المفارقة وحدها هي التي جعلت منزل الحاج عراقي نصار، بمنطقة محرم بك وسط الإسكندرية، صورة مصغرة من مصر التي تستوعب في أحضانها جميع أبنائها، بمختلف أطيافهم وأفكارهم. السيدة نجاة إسماعيل-أرملة المرحوم عراقي نصار- أم مصرية استطاعت بعد وفاة زوجها منذ 24 عاما أن تربي أبناءها الخمسة وحدها على الرغم من الصعوبات التي واجهتها حيث تركهم والدهم وكان أكبرهم لا يزال في الجامعة والأصغر في الصف الخامس الابتدائي لتصل بهم إلى بر الأمان حيث يشغلون الآن مراكز مرموقة فمن بينهم ضابطين بالجيش المصري أحدهما عقيد والآخر نقيب طيار أستشهد خلال مناورات عسكرية للجيش المصري وأيضا من بينهم معتقل سياسي كان ضيفا مستديما على سجون الرئيس الأسبق مبارك بوصفه أحد كبار معارضيه من الشباب والذي أصبح بعد ذلك من ابرز شباب الثورة. وما بين لحظات الألم التي عاشتها هذه الأم واستقبالها لخبر استشهاد نجلها الطيار بالجيش المصري وأيضاً لحظات المعاناة التي مرت بها وقت اعتقال نجلها سياسياً في سجون مبارك والرحلة الطويلة التي عاشتها حتى وصلت بأبنائها إلى بر الأمان ,وفي نهاية هذه الرحلة لم يكن لهذه الأم سوى مطلب واحد بسيط طلبت منا توصيله للمشير عبد الفتاح السيسي وهو أن يتم إطلاق أسم نجلها الشهيد على شارع محسن باشا مسقط رأس الأسرة بمنطقة محرم بك. "بوابة الأهرام" التقت بالسيدة نجاة، التي كانت تعمل مدرسة بالتربية والتعليم وتدرجت في مهنتها إلى أن وصلت إلى درجة مدير عام...في البداية تحدثت عن أبنائها قائلة :" توفى زوجي منذ 24 عاماً تاركاً لي خمسة من الأبناء ومنذ هذا الحين عاهدت نفسي أن أصل بهم إلى بر الأمان مهما كلفني ذلك من تضحيات حيث كافحت كثيراً لتحقيق هذا الهدف إلى أن تمكنت بفضل الله من تحقيقه فكان ابني الأكبر محمد مهندس والثاني أسامه مهندس أيضاً والثالث حسام عقيد بالجيش والرابع أحمد محامي والخامس الشهيد عمرو نقيب بسلاح الطيران. وأشارت إلي أنه على الرغم من أنه كان هناك اختلافات في التوجه السياسي بين أبنائها حيث كان أحمد له نشاط معارض للرئيس الأسبق مبارك ,بينما كل من حسام وعمرو ضباط بالجيش ومحمد واسامه ليس لهم أي توجه سياسي كمثل الكثيرين من أبناء الشعب المصري وقتها إلا أنها استطاعت أن تجمعهم سوياً في ترابط شديد حيث كانوا يلتقون أسبوعياً في منزل الأسرة. وتحكي الأم عن لحظات استشهاد نجلها الأصغر والذي كان يعمل نقيب بالجيش بسلاح الطيران قائلة" كانت أصعب لحظات مرت علي في بحياتي مشيرة إلى أنه عصر يوم استشهاده تحدث إليها تليفونياً كما كان معتاد دائماً وتواصل:" ولكن هذه المرة كان الأمر مختلف فقد أحسست بقبضة في قلبي وسألته أنت فين يا عمرو فرد:"احنا طالعين أسوان فيه تدريب وحنخلصه ونرجع, وواصلت قلت له :طيب إضحك يا عمرو علشان أطمن عليك فضحك وقال لي متخافيش يا أمي معلش حسيبك دلوقتي علشان إلحق الطيارة. وأضافت الأم:"كنت حاسة أن فيه حاجة وفضلت أرن علي تليفونه مساء هذا اليوم ولكنه كان دائماً غير متاح, كنت حاسة أن عمرو حصله حاجة بس مكنتش عايز أقول كده ولما الساعة وصلت 2 بالليل كلمت زوجته في القاهرة وسألتها: عمرو رجع قالتلي لأ لسه ما جاش بس زمايله قالوا لي أن الطيارة التي كان يستقلها حدث بها عطل. وأشارت الأم إلى أنها لم تنم هذه الليلة ليأتي الصباح لتتلقى اتصالا من زملاء نجلها يخبرونها خلاله باستشهاده عقب سقوط طائرته بجوار أحد المطارات العسكرية بمدينة أسوان قائلة :"على الرغم من أن الفراق صعب بس انا في النهاية قدمت ابني شهيد لمصر. وتقول الأم أنها حريصة على تربية حفيديها من ابنها الشهيد -وهما طفلين لم يمهلهما القدر أن يريا والدهما حيث أستشهد والدهما وكان عمر الحفيد الأكبر 6 أشهر بينما كانت أرملة نجلها حاملاً في الحفيد الأصغر وقت أستشهاد والده -على ذات المبادئ التي نشأ عليها وهي الإخلاص للوطن وحب الجميع مضيفة أنها تحكي لهما عن بطولات أبيهما وكيف فدى الوطن بروحه وحياته. كما تحدثت الأم عن لحظات المعاناة التي عاشتها أيضا وقت اعتقال نجلها أحمد سياسيا وقت أحداث 6 إبريل عام 2008 مؤكدة أنها أيضاً من أصعب لحظات القلق التي مرت عليها كما أنها كانت تذهب إليه في محبسه في مدينة برج العرب التي تبعد عن مدينة الإسكندرية ب50 كيلومتر بشكل شبه يومي تحمل له الطعام ثم تذهب إلى المحامين للتحدث معهم ثم تلتقي بالصحفيين لتصعيد الأمر إعلامياً للضغط لإخلاء سبيل نجلها. وتعددت بعد ذلك مرات القبض على نجلها أحمد بسبب نشاطه السياسي المعارض حتى بلغت مرات حلوله نزيلاً بسجون النظام الأسبق أربعة مرات حتى قيام ثورة ال25 من يناير والتي كان في طليعة الشباب الذين شاركوا فيها. وفي نهاية لقائنا معها أكدت السيدة نجاة على مطلبها التي قالت إنها تسعى منذ فترة من أجل تحقيقه والذي يتلخص في تكريم إسم ابنها الشهيد طيار عمرو عراقي نصار بإطلاق اسمه على الشارع الذي ولد وعاش فيه وهو شارع محسن باشا بمنطقة محرم بك حيث طلبت توصيل ندائها إلى المشير السيسي عبر بوابة الأهرام لعله يستجيب لهذا المطلب البسيط لواحد من أبناء القوات المسلحة الذين بذلوا حياتهم فداء للوطن.