" حاجة ساقعة.. شاي .. تيشرتات الثورة" كل هذا تراه عندما تهبط قدماك ميدان التحرير، مناظر لم نكن نتخيلها بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بالنظام السابق، والسؤال الذي يطرحه الكثيرون متى يعود الميدان لسابق عهده. تحول ميدان التحرير إلى سوق تجاري كبير، يشابه إلى حد ما ميدان العتبة، وذلك بعد ثورة الشباب التي أطاحت بنظام مبارك السابق، الأمر الذي يعوق معه الحركة المرورية للمركبات التي تمر بالميدان سواء القادمة من شارع القصر العيني أو ميدان عبد المنعم رياض والقادمون ايضا من باب اللوق، وأماكن أخرى. الباعة الجائلون يصطفون على أرصفة الميدان وبداخل الحدائق وكأنهم وجدوا ملازهم الآمن للحصول على المكاسب بطريقة سريعة من خلال انتشارهم بجنبات الميدان، فهناك من يقوم بافتراش الرصيف لبيع الشاي والقهوة وهناك من تخصص في إعداد المأكولات مثل المكرونة والكسكسي، كل هذا باعتبار أن ذلك يحمل شكلا من أشكال التعبير عن الفرحة بالثورة. بعيدا عن المؤكولات والمشروبات، تذهب عيناك للرصيف المقابل لتجد من يقوم ببيع التيشرتات التي تحمل شعارات ورموز الثورة، والتي غالبا لا يقترب منها سوى السائحين الذين أتوا إلى ميدان التحرير لالتقاط الصور ومشاهدة المكان الذي استطاع من خلاله شباب ال"فيسبوك" من أسقاط نظام تهششت عظامه من كثرة الفساد. بينما تجد عدد من الباعة الجائلين تركوا الأتوبيسات واحتلوا شارع الميدان لبيع الأعلام والألعاب الرخيصة الثمن والمناديل. يعد يوم الجمعة من الأيام الرائجة بالنسبة للباعة، خاصة عندما يدعو الثوار إلى التجمع لمليونية جديدة، تعجل من القضاء على ذيول النظام السابق، فضلا عن سرعة محاكمة رموزه، حيث يتجمع عدد كبير من هؤلاء الباعة مستغلين الغياب الأمني بالميدان خاصة وبمصر عامة، لعرض مبيعاتهم على المتظاهرين وبأسعار مرتفعه في ذلك اليوم. يتسائل عدد كبير من المارة بميدان التحرير عن سبب تجاهل الأجهزة الأمنية وتقاعسها في إنقاذ الميدان من أيدي الباعة الذين أصبحوا وكأنهم امتلكوه وقاموا بتقسيم أبرز الأماكن به على بعضهم. وتحول الباعة الجائلون بميدان التحرير في جمعة العمل الموافق 3 يونيو إلى بلطجية وذلك بعد الإعتداء على ضابط شرطة والإستيلاء على سلاحة الميري، حاول أن يمنعهم من الإعتداء على إحدى المذيعات بسبب محاولة منعها من التصوير داخل الميدان، معللين ذلك بأنها تتجسس على الثوار بالميدان. وهو ما يحول بذلك رمز ثورة الشاب إلى معقل للمجرمين والبلطجية. لم تكن روح الثورة غائبة عن المشهد بعد قيام الشيخ مظهر شاهين إمام مسجد مسجد عمر مكرم بانقاذ الضابط، وذلك بعد أن قام بخلع ملابس الضابط الميرى وتبديلها بملابس مدنية ونقله إلى مستشفى المنيل الجامعي. الباعة الجائلون لم يكونوا وليد الثورة التي قام بها الشباب ولكنهم فئة متواجدة بالفعل في النسيج المصري، وذلك لسوء الأحوال الإقتصادية التي نعيشها في ظل نظام حكم البلاد لأكثر من ثلاثين عاما، وقام بنهب كل ثرواتها، ودفع غالبية المواطنين للتسول والإتجاه للتجارة بالشوارع العامة. وتعد هذه التجارة هي السمة التي غلبت على الكثير من المصريين ويعتبرها كثيرون جزءا من تجارة الاقتصاد الخفي أو الاقتصاد غير المسجل في دفاتر، بعد فشل الحكومة في القضاء عليها، وإنقاذ الشوارع من أكشاكهم وعرباتهم، التي يبيعون عليها سلعا مجهولة المصدر ويدفع ثمنها المستهلك الذي يرى فيها سلعة مستوردة رخيصة الثمن. بعد قيام ثورة 25 يناير، وغياب الأجهزة الأمنية عن الشارع لفترة طويلة وجد الباعة الجائلون ضالتهم في الشوارع الرئيسية، بل وبالقرب من أقسام الشرطة، في مشهد كنا لا نتمنى أن نراه. بينما قرر الثوار التجمع بميدان التحرير للضغط على النظام السابق للتنحي، وبعدها الضغط على المجلس العسكري لسرعة محاكمة رموز النظام السابق وبينها الرئيس مبارك وقتلة الشهداء، تمكن الباعة الجائلون من السيطرة على الميدان بكل جنباته، وكأنهم ينتظرون ذلك اليوم لينهوا بأيديهم أعواما بين الفقر والمرض، من خلال المكاسب التي يحققونها بتواجدهم بالميدان.