قال المؤرخ المصري خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية أن تاثير كتابي "حكم الخبراء" و"استعمار مصر" للعالم السياسي البريطاني تيموثي ميتشيل علي سمعة مصر بالخارج يضاهي تأثير ثورة 25 يناير عليها نتيجة لإسهامات ميتشل في العمل علي تاريخ الشرق الأوسط ومصر تحديداً. جاء ذلك خلال الندوة التي أقامها المركز القومي للترجمة لمناقشة كتاب "حكم الخبراء: مصر ، التكنو- سياسة، الحداثة" لتيموثي ميتشل والذي صدرت ترجمته العربية مؤخراً عن المركز بترجمة بشير السباعي ود. شريف يونس أستاذ التاريخ بجامعة حلوان وقد حضر المترجمان الندوة إضافة إلي د. مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة. وتيموثي ميتشل هو أحد مؤرخ وعالم سياسة بريطاني يعمل كأستاذ لدراسات الشرق أوسطية بجامعة كولومبيا ويهتم بالدراسات ما بعد الكولونيالية من أهم كتبه استعمار مصر الذي قام بشير السباعي بترجمته عام 1990. واعتبر فهمي أن قيمة الكتاب الحقيقة لا تكمن في القدرة الهائلة لميتشل علي التحليل والتنظير فقط ولكن في دعوتنا للتفكير بشكل عميق وسياسي فيما نقوم به حين ننتج تحليلاً أكاديمياً حيث يعيد ميتشل النظر في آليات التفكير وأساليب التحليل من خلال الحفر تحت أسس العلوم الإجتماعية وظروف نشأتها التاريخية التي قال فهمي أنها تبرع في أن تطمسها لتظهر وكأنها منبتة الصلة عنها. وأعطي فهمي مثالاً بعلم الإقتصاد الذي يفحص ميتشل ظروف نشأته في سياق أوسع من السياق المابعد إستعماري - أي الفترة التي تلت إنتهاء حقبة الإستعمار والتي لا يمكن تحديدها - إذ يقوم ميتشل بممارسة نقدية تلقي الضوء علي السياق الإستعماري الذي نشأ وأبدع فيه علم الإقتصاد والعلوم الإجتماعية وآلياتها. ورأي د. شريف يونس أن ميتشل يكسر التصورات النمطية حول علاقة الباحث بالعالم المادي وظواهره التي يفحصها وقال ان ميتشل في حديثه عن الفساد في النظام الإقتصادي لم يكن يهدف إلي فضح الفساد وإنما إعادة النظر في الكيفية التي نقرأ بها الظواهر المتعلقة بالإقتصاد فهو يتكلم عن الإقتصاد كإستراتيجية لبناء الواقع. وأضاف يونس أن ميتشل يتساءل عن الطبيعة والمجتمع والأفعال الإنسانية التي تحاول إستخدام الطبيعة ويكسر طبيعة العلاقة بين ما هو إنساني وماهو طبيعي وقال أن النظريات أو المسلمات التي لدينا عن طبيعة تصوراتنا للعالم هي عبارة عن فعل في الواقع وليس إستقراء له ومن ثم فهي ليست حقائق مطلقة ويمكن إعادة التفكير فيها. وقال ان ما يقدمه ميتشل ليس هو أن الحداثة خطأ وجب تصحيحه ولكن بالأحري أن المعرفة فعل إنساني ومن هذا المنطلق يجب أن تفهم النظريات علي أنها فعل إجتماعي وسياسي وإمبراطوري يحدث داخل سياقات متعلقة بالصراعات العالمية، وشدد يونس علي أن عملية إنتاج المعرفة ليست عملية منفصلة عن السياقات السياسية والإجتماعية وعلاقات القوي وقال ان عملية إنتاج الواقع هي عملية إنتاج المعرفة والعكس. وأعطي يونس مثالاً بإنتاج خريطة لمصر وكيف أن تلك الخريطة غيرت في علاقات الريف بالقاهرة والأقاليم وكيف أنها كونت تصوراً مختلفاً عن واقع مصر والمصريين وخلقت وحدة متخيلة لأمة مصرية وهذا يبين كيف تغير المعرفة "التمثيلية" الواقع. قال د. مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه يقرأ الكتاب في إطار العلاقة النقدية بين الحداثة وما بعد الحداثة فالحداثة تقوم علي أن المعرفة بالعالم ممكنة وأن وسيلتها العقل وذلك علي عكس ما بعد الحداثة التي تقوم علي أن المعرفة ليست ممكنة وتشكك في أسس العلوم الطبيعية والإجتماعية وخاصة الأخيرة علي إعتبار أن التجارب الإنسانية غير ممكنة. ورأي كامل أن كتاب ميتشل هو نقد للحداثة وتجاوز لما بعد الحداثة في ذات الوقت فهو ينقد مفاهيم العقلانية والإقتصاد والتكنولوجيا ويدحض فكر الإستنارة من خلال تجلياته في الواقع المصري ولكنه يحاول إيجاد صيغة لتجاوز مشكلة ما بعد الحداثة التي تقول بعدم إمكان معرفة الواقع معرفة مباشرة بأن يحاول دراسة الواقع مباشرة من خلال علاقات الملكية وأوضاع الفلاحين والعنف. واختلف مترجم الكتاب بشير السباعي مع النظر للكتاب في إطار العلاقة بين الحداثة وما بعد الحداثة، وقال ان الحديث عن سقوط والمرويات الكبري وومقولات التاريخ وصراع الطبقات والمشروع الثوري أمر غير لائق في ظل ما نشهده الآن. وقال السباعي أن النظام القديم كان يستخدم مقولات اقتصادية زائفة تتحدث عن خلل بين نسبة الزيادة السكانية واتساع الرقعة الجغرافية وقال ان هذا كان جزءاً من تزييف الوعي وعملية القهر الحقيقة فالمسألة لم تكن مسألة زيادة سكانية وإنما مسألة توزيع الثروة والسلطة علي السكان.