"أحبه في عمر الثالثة وتعلقه بأشعاره..ولم يستطع تحمل نبأ وفاته فأغلق باب حجرته ودخل في هيستريا بكاء حتى أصابه الإغماء".."كريم الأبنودي" الذي حمله الكثيرون اللقب، الفتي الصغير الذي لفت الأنظار نظراً لمحبته الواسعة لشعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، وحفظها في عمر مبكر حتى صار على دربه. مرارة كبيرة وحسرة تلازم كريم، بحسب رواية والدته ل "بوابة الأهرام" لكونه لم يتمكن من حضور جنازة معلمه وأستاذه، بسبب ظروفه الصحية حيث خروجه من المستشفي الثلاثاء عقب إجرائه جراحة بعينه نتيجة إصابته في أحد التمارين الرياضية، حتى إنه قال لوالدته وسط حالة انهيار أصابتها هى الأخرى أثناء حديثها معنا "كان نفسي أبوسه، واشم ريحته وهو فحضني قبل ما يموت". تستكمل الأم العاشقة للراحل حكاية ابنها الذي تعلم على يديها حبه له، حيث تؤكد أنها كانت تقرأ له وهو في سن الثالثة أشعار الأبنودي التي تحتفظ بها كاملة إلى أن استمع إليه الموسيقار زياد الطويل نجل كمال الطويل في عمر الرابعة، حيث أكد كريم حفظه لإحدى قصائد الأبنودي، مما أثار إعجابه ليتصل بعدها على الفور بالراحل ويحدثه عن الموهبة الفذة لتبدأ سلسلة التعارف بينهما بعد لقاء جمعهم به مع الإعلامي محمود سعد. وتضيف والدة كريم، أن الراحل لم يكن لديه رغبة في أن يدخل نجلها في مجال التمثيل لكنه لم يبخل في مساعدته عندما كان يلجأ إليه، وتروي حكاية مشهد جمع بين الفنان نور الشريف ونجلها في عمر الخامسة خلال تصوير مسلسل "الرحايا" فعندما كان الفنان يعدل في نطق إحدى الكلمات باللهجة الصعيدية، قال له كريم إنه سأل الراحل عنها وتأكد أن نطقها بشكل آخر. لكن المصري الأصيل عبد الرحمن الأبنودي كان مثله مثل الكثيرين يغير على اسمه الذي حفره في أوقات عصيبة على صعيد التغيرات السياسية والمجتمعية، ولعل حبه وغيرته الشديدة لوطنه وأبنائه جعلته يتحفظ على حمل كريم للقب "الأبنودي" خصوصاً بعد واقعة فيلم "حلاوة روح" الذي أثار استياء الكثيرين حيث أبدى في مكالمة هاتفية على الهواء مع الإعلامي محمود سعد عن تحفظه على استخدام كريم لاسمه رغم إثنائه عليه وتأكيده على موهبته المميزة في بداية حديثه حيث كان أول من فتش عنها وأخرجها للنور في لقاء على الهواء ضمن برنامج "البيت بيتك" حيث قدم كريم الذي كان يراه الأبنودي لأول مرة قصيدة "جوابات" أشهر أعمال الراحل. وبعيداً عن ذلك، فإن الملفت في تجربة عبد الرحمن الأبنودي مع كريم الذي حمله الكثيرون لقبه، هو الدعم الكبير الذي يقدمه قامة فنية وتاريخية كبيرة مثل الراحل لطفل لم يتعد عمره سوى الخمس سنوات بل يظهره معه في لقاء تلفزيوني على الهواء يراه الملايين على شاشة التلفزيون المصري، وهو أمر أصبح نادر الحدوث في هذه المرحلة شديدة التخبط والارتباك إلى حد كبير على الصعيد الثقافي والفني. وليس هذا فقط، بل إن القيمة الكبري تكمن في حفظ طفل صغير يفترض ألا يعرف عقله في هذه المرحلة سوى أغاني "ذهب الليل" لكن أشعار وقصائد الراحل إضافة للهجة الصعيدية التي لم يتخل عنها في إلقاءه لقصائده نبهت هذا الطفل لها وجعلته يفتش عنها لتتربي أذنه على الاستماع لنوعية شديدة الخصوصية من الفنون، فحتى إن أخطأ كريم في تجربة سينمائية أدرج بها في سن صغير لكن بناءه الصلب على تراث الأبنودي سيجعله أكثر وعياً وحذراً مستقبلاً. وإن كانت تجربة حب كريم للشاعر الكبير تؤكد على التطور المستمر لدى الأخير في موسوعته الشعرية التي لم تتوقف أمام عجلة الزمن الدائرة بما فيها من تحديات عصرية كثيرة، ليصل بأشعاره وأغانيه إلى قلوب الأطفال والشباب والكبار على مدار مراحل زمنية متعددة.