يفوح خليط ثقافي متنوع من مكتبة الإسكندرية الحديثة، بدأ بأوراق البردي ولن ينتهي بالأسطوانات المدمجة الموجودة بين جنبات المبنى الفخم المطل على كورنيش الإسكندرية كامتداد للمكتبة القديمة، التي أسهمت في نشر الفكر الثقافي للعالم، حتى أصبحت منارة للعلم والعلماء، تداخلت وتكاملت فيها المدارس الثقافية السائدة في هذا الوقت، وتخرج منها كبار المفكرين والعلماء منذ أكثر من عشرين قرنًا. الثقافة في الإسكندرية خليط فريد وقديم يمتد الآن بين خطب المساجد، ومواعظ الكنائس، ومسرحيات قصور الثقافة، وصالات المتاحف، وقاعات المكتبات العامة والخاصة. كانت المكتبات معروفة عند القدماء المصريين بأنها خاصة بالكهنة فقط، لكن مكتبة الإسكندرية امتازت عن غيرها من المكتبات، بأن روَّادها لم يقتصروا على طبقة أو فئة معينة من الشعب. ضمت المكتبة القديمة 700 ألف مجلد بما في ذلك أعمال هوميريوس، ومكتبة أرسطو، كما ضمت مايزيد على مليون لفة بردي، كانت قد نسخت من الكتب الموجودة على السفن التي تصل إلى الإسكندرية، لموقعها المميز علي شاطئ البحر المتوسط الذي جعلها ميناء عالميًا. ظلت الإسكندرية عاصمة لمصر أكثر من 1000 عام، قبل الفتح العربي، حيث كانت خلال هذه الفترة حاضرة الثقافة في العالم، فقد كان للإسكندرية دور في نشر الفكر الثقافي للعالم، فقد كانت منارة للعلم والعلماء.. ففي داخل المكتبة القديمة تداخلت وتكاملت المدارس الثقافية السائدة في هذا الوقت، حيث تخرج منها كبار المفكرين والعلماء منذ أكثر من عشرين قرنًا، فهي من الأسباب التي أبقت على الروائع الكلاسيكية التي تركها هومير وسقراط وبلاتو حتى يومنا هذا. لم تعرف الإسكندرية معنى للحياة الهادئة فقد تعرض علماؤها للاضطهاد، خلال القرن الثاني قبل الميلاد، وفى عام 48 قبل الميلاد تعرضت المكتبة لحريق مدمر أتى عليها نتيجة للحرب التي دارت في المدينة ومينائها بين قيصر والأسطول البطلمي. المكتبة الحديثة تتميز مكتبة الإسكندرية الحديثة بروعة تصميمها الهندسي، وكم المعلومات والمعرفة التي تحتويها، حيث تضم أكثر من 1.238639 ما بين كتب ومجلات وجرائد ومراجع وأبحاث علمية وبحثية، ومكتبات إلكترونية. كما تضم المكتبة أرشيفًا للإنترنت، و6 مكتبات متخصصة للفنون والوسائط المتعددة والمواد السمعية والبصرية، وللمكفوفين، وللأطفال، وللنشء، و للميكروفيلم، وللكتب النادرة والمجموعات الخاصة، و3 متاحف للآثار، و للمخطوطات، وتاريخ العلوم ومن يرى الكوب الفضائي "القبة السماوية"، كأنه يسبح في عالم الفضاء، أما البانوراما حضارية (وهي بمعروفة باسم "" CULTURAMA، وهو عرض تفاعلي قام بإعداده مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، ويقدم من خلال تسع شاشات رقمية هي الأولى من نوعها في العالم. وفى حديثنا مع عدد كبير من مسئولى المكتبة، أشارت رانيا عبادي رئيس وحدة المرجعية بقطاع المكتبات إلى أن أكثر من 15 ألف عضو يتردد على المكتبة بشكل مستمر، و800 ألف زائر في العام. وأوضحت عبادي أن للإسكندرية دور تاريخى فى إثراء الثقافة، كما لها دور معاصر أيضًا، فقد تعددت المظاهر والمراكز الثقافية والفكرية فى الإسكندرية المعاصرة وتعاظم دورها فى الثقافة بإحياء مكتبة الإسكندرية. وسحبت بساط المناقشة أميرة حجازي رئيس وحدة الخدمات الإرشادية؛ لتقول إن دور المكتبة لا يقتصر على إثراء الثقافة من خلال الكتب فقط، بينما تقوم بإعداد جولات إرشادية وندوات ومحاضرات وأفلام وثائقية، ويتم إعداد برامج للتثقيف الفكري مجانية لرواد المكتبة من خلال تعريفهم على كيفية إعداد الأبحاث، وفوائد المكتبات، واستخدامات الإنترنت والكمبيوتر، كما يتم نشر التوعية الصحية. وتشير أميرة: أن الإسكندرية مدينة ثقافية ضخمة تحوى نحو 2122 مسجدًا سواء حكوميًا أو أهليًا و87 كنيسة و9 قصور ثقافة و6 متاحف و94 مكتبة متعددة وحوالى 1714 مدرسة فى كل المراحل التعليمية. وتتدخل فى الحوار ماري رمسيس، رئيس قسم قاعة العرض المتحفي، لتشير إلى أنه ليس هذا فقط ما يميز المكتبة الحديثة، ولكنها تنفرد بمقتنيات لاتوجد في أي مكان غيرها، أنها تمتلك أقدم مخطوط لتفسير القرآن الكريم، والذي يرجع للقرن العاشر الميلادي والرابع الهجري، وقد منحته مكتبة"البلدية"، التي تقع بالإسكندرية في القرن العشرين، ولم تكمن مقتنيات المكتبة في هيئات فقط، بينما أهداها أشخاص هدايا أخرى لا يمتلكها غيرهم، فقد قامت أسرة طلعت حرب باشا بإهداء كسوة الكعبة لسنة 1936 ميلادية لعرضها من خلال المكتبة. الأجانب فى المكتبة فى أثناء جولتنا بالمكتبة استوقفنا وفدًا إنجليزيًا، يرافقه مترجمته رندا الصبري، والتي قامت بشرح مختصر لهم عن المكتبة ونشأتها وأهم محتوياتها، والقراءة الإلكترونية والموقع الإلكتروني للمكتبة، ولحظنا تسابقًا من الأجانب في محاولاتهم التقاط الصور داخل المكتبة، حتى أن أحدهن في أثناء تفقدها أحدى المتاحف التي يمنع التصوير فيها تجاهلت اللافتة واستخدمت كاميراتها، رغم أن مرشدتهم، أوضحت ذلك، لكن لم يستوقفها إلا فرد الأمن داخل المكتبة، حيث بررت تصرفها بولعها الشديد بأوراق البردي الملونة، والتماثيل الموجودة بالمتحف. خلال جولتنا داخل المكتبة انتابنا شعور بأننا لن نجد قراء سوى الطلاب والباحثين، حيث وجدنا الكثير من الطلبة بمختلف الأعمار وكان لابد من الحديث معهم. فقالت شيماء محمد، طالبة بالصف الأول الثانوي، أنها تأتي للمكتبة، لحبها لمادة علم النفس والأحياء والجيولوجيا، وأنها تجد في كتب ومراجع المكتبة ما لم تجده في الكتب الدراسية. قبل أن ننتهى من الحديث معهم وجدنا علي زكريا، طالب بكلية الطب، يبحث في المراجع والكتب، الذى قال أنه يأتي إلي المكتبة، حيث يفرغ من دراسته بالكلية لأنه يعتبرها المرجع الذي لم يجد مثله في الخارج، بالإضافة إلى الهدوء الذي يساعده على استذكار دروسه بتركيز.