ضمت ذاكرة التلفزيون المصري وكذلك التلفزيون العربي، الكثير من المسلسلات الدرامية والأفلام التسجيلية، التي تناولت تاريخ وحكاية القطب الصوفي الشهير سيدي عبد الرحيم القنائي، والذي تحتفل محافظة قنا، في هذا الوقت من شهر شعبان الهجري من كل عام، بمولده، حيث عرض التلفزيون المصري عام 1973م المسلسل التاريخي سيدي عبد الرحيم القنائي، فيما تناولت الأفلام التسجيلية مظاهر الاحتفال بأسد الصعيد وخروج محمل الثوب، كما تناول الشاعر عبد الرحمن الأبنودي الكثير من مظاهر الاحتفال بمولد سيدي عبد الرحيم القنائي في لقاءاته التلفزيونية. موضوعات مقترحة حدث في 20 مارس.. الاعتدال الربيعي ويوم السعادة وعودة نابليون ورحيل نيوتن و«شاعر العروبة» | صور «التمر» وصفة نبوية ووجبة أساسية على مائدتي الإفطار والسحور.. ماذا يحدث لجسمك عند تناوله؟ وقد أدي الفنان الراحل أشرف عبد الغفور، بطولة المسلسل التاريخي سيدي عبد الرحيم القنائي، حيث تناول المسلسل رحلة الفتى المغربي الذي تعرض لصدمة وجدانية بعد وفاة والده، ثم رحلته لأخواله فى العاصمة دمشق قبل أن يرتحل لمكةالمكرمة ثم يذهب إلى قنا ليكون أول محافظ لها في التاريخ، حيث ساهم مساهمة كبيرة في الاتقاء بتلك المدينة الصغيرة وجعلها قبلة للعلماء والفقهاء والقضاة. وُلد سيدى عبدالرحيم القنائى، فى قرية ترغاى، بمدينة سبته، التى تقع فى إقليم غمارة فى المغرب الأقصى سنة 521ه 1127 م حيث كان اسمه أسداً، ولكنه غير اسمه فى مصر إلى عبدالرحيم، ولد من أبوين كريمين ينتهى نسبها إلى سيدنا الحسين "رضى الله عنه"، وأمه السيدة الشريفة سكينة بنت أحمد بن حمزة الحرانى، وهو من بنى حمزة الذين كانوا نقباء الشام، وشيوخه كانوا ذوى علم ودين. بدوره يقول الباحث فى التاريخ والتراث أحمد الجارد، مؤلف كتاب "ذريات سيدي عبد الرحيم القنائي" فى تصريح ل"بوابة الأهرام"، أن المرويات التاريخية أكدت أن سيدي عبدالرحيم القنائي، أحد أقطاب التصوف في مصر والعالم الإسلامي، كان طويل القامة، ممتلئا وعريض الجسم، أبيض البشرة، مستدير الوجه، واسع الجبهة، وضاح الجبين، مقوس الحاجبين، واسع العينين مع سوادهما، طويل أهدابها، جميل الخد، مفرط الأنف قصير الشارب، رقيق الفم، مفلج الأسنان، ذا لحية كثيفة يميل لونها إلى اللون الذهبى كشعر رأسه، ضخم الرقبة كثير الشعر واسع المنكبين، طويل الذراعين، واسع الكفين، وكان يلبس عمامة على طربوش أبيض. وقد عُرف بعد تغيير اسمه من أسد بعبدالرحيم بن أحمد بن حجون بن محمد بن حمزة بن جعفر بن إسماعيل بن جعفر بن محمد المأمون بن على بن الحسين الجواد بن على بن محمد الديباج بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الإمام الحسين رضى الله عنه ابن الخليفة الراشد على بن أبى طالب كرم الله وجهه ، أما والده فقد كان عالماً فاضلاً وإماماً ذا مكانة كبيرة عند الناس، وعُرف عنه قدرته الكبيرة فى الوعظ والتأثير على الناس، وكان محبوباً منهم، وكان حجة فى الحديث الشريف وفى فقه الإمام مالك "رضى الله عنه. ويضيف الجارد، أن القطب الصوفي، ارتحل إلى دمشق عام 534ه، حيث التقى هناك بأخواله وأهل والدته، الذين أكرموا وفادته، وسهلوا له مهمة الاتصال بكبار العلماء والفقهاء هناك، وقد أمضى فى دمشق وأنفق فى طلب العلم ثمانى سنوات، نهل فيهما من علوم المشارقة كما تفقه فى علوم المغاربة، كان من أخواله بدمشق السيد محمود مفتى دمشق، وأيضاً خاله (زين العابدين) الذى كان إماماً للشافعية هناك، فكان أن تعلم وتربى ودرس، حتى أنهم ألحوا عليه أن يجلس لتدريس الفقه، إلا أن الحنين إلى العودة إلى مسقط رأسه قد غلب عليه فشد رحاله إلى ترغاى، حيث أهله وعشيرته، وكان قد بلغ فى ذلك الوقت العشرين من عمره. ارتحل السيد عبدالرحيم "رضى الله عنه" إلى مدينة فاس، التى كانت فى ذلك الوقت من أكبر المراكز الإسلامية، وأشهرها وأكثرها صيتاً، وفى مدينة فاس تعرف على الشيخ أبى يعزى بن عبدالرحمن المغربى، كما صحب الشيخ أبا مدين شعيب التلمسانى الذى كان كان من تلامذة أبى يعزى "رضى الله عنه"، ونشأت بينهما علاقة الود والمحبة. كانت العلوم التى تدرس فى فاس فى ذلك الوقت على مذهب الإمام مالك "رضى الله عنه" والذى كان سائداً فى بلاد المغرب العربى والأندلس، كما كان يدرس البلاغة والمنطق وعلم الكلام والتفسير والحديث. وارتحل "رضى الله عنه" من ترغاى عام 542ه، وهو فى الحادية والعشرين من عمره، ميمماً وجهه شطر الحجاز لتأدية فريضة الحج، وفى طريقه مر بمدينة الإسكندرية والقاهرة فتركا فى نفسه أثراً لم تمحه رحلته المقدسة إلى البلاد الحجازية. اتخذ طريق الحاج الذى يمر بمدينة قوص، ثم يخترق الصحراء الشرقية إلى ميناء عيذاب على البحر الأحمر، حتى يركبون السفن إلى ميناء جدة، ولعله تعرف فى أثناء رحلته فى صعيد مصر على الأوضاع بها، مما دفعه بعد ذلك أن يستقر فى هذه البلاد فيما بعد لينشر الدعوة الإسلامية. وتقول المرويات إنه كان قد تعرف إلى أحد العلماء المصريين فى مكة أثناء موسم الحج، وطلب بعد أن يصطحبه إلى مصر، فأخذه إلى مدينة قوص، ثم انتقل إلى مدينة قنا واشتغل هناك بالتجارة جنباً إلى جنب مع طلب العلم ولقن الناس كثيراً من أمور الدين حتى ذاع صيته. ويقول السيوطى: إن عبدالرحيم "رضى الله عنه" لم يكن لديه ما يربطه بمكةوالمدينة، واقتنع بحجة الشيخ المصرى بأن واجبه الإسلامى يدعوه إلى الإقامة فى قوص أو قنا، ليرفع راية الإسلام وليعلم المسلمين أصول دينهم، وليجعل منهم دعاة للحق وجنوداً لدين الله. ويوضح أحمد الجارد ،أن سيدي عبدالرحيم ارتحل إلي مصر فى عهد الخليفة الفائز لدين الله الفاطمى سنة 551ه، ولكن سيدى عبدالرحيم لم يرغب بالبقاء فى قوص، وفضل الانتقال لمدينة قنا، والإقامة بها، ولأن قوص ليست فى حاجة شديدة إليه فقد كانت وقتها مليئة بالعلماء والفقهاء وكبار المفكرين من أهل الدنيا والدين. وبعد أن أمضى الشيخ عبدالرحيم ثلاثة أيام بقوص رحل إلى قنا، حيث التقى بالشيخ عبدالله القرشى أحد أوليائها الصالحين، فانعقدت أوامر الألفة بينهما، وتحابا وتزاملا فى الله، وقد ساعد جو قنا الهادئ الشيخ عبدالرحيم على حياة التأمل، فأمضى عامين كاملين يتعبد، ويدرس ويختلى بنفسه ليتعرف على خباياها، كان يعمل بالتجارة ليجمع بين العبادة والعمل، حيث أخذ يدعو الناس ويعرفهم بتعاليم الدين الإسلامى، ويعمل نهاراً، ويجتمع بمريديه ليلاً. وفي عهد الأيوبيين تولي سيدي عبد الرحيم القنائي أمر ولاية قنا ليكون أول محافظ لها في التاريخ، وقد قام سيدي عبدالرحيم القنائي، بتأليف عدة مؤلفات منها تفسير للقرآن الكريم، ورسالة فى الزواج، وكتاب الأصفياء، وأحزاب وأوراد وكلمات كثيرة في التصوف نشرت فى طبقات الشعرانى وطبقات السبكى وطبقات المناوى القنائى، أما عن زيارة ملوك ورؤساء مصر لمقامه، فقد أورد الكتاب أن أمير صعيد مصر همام سيبك، أوقف بعض الأراضى لسيدى عبدالرحيم القنائى 193 فدانًا، و120 فدانًا بقوص، و30 فدانًا بناحية البلاص (المحروسة قنا) الكائنة على ترعة الشنهورية بها نخيل وسواقى وأشجار وجنينة من ناحية الشرق ترعة الشنهورية، ومن ناحية الغرب طريق زراعى والحد البحرى أرض أبو السرور بعضه وقف لسيدى عبدالرحيم القنائى، وجميع الأطيان والجنينة على مجده ومقامه أولياء الصعيد العارف بالله القطب، شاهده على هذه الحجة الفقير عبدالجواد أحمد الخطيب، وهذه الأراضى لأولاد عم الأمير عيسى محمد همام، والأمير أبو بكر والأمير محمد عمر بكار، وكذلك لأولاد سيدى عبدالرحيم. كما أوقف عباس الأول، والى مصر، آنذاك، خمسين فدانا، للصرف منها على ضريح سيدى عبدالرحيم القنائى. وفى عام 1931، عملت الحكومة المصرية له كسوة من أسلاك الذهب، وفى عام 1948، بنى له الملك السابق فاروق الأول الضريح الحالى والمبني على الطراز الأندلسي، ويضيف الجارد أن مولد سيدي عبد الرحيم القنائي ومظاهر الاحتفال به لم تكن مذكورة في الكتب العربية فقط بل حتى في الكتب الأجنبية، حيث أوردت لوسي داف جوردن في خطاباتها مظاهر الاحتفال وخروج محمل الثوب ولقائها ببعض الشخصيات في محافظة قنا. وفى عام 1967 أهدى إليه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كسوة مطلية من الذهب، وقام بترميمه بعد كارثة السيول التي ضربت المدينة خمسينات القرن الماضي.