بين قلب الموازيين والكشف عن مواهب مميزة مازال بجعبتها الكثير والكثير، جاءت الأعمال الدرامية هذا العام لتؤكد أن منظومة الجاذبية للنجم الأوحد، انتهت و"راح زمانها" لتلقي بظلالها على الجنود المجهولين وراء خروج العديد من الأعمال المميزة لعل في مقدمتها المؤلفين. تميزت دراما رمضان هذا العام، بتألق الكثير من المؤلفين الذين جذبوا الجمهور لأعمالهم منذ الوهلة الأولى، بل إن بعضهم فاجئنا بموهبته وتحديه الكبير لذاته في تقديم حبكة درامية موزونة حتى أنها تخلو من الهفوات الصغيرة التي قد يجعل البعض يقف أمامها مثل غيرها من الأعمال الأخرى. للعام الثاني على التوالي تضع السيناريست مريم ناعوم نفسها في تحد أكبر، بل إنها يمكن أن تلقب ب "صاحبة المهمات الصعبة"، فللمرة الثالثة تتولي ناعوم مهمة تحويل نص مسرحي أو رواية أدبية إلى عمل درامي، فقد سبق وقدمت مسلسل "ذات" عن قصة للأديب الكبير صنع الله إبراهيم، و"موجة حارة" عن رواية "منخفض الهند الموسمي" للراحل أسامه أنور عكاشه، وهذا العام تقدم "سجن النسا" عن مسرحية بنفس الاسم للراحلة فتحية العسال. نسجت ناعوم من كل شخصية في هذا العمل تفاصيل واقعية مزجتها بمزيج من مشاهد الألم والقهر المتمثلة في بعض الشخصيات، وتشترك معها في ذلك هالة الزغندي التي شاركتها في كتابة السيناريو والحوار أيضًا، ليصوغا معًا دراما تنبض بعمق من داخل طبقات الشعب المكدوحة. وإن كانت ناعوم لديها قدرة كبيرة على تصوير تفاصيل شديدة الخصوصية للطبقات الوسطى والفقيرة بحسب ما تتناوله في أعمالها دائمًا من رصد واقعي لهولاء، وتشترك معها في رسم تفاصيل الصورة المخرجة كاملة أبو ذكري. أما عبد الرحيم كمال، فتستعجب من قدرته على تحويل نص أدبي مثل "الملك لير" إلى حبكة درامية لا تستطيع أن تعرف إذا كنت تشاهد ملحمة درامية أم عملًا مسرحيًا يبهرك أبطاله جميعهم بأدائهم على خشبة المسرح. "دهشة" العمل الذي جاء ليكمل الثلاثية الشهيرة "السيناريست عبد الرحيم كمال، والنجم يحيي الفخراني، والمخرج شادي الفخراني" ليضعوا المشاهد دائمًا في حالة انبهار، يكللها الحوار الراقي الذي كتبه السيناريست الشهير، مزج فيه بين الفخامة والسلاسة في التعبير، كل هذا محمل بمشاعر مؤلمة تعكس صورة لوجع الأب "باسل" صاحب الثروة وحرمانه من سماع كلمات الحب والحنان، ويفيض وجعه عندما ترفض ابنته الصغري "نعمة" الاعتراف له بحبها إليه حتى يعطيها ثروته، ويستكمل أوجاعه بصدمته فيما بعد من قساوة ابنتيه "نوال، رابحة" بعد أن حصلا على الثروة. يستكمل محمد أمين راضي موهبته في تقديم أعمال غير مألوفة على العقل، يحول فيها المشاهد إلى باحث ومستكشف فيما يقدمه من مضمون موضوعاته، التي تحمل موهبة مؤلف صاحب ثقل ووعي ثقافي يستخدمه قراءته الأدبية والمعرفية في صياغة قصص وأحداث غير متوقعة يمزج فيها الواقع بالخيال. واستطاع راضي للعام الثاني أن يبهر المشاهد بمسلسله "السبع وصايا" مقدمًا إياه في ثوب يجمع بين تفاصيل الواقع والخيال، ويلمس بشكل طفيف مع اللون الصوفي الذي قدمه في مجموعة من الأغاني والأحداث لتعطي مذاقًا مختلفًا للعمل، وثقل درامي يطلق معه خيال المشاهد للتفكير في الغير متوقع للشخصيات من ناحية ومخاطبة ضميره من ناحية آخرى. وتظهر جرأة تامر إبراهيم في مسلسل "عد تنازلي"، السيناريست الذي لم يخش أن يقدم عملاً كاملاً عن حياة الإرهابي وسط حالة الغل والكراهية التي انتابت الشعب المصري من هذا الفصيل بعد ما قدموه من عمليات إجرامية وحشية طوال الفترة الماضية، وتستمر حتى الآن، ليقدم حبكة درامية تجبرك على المتابعة والمشاهدة بحرص وشغف نظرًا لما يقدمه على مدار الحلقات من أحداث مشوقة. وليس هذا فقط بل إن التفاصيل التي قدمها تامر لم يسبق وتناولتها الدراما المصرية من قبل بالنسبة لشخصية الإرهابي، حيث نسج مشاهد تجمع بين التحول الذي أصبح عليه البطل "سليم"، وما كان عليه من قبل من رقة ورومانسية. كما استطاع السيناريست حسان دهشان أن يقدم عملاً مميزًا بمسلسله "ابن حلال"، والذي نجح من خلاله من رصد تفاصيل خاصة لطبقات الشعب المصري بفئاتها المختلفة بداية من رجال أصحاب النفوذ مرورًا بالطبقة الوسطي المتمثلة في شخصيات الصحفي، والإعلامي، والضابط وصولاً للطبقة الدنيا المتمثلة في صورة "حبيشة" الشاب الصعيدي الذي يتهم زورًا بقتل ابنة فنانة مشهورة، كل ذلك يقدم فيه صورة الحارة الشعبية بشكل أرقي مما حملته الصورة في الأعمال المقدمة عنها طوال السنوات الماضية.