القيادي الإسلامي المصري ناجح إبراهيم من مؤسسي الجماعة الإسلامية في سبعينيات القرن المنصرم، والذي سجن بعد مقتل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات عام 1981 ليظل مسجونًا حتى عام 2005. بدأ بعد رحلة المراجعات الفكرية بشأن رؤيته للعنف المسلح في التعامل مع الدولة المصرية، مما مهد له الطريق لإطلاقه مع آخرين مبادرة وقف العنف عام 1997. وفي لقاء مع "الشرق الأوسط" يرى ناجح إبراهيم أن الحركة الإسلامية تواجه تراجعات جمة في كثير من المجالات وعلى جميع الأصعدة، بسبب ما ارتكبته من أخطاء، أبرزها التنازع بين السلطة والهداية أيهما الأصل وأيهما الفرع؟ كما يرى أن المصالحة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان تواجه الكثير من العقبات من الجانبين، رافضًا في الوقت ذاته المشاركة في أي منصب سياسي أو تنظيمي متمسكًا بدور الداعية الإسلامي. ويشير إلى أن الحركة الإسلامية في مصر تراجعت كثيرًا في كل المجالات حتى عما كانت عليه في عهد مبارك وفي بداية ثورة 25 يناير التي شهدت الانطلاقة الكبرى للحركة الإسلامية ووصولها لأول مرة إلى سدة الرئاسة في مصر. مع الأخذ في الحسبان أن التراجع في عهد مبارك كان قاصرًا على بعض الجوانب السياسية، إلا أن التراجع الآن بعد عزل د. مرسي فهو على كل الأصعدة والمجالات.. فهناك تراجع دعوي وتربوي وأخلاقي وقيمي وإداري وسياسي.. ومما يزيد الأمر سوءًا أن الشارع المصري الآن أصبح معظمه لا يثق في الإسلاميين أن يقودوا مصر أو يتولوا مناصب سياسية مرة أخرى في المدى القريب على الأقل.. بل أكثر من ذلك، هناك قطاع آخر قد يرفضهم كدعاة نتيجة للعنف والتفجيرات والاغتيالات التي حدثت من بعض فصائل التيار الإسلامي.. وكذلك لحالة التردي الأخلاقي والتفحش مع الخصوم التي ابتدعتها الكتائب الإلكترونية في البداية ثم أصبحت نهجًا عامًا للكثير من الشباب المنضم والمتعصب لما يسمى «تحالف دعم الشرعية». ولذا، على الحركة الإسلامية المصرية أن تجري مراجعات حقيقية لمسيرتها إذا أرادت العودة إلى التواجد في المشهد السياسي والدعوي والأخلاقي في مصر. ويؤكد إبراهيم فى حواره أن هذه التراجعات لم تكن صدفة أو نتاج مؤامرة كما تبرر بعض قيادات هذه الجماعات، وإنما ثمة عشرة أخطاء وقع فيها الإسلاميون وجماعة الإخوان على وجه الخصوص نظرًا لأنها هي التي وصلت إلى سدة الحكم وكان لها الغلبة في البرلمان المصري بمجلسيه (الشعب والشورى)، ويمكن إجمال هذه الأخطاء في ما يلي: أولاً- قيادة الدولة بعقلية الجماعة وعقلية الدعوة، رغم الاختلاف الكبير سواء بين الدولة والجماعة من حيث التكوين والفقه وطرق القيادة والعلاقات الداخلية والخارجية.. أو الدولة والدعوة من حيث الفكر وآليات العمل وطرق التواصل مع الآخرين. ثانيًا- الخلط المعيب بين الشرعية والشريعة.. مع أن الفرق بينهما كبير جدًا.. وتفاقم هذا الخلط مع إطلاق شعار «الشرعية أو الدماء» بعد عزل مرسي.. وهذا الشعار كان سببًا في إهدار كثير من الدماء دون أن تعود الشرعية، فلا أدركنا الشرعية ولا حقنا الدماء. ثالثًا- الخلط المعيب بين الأحزاب والجماعات.. بحيث ذابت المسافات تمامًا بين الجماعة الدعوية والحزب السياسي التابع لها.. بل أصبحت هذه الأحزاب مجرد ذراع سياسية للجماعات السرية في الحقيقة والعلنية في الشكل. رابعًا- الخلط بين الإسلام المعصوم والحركة الإسلامية غير المعصومة.. وبين الإسلام المعصوم.. والإسلامي غير المعصوم.. وبين الإسلام المعصوم والفكر والفقه الإسلامي غير المعصوم. خامسًا- تحالف الحركات الإسلامية السلمية مع تنظيمات لها أفكار تكفيرية ومسلحة وتسير على نهج «القاعدة».. وتقوم بتفجيرات واغتيالات وحرائق. سادسًا- الفشل في كسب الأصدقاء والتفنن في صناعة الأعداء دون مبرر. سابعًا- توجه قطاع كبير من شباب الحركة الإسلامية إلى فكر التكفير. ثامنًا- توجه قطاع كبير من الشباب الإسلامي إلى التفحش مع خصومهم. تاسعا- غياب الخطاب الإسلامي الوسطي ليحل محله خطاب حربي تحريضي أو طائفي أو تكفيري.. فضلاً عن غياب دعاة الوسطية تحت ضربات الصراع السياسي. عاشرًا- تحويل الصراع السياسي إلى صراع ديني وأن مصر فيها فسطاطان.. فسطاط للكفر والعلمانية.. وفسطاط للإيمان.. وهذا يضر الإسلام قبل أن يضر خصومه. وأضاف أن أكبر الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية المصرية في الفترة الماضية، هو تخليها طواعية عن موقع الدعوة والهداية وتحولها إلى حركة سياسية محضة تدور حول السلطة وتدندن حولها وتضحي من أجلها وتبذل الآلاف من شبابها من أجل كراسيها.. ظنًا منها أن السلطة ستخدم الإسلام أكثر من غيرها.. رغم أن الواقع العلمي ينطق بالعكس.. وبذلك تحولت طواعية من مشروع دعوة إلى مشروع سلطة.. ومن مشروع هداية إلى مشروع سياسي.