهيرة، ابتداءً من "العجوزة"وحتى "المنيل"، ثم وجه عمرو دياب، وكأنه يريد أن يقول أن هذه الصورة فقط هي القاهرة، مكتفيًا في ترجمة كلمات الأغنية -والذي يحتفي مضمونها بروح القاهرة وناسها وليس بناياتها- بوجه "دياب" عن أي شيء آخر وكأنه يقول "وأجيب ناس القاهرة وأحياءها ليه.. كفاية إن "الهضبة" بذات نفسه يغني لها"، مادفع المتلقي برفض تلك الثنائية عبر مقارنتها بالصور الحقيقية للواقع، فليست مبان القاهرة ما يطل على نهر النيل فقط، ولا روحها "عمرو دياب". وربما كانت تلك الصورة البصرية هي الأقرب لدى المتلقي في انتقاده للأغنية، حيث لا يعد السياق الزمني لطرحها عائقًا حقيقيًا، فأغنيات مثل "أكيد في مصر" و"لو سألتك أنت مصري" و"بشرة خيرة"، طرحت في سياقات زمنية مأزومة جزئًيا أو كليًا لكنها لاقت نجاحًا كبيرًا، ربما لأنها ركزت طرحها في السياق الاحتفالي وحده، كما أن كل من كلمات "القاهرة" ولحنها، بعيدًا عن الصورة البصرية، لا يمكنان الأغنية من التحول إلى أيقونة عن المدينة، فالكلمات مستهلكة ومحملة بصور عادية ومبتذلة، كذلك فإن المستمع بتمعن إلى اللحن الذي اشترك في تأليفه كل من عمرو دياب وأحمد حسين، سيكتشف احتواءه على العديد من الجمل الموسيقية المتناثرة والمتكررة في أغلب أغاني عمرو دياب. نأتي إلى الظهور المتأخر لمحمد منير، والمعروف لدى جمهوره المصري بلقب "الملك"، والذي بدا أقرب إلى التسلل منه إلى المشاركة، مثلما ظهر فعليًا في الكليب، فلم تحمل الأغنية أي من ملامح منير باعتباره شريكًا في العمل، حتى وإن كانت مشاركته "شرفية"، فعندما قطعت الكاميرا على عازف الناي، توقعتُ أن يكون العازف هو عبدالله حلمي أحد أشهر العازفين في فرقة منير الغنائية، والذي يمثل وحده أيقونة من أيقونات مشوار منير الغنائي نفسه، لكن العازف كان شخصًا آخر، مثلما بدا منير نفسه شخصًا آخر، ليس لظهوره كسنيد لعمرو دياب، وإنما لمفارقته تلك الصورة الشهيرة الراسخة لدى جمهوره، والتي كرسها هو نفسه في سياقات مختلفة حين تتم مقارنته بعمرو دياب أو بأي فنان آخر، فعندما سأله محمود سعد في إحدى حلقات برنامج "على ورق" الذي كان يقدمه بداية الألفينات، حول تربع "دياب" على عرش الغناء المصري، رفض منير ذلك الوصف، وقال إن كل فنان وله جمهور يتربع على عرش إعجابه وضرب المثل بشعبان عبد الرحيم وقال إنه ملك على جمهوره، وكأنه أراد أن يقول أن دياب هو ملك الموجة العامة أما أنا فملك الأغنية الخاصة والجمهور الخاص، لكن هذا التحول الأخير في أداء منير عمومًا، والذي انجرف إليه منذ بضع سنوات، يعكس رغبته في أن يصير ملك الموجة العامة والخاصة بل وصوت الدولة أيضًا، لذا لم ينطلي على جمهوره الخاص، والذي لم يعد خاصًا بعد الآن، هذا الدويتو غير المتكافئ، كما لم يقدم ظهوره أي إضافة في شريط الأغنية غير النشاذ.