في الوقت الذي أكد مفتي الجمهورية على جمعة، على عدم المساس بالأضرحة والمقامات من قبل المتشددين من التيارات السلفية بكل ربوع مصر، كانت المقامات التي تصل إلى آلاف الأضرحة بقنا تبوح بتاريخها الثقافي الذي يحمل عبق الجذور القوية للثقافة المصرية حاملة أيضًا نوعًا من الأسف على حال من ينادون بهدمها دون قراءة أسرارها وعالمها. هناك بقرية المقربية التابعة لمدينة قوص بقنا وبجوار أقدم طاحون كانت تعمل بالماء يوجد مسجد وضريح الشيخ محمد البواب الذي يعتقد الأهالى أنه الوالد الحقيقي للست زبيدة التي تزوجها "مينو" أخر قادة الحملة الفرنسية التي غزت مصر عام 1798م . ويتحدث غلاب، عمدة القرية ل"بوابة الأهرام" عن القصة الشعبية للشيخ محمد البواب أن مجيء محمد البواب إلى قرية المقربية، كما تداول هنا أنه حين سمع بزواج ابنته زبيدة من "مينو" دون إذنه، حيث كان في رحلة تجارة إلى مدنية جنوا الإيطالية جعله يأخذ قرار الانضمام إلى المقاومة الشعبية والثأر من مينوا في إشعال تمردات وثورة ضد وجود الاحتلال الفرنسي فقدم إلى قوص عن طريق البحر الأحمر واستوطن قرية المقربية، نظرًا لأنها كانت أقرب مكان إلى مخازن السلاح في الصعيد وهى التي مولت العرب الحجازيين الذين عبروا البحر الأحمر بالسلاح فدمروا السفينة التي كان يطلق عليه سفينة إيطاليا، حيث ذبحوا الفرنسيين على أنغام نشيد الثورة الفرنسية في قرية البارود التي تبعد عن المقربية ب3 كيلو فقط، وأنه قاوم حتى استشهد ودفن في القرية. وأضاف غلاب، اسم القرية يقال أنه أتى من القرب حيث تطابق في معنى القرب من البارود القرية التي هزمت جيش نابليون، ولكن التاريخ يثبت أنها سميت نسبة إلى مقرب بن غالب من قبيلة خزاعة، ولكن الباحثون الأجانب والغرباء قاموا بسرقة بعض رسومات وحفريات خشب كنا نشاهدها في خمسينات القرن الماضي، كانت موجودة في مقام الشيخ محمد البواب، وهى رسومات كانت تظهر السفن الفرنسية وجهاد المقاومة ضدها وهى كانت الدليل الوحيد الذي كان يثبت أن محمد البواب كان مقاوما للفرنسيين بغض النظر أنه والد الست زبيدة زوجة مينو أو حتى أحد المقاومين للوجود الفرنسي بالصعيد. ويقول أحمد السوداني، باحث في الدفن: لا استبعد وجود صلات بين والد زبيدة وبين مدينة قوص فهي كانت العاصمة الثانية لمصر الإسلامية وكانت عاصمة تجارية وبصفة والد زبيدة تاجرا وبصفته من قبائل قريش، كما هو معروف في المصادر التاريخية، وبصفته أيضا كان رافضا لزواج ابنته وفرَّ هاربًا من رشيد، ولم يحضر عقد القران، كما أورد على الجارم في قصته غادة رشيد فلا استبعد أنه أتى هذه المنطقة التي كانت تعج بقبائل عربية وحجازية، وأنه اتخذ وضع المقاومة في مدينة قوص، وأنه تم تدريبه على القتال هنا حتى استشهد في ثورة أغسطس 1799 أو بالتحديد بعد هذا التاريخ بشهور في القاهرة ودفن هناك ولكن اعتزازا بجهاده ولقربته الشديدة لقبائل الصعيد تم وضع مقام له. ويضيف السوداني، لابد من البحث لماذا كان والد زبيدة وليا من الأولياء ولماذا أعطوه الولاية، ولماذا لم يكن عاشقها الرشيدي محمود، كما أتى في رواية غادة رشيد لعلى الجارم هو الولي، ولماذا جعل الأهالى له هذه القدسية العالية كل هذه أسئلة حقيقية لابد من البحث عنها الغريب أن الباحثين الفرنسيين الذين تحدثوا كثيرًا عن قوص لم يأتوا بذكر المقام رغم زيارتهم للقرية، كما يذكر الأهالى ومن جلس معهم، كما أن الاعتقادات الشعبية في الأولياء لاترتبط بالدفن في مكان معين إنما ترتبط بما تراه العقلية الشعبية أنه ولى بغض النظر عن انتماءاته أو جسده هل مدفون هنا أم لا؟. اليقين الذي يقدمه لنا المقام هنا يقول إن الداعين لهدم المقامات يحتاجون للقراءة أو ربما يحتاجون للوعي أكثر، والوعى لا يتأتى إلا من الدين الذي لا يفهمونه جيدًا.