قام اللورد البريطاني كارنارفون ممول اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في عام 1922م بعقد اتفاق مع جريدة التايمز الإنجليزية لتوريد أخبار اكتشاف المقبرة واحتكارها لصالح الجريدة بمبلغ مالي خرافي، مما أدى لمنع الصحفيين المصريين من تتبع أهم اكتشاف حدث في القرن العشرين. كان المنع يمثل معضلة كبرى، أمام الصحفيين والمراسلين الذين كان عليهم الإتيان بأخبار عن الاكتشاف الذي كان حديث العالم آنذاك. الباحث الأثري فرنسيس أمين يؤكد ل"بوابة الأهرام" أن منع الصحافة المصرية أدى إلى أن يقوم مراسل صحفي بإرسال خبر من سطرين لجريدته في القاهرة بعنوان "وجدت فأرا يتجه للدخول نحو المقبرة"، لتنشره الجريدة، فيما قام مصور جريدة "الأهرام" بتتبع هوارد كارتر مكتشف المقبرة الأمريكي، وقام بتصوير قبعته وعصاه بعد منعه من تصوير المقبرة. إن غضب الصحافة المصرية جعلها تنشر "مانشيت" غاضبًا بعنوان "حسبنا الله فيمن يقوم بمنعنا من نشر أخبار ملكنا"، مما جعل البرلمان المصري يعقد جلسة طارئة كما يؤكد فرنسيس أمين، لافتا أن الجلسة تحولت لما يشبه لثورة عارمة ضد الإنجليز، وقرر البرلمان السماح للصحفيين المصريين بالتصوير في المقبرة وتتبع الاكتشاف، لتنشر الصحف المصرية بعد القرار "كاريكاتير" ساخرًَا يظهر "البرلمان المصري يستقل عربة ويجري وراء كارتر في الشوارع". أما جريدة اللطائف المصرية، فقامت بعمل كاريكاتير ساخر يظهر "توت عنخ آمون" يخرج من قبره ويصرخ في اللورد كارنارفون ممول الاكتشاف قائلا له "إننا أمة ذات تاريخ عريق، فما الذي يفعله أبناء جلدتك الإنجليز باحتلال بلدنا المجيد؟". في وقت الاكتشاف ارتفعت الأسعار في الأقصر لدرجة خيالية -كما يؤكد فرنسيس أمين- لافتا إلى أن الغلاء أجبر الصحفيين المصريين والأجانب على النوم في الحدائق دون الفنادق غالية الأسعار لتتبع الاكتشاف الذي أذهل العالم وقتها، فيما قامت الصحف المصرية بفتح صفحاتها لأحد الشعراء الذي ادعى أنه وريث عائلة توت عنخ آمون الشرعي، ولا أحد سواه. الاحتيال على حظر النشر في اكتشاف المقبرة دعا العلماء الأجانب من جنسيات أخرى لتأليف كتب تحمل رسومات لما تم نشره في مجلة التايمز، كما ظهرت دراسات تحمل كثيرا من الأسئلة عن توت عنخ آمون، كما يؤكد فرنسيس أمين مؤكدا أن الأثري بلاك مان وضع كتابا عن توت عنخ آمون. وحوى كتاب بلاك مان أسئلة من نوعية: أين توجد برديات المقبرة، وتوقع بلاك مان أن يتم العثور على البرديات التي تحوي أشعار الحب داخل التماثيل الخشبية الحارسة للمقبرة، ومن الغريب أنه بعد مرور 20 عاما على كتابه حاول العلماء إثبات نظريته. وقام مرقص حنا وزير الأشغال المصري والمناضل الوطني بالوقوف ضد كارتر في عام 1925م الذي حاول الاستيلاء على المقبرة دون جدوى بسبب صيغة العقد المبرم، وقام بعدم السماح له بقيام 10 أجانب ذكور و30 سيدة بدخول المقبرة، حيث قال وزير الأشغال مرقص حنا: "لا أعرف أنكم في إنجلترا تتزوجون بأربع سيدات". يقول فرنسيس إن وزير الأشغال المصري جعل كارتر ينتظره أمام مكتبه لمدة 4 ساعات دون السماح له بدخول مكتبه، لافتا أن كارتر قام بكتابة مقال في التايمز يؤكد أن غطاء توت الذي قام برفعه بالحبال سيسقط وسيدمر المومياء، فكان من الطريف أن رجال الشرطة المصرية نجحوا في إنزال غطاء التابوت بسلام بعد إعطائهم الإذن من وزارة الأشغال. في العام 1925 ذاته، قام كارتر برفع دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية، وهو العام الذي ثار المصريون فيه رفضا لإخراج مومياء توت عنخ آمون من المقبرة، كما يؤكد فرنسيس آمين، لافتا أن المحكمة لم تبت في قضية كارتر وخضع لشروط الحكومة المصرية حتى أنجز نقل آخر قطعة من المقبرة في عام 1936، وهو العام الذي توفى فيه. وقبل وفاته، قام كارتر بإهداء قطع أثرية من المقبرة لملكة بلجيكا ولبعض المتاحف الأوروبية، كما يوضح الباحث فرنسيس أمين، مشيرا إلى أنه قام بإهداء خاتم يخص توت عنخ آمون لطبيب أسنانه، بالإضافة لإهدائه بعض القطع لمتحف المتروبوليتان بأمريكا. وأضاف فرنسيس أن الحكومة المصرية نجحت قبل ثورة 25 يناير في استرجاع قطع أثرية من المتروبوليتان تخص مقبرة توت عنخ آمون، وقطع آثار تخص الملك أخناتون، لافتا أن من الحظوظ السيئة أن يقوم متحف المتروبوليتان بتسليم القطع قبل الثورة بفترة وجيزة، لتتم سرقتها بعد الفوضى التي شهدتها مصر أعقاب ثورة 25 يناير، واقتحام السارقين للمتحف المصري بالقاهرة. وأكد فرنسيس أن هوارد كارتر أراد أن يترك العالم في حيرة ليس في اكتشافه لمقبرة توت عنخ آمون التي حوت الكثير من الطرائف والغرائب والغموض، وإنما في حيرة إثر المكتشفات الأثرية التي يتطلع العالم للبحث عنها، حيث أكد قبل وفاته بساعات قليلة قائلا: "إنني أعلم جيدًا أين توجد مقبرة الإسكندر الأكبر، لكن سآخذ هذا السر معي إلى القبر". لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :