قالت مجلة "فورتشن" الأمريكية إن نجاح قناة السويس الجديدة لا يقاس فقط بعدد السفن العابرة والايرادات التي ستجلبها للخزانة المصرية، لكن نجاحها تمثل أيضا في إظهار الحجم الكبير للثقة لدى المصريين الذين قاموا بتمويل المشروع في حكومة بلادهم وقدرتها على إعادة مصر للمسار الديمقراطي في الحياة السياسية وتحقيق الاستقرار في البلاد على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وذكرت المجلة أن الحكومة المصرية بعثت برسالة للعالم بافتتاح القناة الجديدة مفادها بأن مصر فتحت أبوابها مجددًا للتجارة والاستثمار بعد أربع سنوات من الفوضى التي عصفت بالبلاد. وأضافت أن أسلوب التمويل المبتكر لمشروع قناة السويس الجديدة والسرعة المدهشة في إنجاز المشروع تعد خطوة عظيمة في طريق طويل لإعادة المستثمرين الأجانب والسائحين إلى البلاد، ومن ثم بناء مصر الجديدة. ووصفت المجلة حفل افتتاح القناة بأنه ضخم وسخي، مشيرة إلى العروض التي قدمتها المقاتلات المصرية في سماء القناة الجديدة والعرض الغنائي الذي قدمته مجموعة من الأطفال بالإضافة إلى مرور السفن في اتجاهي الممر المائي أثناء الافتتاح. وأشارت المجلة إلى حضور عدد من المسئولين السياسيين رفيعي المستوى من مختلف دول العالم لحفل الافتتاح، وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ورئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف والملك عبد الله عاهل الأردن وملك البحرين حمد بن عيسى وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وغيرهم من القادة والوزراء وممثلي الدول الأوروبية والأفريقية والآسيوية. وقالت "فورتشن" إنه رغم عدم حضور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لحفل الافتتاح إلا أن زيارته للقاهرة قبل أيام من الافتتاح أظهر دعم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليس فقط لمشروع القناة الجديدة بل للحكومة المصرية إجمالًا بعد فترة من توتر العلاقات بين القاهرة وواشنطن. وقالت المجلة الأمريكية إن الحر الخانق لم يمنع المصريين من النزول بأعداد كبيرة إلى الشوارع احتفالاً بافتتاح القناة الجديدة، وساعد في ذلك اعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الافتتاح عطلة رسمية. وأضافت أن شعورا حقيقيًا بالحماس والفرحة انتشر بين 20 مليون مواطن يقطنون القاهرة التي ازدانت بألوان العلم المصري الأحمر والأبيض والأسود في مشهد أعاد للأذهان أمجاد القومية العربية في وقت كانت فيه الأصولية الاسلامية ضئيلة وغير منتشرة. وبعيدًا عن الأجواء الاحتفالية، قالت مجلة "فورتشن" إن القناة الجديدة التي وصفتها الحكومة المصرية بأنها هدية مصر للعالم ستختصر بلا شك الوقت الذي تقطعه السفن لعبور قناة السويس القديمة، فيما يطرح المختصون سؤالا مع بدء حركة مرور السفن في الممر المائي الجديد حول ما إذا كان سيمثل أمرًا شديد النفع للتجارة الدولية. وللاجابة عن هذا السؤال قالت المجلة،إنه من الطبيعي أن تتأثر القناة الجديدة بتراجع حجم التجارة على مستوى العالم منذ أن بدأت الأزمة المالية العالمية في عام 2008، مضيفة أن أعداد السفن التي تمر بقناة السويس القديمة لم يرتق حتى الآن للأعداد التي سبقت حدوث هذه الأزمة. وأشارت المجلة إلى ما أسفرت عنه الأزمة العالمية من تراجع الطلب على أنواع محددة من البضائع مما أدى بدوره لتراجع عدد السفن التي تمر بقناة السويس، وقالت إن الطلب على النفط ومشتقاته مثل البنزين والديزل، والذي شكل خمس حجم البضائع التي مرت بالقناة في عام 2014، آخذ في التراجع خاصة في دول أوروبا وأمريكا الشمالية. لكن على الرغم مما سبق، ترى المجلة الأمريكية إنه من السذاجة القول بأن التجارة العالمية ستظل على هذا المستوى الضعيف إلى الأبد، أو أن تظل اقتصادات أوروبا وشمال أفريقيا تعاني من قدر من الخمول. وقالت المجلة إن متوسط حجم التجارة العالمية ينمو سنويا بمقدار 3%، وهو ما يمكن ترجمته إلى أعداد أكبر من السفن تمر بالمجرى الملاحي لقناة السويس بممريها القديم والجديد. وأضافت المجلة أن القناة الجديدة بما ساهمت فيه من اختصار وقت العبور بين البحرين المتوسط والأحمر سيدفع العديد من شركات الملاحة والنقل البحري التي لم تستخدم قناة السويس من قبل لإعادة التفكير في المرور من خلالها، كما أن ابقاء السلطات المصرية على رسوم المرور بالقناة دون تغيير حتى مع افتتاح القناة الجديدة سيدفع هذه الشركات لاغتنام الفرصة للمرور في وقت أقل وبتكلفة ثابتة عبر القناة. وقالت المجلة الأمريكية إن الجانب الآخر لنجاح قناة السويس الجديدة يمكن قياسه بمستوى ثقة المصريين في المشروع بشكل خاص وبحكومتهم بشكل عام، مشيرة إلى أن تمويل المشروع الذي تكلف نحو 8 مليارات دولار تم عن طريق بيع شهادات استثمار للمواطنين والمؤسسات المصرية بنسبة فائدة تبلغ 12%. وأوضحت أن قبول المواطنين والمستثمرين المصريين بالمخاطرة ولو بقدر ضئيل بأموالهم من أجل تنفيذ هذا المشروع يظهر ثقة كبيرة من المصريين تجاه النظام الحالي، وهي ثقة افتقرت إليها الأنظمة المصرية السابقة لسنوات طويلة.