قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعيين المصري الأمريكي إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة وإدارة وحدة الابتكار الدفاعي هو أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة البنتاجون أو وزارة الحرب الأمريكية عام 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجًا جديدًا تمامًا عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأمريكية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسئول الذي يُمسك عمليًا بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأمريكي من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي هو رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا فائقة النمو، بدءًا من شركة «تيل مي نيتوورك»، ووصولًا إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في نفس الوقت. يا سادة، إن تعيين إميل مايكل وكيلًا للبنتاجون للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل هو كسرٌ لخط طويل من الشخصيات المنتمية تقليديًا إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أن الرئيس دونالد ترامب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في ولايته الأولى - يعدّ آخرون أن ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأمريكية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار وليس فقط تنظيره. وُلد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكرة مع عائلته إلى الولاياتالمتحدة. عام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيجاس (ولاية نيفادا) وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي بولاية فلوريدا. ودائمًا ما يشير مايكل إلى أن تجربة الهجرة منحته ثقافتين، وكذلك منحته هذه الخلفية مميزات أخرى. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت جيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجستية في مسار غير شائع إطلاقًا. درس إميل مايكل في جامعة هارفارد وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنه فور تسلّمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر الجمهوري في هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرته السياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقًا في إدارة الشركات. بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا. هناك ازداد اندماجه مع التيار البراجماتي داخل الحزب الجمهوري الذي يركّز على الاقتصادات الحديثة والابتكار وليس فقط على خطاب «القيم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يمينًا اقتصاديًا وابتكارًا تكنولوجيًا، كان أساسيًا لاحقًا في فهم لماذا رأى الرئيس ترامب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية. وللحديث بقية..