لم يدر بخلده أن بصره الزائغ سوف يلف حبل المشنقة حول رقبته.. كثيرا ما نهرته سيدة.. بينما بصقت الثانية على وجهه.. والثالثة كادت تقتلة ضربا بالشباشب .. ولم يرتدع حتى هام حبا بمن تصغره بأربعين عاما. راح يطاردها أينما وجدت.. وكلما وبخته ازداد عشقا لها وبات لا يرى سواها ولا يسمع غيرها.. وهى لا تطيق رؤيتة، وكرهت كل رجال العالم لأنه ينتمى إليهم. وحررت ضده المحاضر وهددته أسرتها وتوعدته، إلا أن الكرامة ضلت طريقها إليه والرجولة لم تطرق باب حياته. وأيقنت الصغيرة أن ما يجرى فى عروقه ماء مثلج ملوث، حتى أخذت عليه إحدى الجهات الأمنية تعهدا بعدم التعرض للصغيرة لوجود موانع كثيرة تحول دون زواجها.. فأصبح كالثور الهائج وأطاح بالوعود والتعهدات عرض الحائط .. وارتكب جريمته الشنعاء وسطر بيده شهادة وفاته. محافظة حلوان شهدت أحداث الجريمة البشعة التى هزت مشاعر كل الأطياف، وزلزلت وجدان سكان المحافظة بأكملها، وبثت الرعب فى قلوب الكثيرات، فهو العجوز ذات الستين ربيعا، لم ينهه لهيب شيب هامته عن مغازلة الصغيرات، ولم تمنعه دماثة خلق زوجته واستقامة أبنائه الستة من معاكسة السيدات، حتى بات وصمة عار فى جبين أسرته الصغيرة. كان لهم كالداء الذى يستحيل الشفاء منه، فهو يمتلك مكتبة ومطعما وتتردد عليه العشرات يوميا، ولم تسلم فتاة أو سيدة من نظراته الفاضحة وكلماته الباردة. وذاق على يد السيدات كل أصناف الهوان من شتائم وبصق وضرب بالشباشب. ولم يرتدع حتى انصرف عن مطعمه كل الزبائن، ولكنه كان سميك الجلد. بارد الدم لم يتحرك له ساكنا عندما انفض عنه الزبائن، وانقطع عنه الأخضر واليابس. واستمر فى مغازلة كل من تقع عليه عينه، حتى بدأ القدر يسطر له النهاية المأساوية عندما دفع الفقر فتاة صغيرة إلى البحث عن لقمة العيش، وطرقت جميع أبواب محال منطقة حلوان للبحث عن عمل، حتى أوقعها حظها التعس فى مصيدة زائغ البصر. فهى ابنة العشرين ربيعاً طرقت باب مكتبته للسؤال عن عمل، وتنفست الصعداء على مشاهدت الشعر الأبيض يغطى رأسه، فهو فى عمر أبيها ولا تخشي على نفسها منه، وكادت روحها تزهق عندما وافق على تشغيلها براتب شهرى أربعمائة جنيه، فالفقر يحيط أسرتها بأسياخ من حديد، وفى حالة إلى جنيه واحد. ووالدها يحمل هموماً تنوء عن حملها الجبال الراسيات، ووافقت على كل شروطه من ساعات عمل طوال. وتنظيف المكتبة ومحتوياتها يومياً وغيرها، إلا أن فرحتها لم تدم عندما شاهدته ينظر إليها ببصر زائغ، ويحاول التحرش بها، مدعياً أنه لم يقصد .. وفرت من جحيمه بعد أن لقنته درساً لم ينسه أبد الدهر، عندما جذبته من ملابسه فى الشارع وطرحته على الأرض بمساعدة والدتها وشقيقتها، وانهلن عليه ضرباً بالشباشب، واشترك معهن العشرات من ضحاياه حتى كادت روحه تزهق، ولم يخلصه من بين أيديهم سوى زوجته وأبنائه. ولكن يبدو أن ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب .. فاكتشف العجوز المتصابى أنه يعشق الصغيرة، وأنه هام بها حباً وعشقها يجرى فى أوصاله، ولكن كيف ؟، وهى كانت لا تطيق رؤيته، وتكره كل ذرة فى جسده، وكانت تتقيأ كلما وقع بصرها عليه. عرض عليها الزواج ووضع ثروته تحت قدميها، فرفضت حتى لو أعطاها كل كنوز العالم، تفرغ لمطاردتها طوال ثلاثة أعوام، وحررت أسرتها ضده المحاضر، وأخذت عليه الجهات الأمنية تعهدا بعدم التعرض لها خشية من وقوع أحداث لا تحمد عقباها.. إلا أنه لم يلتزم، حتى اجتمع أفراد عائلتها وكادوا يفتكون به، إلا أنهم أبوا أن يلوثوا أيديهم بدمائه الرثة. إلا أن الشيطان سكن عقله وقلبه وقرر التخلص من الصغيرة.. فانتظرها وهى فى طريقها لتلقى أحد الدروس الدينية فى دار العبادة، وأطبق على رقبتها فى الشارع، وأخرج من ملابسه ساطورا وذبحها فى الشارع، وألقى بجسدها النحيل فى الشارع .. ووقفت له عدالة السماء بالمرصاد حيث شاهدها أحد المارة قبل أن تصعد روحها الطاهرة إلى بارئها .. فقالت له عن اسم الجانى، وبعدها لفظت أنفاسها .. وقام المارة بوضع أوراق الصحف عليها، والأعين من حولها تزرف الدموع، حتى جاءت والدتها وشقيقاتها وفتكت أصوات صراخهن القلوب. وتوجهت قوة من مباحث حلوان، وضبطت الجانى واعترف بجريمته الشنعاء، وأمر إيهاب همت رئيس نيابة جنوبالقاهرة الكلية، بإشراف المستشار ممدوح وحيد المحامى العام الأول لنيابات جنوبالقاهرة بحبس المتهم.