"البارود"، ليس اسما لذخيرة حربية تستخدم في المعارك فقط، لكنه أيضا اسم إحدى القرى القابعة في أحضان النيل بصعيد مصر، وفي سنة 1799 أصبحت "البارود" اسما على مسمى، وأوقفت تقدم قوات الاحتلال الفرنسي في جنوب مصر. "البارود" إحدى قرى مصر البسيطة بمحافظة قنا، اشتعلت في صدور أبنائها نيران الغضب والمقاومة الشعبية، وانتصرت فيها الإرادة وال"شوم" على مدافع العدو، ورغم أن الموت أخذ منهم الكثير لكنه لم يزدهم إلا إصرارا على مقاومة تليق بمصري أصيل. في الثالث من مارس من كل عام تحتفل محافظة قنا بالعيد القومي لها، وهو اليوم الذي وقعت فيه معركة حربية على ضفاف نهر النيل، بين جنود الحملة الفرنسية وأهالي نجع "البارود"، مركز قفط في 3 مارس عام 1799. لم يكن يعلم الفرنسيون أن طريقهم لنجع البارود كان بمثابة الطريق إلى جهنم، حيث ذهبوا هناك للقضاء على المماليك، لكنهم ظنوا انهم لن يلاقوا أي مقاومة من قبل المصريين بسبب كره المصريين الشديد للمماليك، وقد ساعد انتصار "نابليون بونابارت" على المماليك في "معركة الأهرام" على التخطيط للاستيلاء على مناطق بالصعيد. هاجم أسطول مكون من 12 سفينة حربية تابعة للحملة الفرنسية هذه القرية البسيطة، وعلى رأسها سفينة القيادة "إيتاليا" الخاصة بنابليون التي كان يقودها الأميرال "موراندي"، وبمجرد نزول الأسطول إلى النيل شق على المصريين أن تتلوث مياهه الطاهرة بسفن العدو التي كانت تقل مؤنهم وذخائرهم. معارك كثيرة حول فيها الرجال المصريون الهزيمة إلى انتصار بعزمهم وإرادتهم التي لم تستطع مدافع العدو قهرها، وفي محافظة قنا وسط الصحراء والأودية، رسم المصريون على ضفاف النيل وصفحة مياهه مشهدا عظيما امتلأ بأبطال حقيقيين، سطروا تاريخ أحفاد الفراعنة العظام، الذين كانت لهم أدوار خالدة في معارك الصمود والتحدي. تصدى أهالي نجع البارود للأسطول وهاجموا السفن وأفرغوا محتوياتها، بعدها تصدوا للسفينة "إيتاليا"، لكن موراندي أطلقت النار عليهم كالمطر، لكن إصرار أبناء قرية "البارود" كان أقوى من كل الطلقات، فأسرعوا إلى السفن من كل إتجاه، ولم يتمكن موراندي من الهروب فأشعل النار في مستودع البارود وانفجرت السفينة، واستشهد عدد من أهالي القرية. ظل باقي أبناء النجع يقاتلون ببسالة حتى قتل "موراندي" وجميع الفرنسيين الذين كانوا معه على الأسطول الحربي، وحولوا أطماع العدو إلى ذكريات مؤلمة كتبها أبناء الصعيد بدمائهم الغالية.