تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري الثلاثاء عملية اقتراع محسومة سلفًا لصالح الرئيس بشار الأسد، ونددت بها المعارضة السورية ودول غربية داعمة لها والأممالمتحدة التي اعتبرت أن من شأنها إطالة أمد الحرب في البلد المدمى. نظريًا، هي الانتخابات التعددية الأولى في سوريا منذ نصف قرن، تاريخ وصول حزب البعث الى الحكم. وقد تعاقب على رأس السلطة منذ مطلع السبعينات الرئيس حافظ الاسد ومن بعده نجله بشار عبر استفتاءات شعبية كانت نسبة التأييد فيها باستمرار تتجاوز 97%. وتتزامن الانتخابات مع تصعيد عسكري على الأرض، لا سيما في حلب (شمال) حيث تستمر حملة القصف الجوي التي يقوم بها النظام منذ أشهر حاصدة يوميًا مزيدًا من القتلى، بالاضافة إلى معارك عنيفة في ريف دمشق وريف حماة (وسط) وريف إدلب (شمال غرب) ودرعا (جنوب). وتجري الانتخابات بموجب قانون يقفل الباب عملًيا على ترشح أي معارض مقيم في الخارج، اذ ينص على ضرورة أن يكون المرشح مقيمًا في سوريا خلال السنوات العشر الأخيرة. وتفتح مراكز الاقتراع التي يتجاوز عددها التسعة آلاف، الساعة السابعة صباحا (4,00 ت غ) وتقفل الساعة السابعة مساء (16,00 ت غ)، مع احتمال تمديد الوقت خمس ساعات "اذا كان الاقبال كثيفا"، بحسب ما ذكرت اللجنة العليا للانتخابات المشرفة على العملية الانتخابية. ووصل الاثنين الى دمشق وفد روسي يضم برلمانيين واعضاء من اللجنة الانتخابية المركزية لروسيا الاتحادية "لمواكبة الانتخابات الرئاسية"، بحسب ما ذكرت وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا". ويتوقع ان تكون هناك وفود مراقبين من دول صديقة للنظام للغاية نفسها، من كوريا الشمالية وايران والبرازيل. وتواكب الانتخابات التي وصفتها المعارضة والدول الداعمة لها ب"المهزلة" و"المسرحية"، حملة في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ترفض ما سمته "انتخابات الدم" التي تجري على دماء المواطنين وتهدف الى منح شرعية لنظام يستهدف المدنيين، بحسب ناشطين. ودعا رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية احمد الجربا الاثنين في كلمة مصورة القاها عبر قناة "العربية" الفضائية المواطنين السوريين الى "ملازمة منازلهم" و"عدم النزول بأرجلهم الى حمامات الدم والعار التي تريدها عصابة الاسد"، محذرا من "سلسلة تفجيرات وقصف على التجمعات ومراكز ما يسمى الاقتراع"، قال ان النظام يعد لها. وكان الجيش الحر دعا قبل ايام الى مقاطعة الانتخابات. في المقابل، دعت رئاسة الجمهورية السورية المواطنين الى المشاركة في العملية الانتخابية ب"حرية وشفافية ومسؤولية" للتعبير "عن تاييدهم لاي مرشح". ويخوض الانتخابات في مواجهة الاسد كل من عضو مجلس الشعب ماهر الحجار والعضو السابق في المجلس حسان النوري اللذين تجنبا في حملتيهما الانتخابيتين التعرض لشخص الرئيس او ادائه السياسي، مكتفيين بالحديث عن اخطاء في الاداء الاقتصادي والإداري والفساد. ويقول مواطنون سوريون تحدثت اليهم وكالة فرانس برس في داخل سوريا وخارجها، ان الناخبين الذين سيصوتون للاسد يتوزعون بين المتحمسين له والخائفين على حياتهم وارزاقهم ووظائفهم ان لم يصوتوا، لا سيما بعدما تبين ان الحسم على الارض مستبعد بالنسبة الى المعارضة التي تفتقد الى السلاح النوعي والامكانات في مواجهة ترسانة الاسد والدعم المادي والعسكري الثابت الذي يحصل عليه من حلفائه لا سيما من روسيا وايران وعناصر حزب الله اللبناني الذين يقاتلون الى جانبه. في الخارج، وصف وزير الخارجية الاميركي جون كيري الانتخابات الرئاسية السورية بانها "اهانة" و"مهزلة" و"تزوير". وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انها انتخابات "مزعومة" ونتائجها "معلنة مسبقا". بينما قالت بريطانيا انه لن تكون للانتخابات "اي قيمة". في المقابل، اعتبرت الأممالمتحدة أن إجراء الانتخابات سينسف الجهود الرامية للتوصل الى حل سياسي في سوريا. ويرى مدير صحيفة "الوطن" السورية القريبة من السلطات وضاح عبد ربه ان "الانتخابات على العكس ستسهل استئناف مفاوضات السلام" التي شهدت جولتين في جنيف بمشاركة وفدين حكومي ومعارض في يناير وفبراير، بدون تحقيق أي تقدم في اتجاه التوصل الى حل للازمة التي اودت بحياة 162 الف شخص منذ اكثر من ثلاث سنوات. ويقول عبد ربه لوكالة فرانس برس "في جنيف، وضعت المعارضة شرطا مسبقا هو عدم تقدم الرئيس الاسد بترشيحه الى الانتخابات الرئاسية. كان الرئيس الاسد الخط الاحمر، ما عرقل كل شيء. الآن، وبعد ان يتم انتخابه باكثرية ساحقة، لن تمانع السلطات في التفاوض حول النقاط الاخرى: الحكومة الانتقالية، مراجعة الدستور، الانتخابات التشريعية..". لكن الباحث نوا بونسي من مجموعة الأزمات الدولية يرى ان الانتخابات "لن تغير المعطيات" في سوريا، باستثناء اطالة امد النزاع المدمر. ويقول "هذه المسرحية لن تؤثر على المواقف" المعروفة، مضيفا "النظام يستخدم الانتخابات كجزء لا يتجزأ من خطابه حول حتمية انتصاره" الكامل في الحرب.