يسجل كتاب عن السيناريست البارز محفوظ عبد الرحمن كيف كانت الدراما التليفزيونية في الستينيات غير معترف بها "بين الآداب" قبل إدراك تأثيرها بفضل جهود رواد منهم عبد الرحمن نفسه والذي دخل هذا المجال مصادفة من خلال "مزحة". ويقول إنه كتب عام 1965 أول تمثيلية تليفزيونية وكانت سهرة عنوانها (ليس غدًا) واكتشف أن متابعي الوسيط الجديد أكبر عددًا بما لا يقارن بقراء الرواية والقصة القصيرة وجمهور المسرح ورغم ذلك ظن أنها تجربة عارضة دخلها "عن طريق المزاح الذي انقلب إلى حقيقة" أصبح معها أحد رموز ما يطلق عليه بعض النقاد أدب الشاشة الصغيرة. ويضيف في كتاب عنوانه (محفوظ عبد الرحمن.. مقاطع من سيرة ذاتية) أن "بعض الذين تحمسوا لأدب التليفزيون تراجعوا عن حماسهم.. ومن المدهش أن بعض الذين رفضوا الاعتراف بالتمثيلية أدبًا بين الآداب عادوا وقد أدركوا خطورة هذا الوافد الجديد". والكتاب الذي أعدته سميرة أبو طالب يقع في 148 صفحة متوسطة القطع وأصدرته دار (الحلم للنشر والتوزيع) في القاهرة. وتقول المؤلفة في المقدمة إن عبد الرحمن عاش ثورتين.. يوليو 1952 التي أنهت الحكم الملكي في مصر و25 يناير 2011 التي أنهت حكم الرئيس السابق حسني مبارك وكتب أعمالاً درامية عن ثورتين.. الثورة العرابية التي قادها الزعيم أحمد عرابي عام 1881 ضد الخديو توفيق وثورة 1919 التي طالبت بالاستقلال عن الاحتلال البريطاني. وعبد الرحمن الذي تخرج في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1960 برع في الأعمال التاريخية حتى إن أغلب المسلسلات التليفزيونية التي كتبها ذات طابع تاريخي ومنها (سليمان الحلبي) و(عنترة) و(ليلة سقوط غرناطة) و(بوابة الحلواني) و(أم كلثوم) و(مصرع المتنبي) إضافة إلى مسرحيات منها (حفلة على الخازوق) و(عريس لبنت السلطان) و(السلطان يلهو) و(الفخ) و(الحامي والحرامي) و(بلقيس) التي عرضت في القاهرة عام 2011. وكتب عبد الرحمن مسرحيات عرضت في ليبيا والكويت وقطر ومصر. كما كتب سيناريو وحوار ثلاثة أفلام سينمائية هي (ناصر 56) و(حليم) وأنتجت له السينما العراقية عام 1981 فيلم (القادسية) من إخراج المصري الراحل صلاح أبو سيف وبطولة المصريين سعاد حسني وعزت العلايلي وليلى طاهر والعراقيين شذى سالم وطعمة التميمي وحسن الجندي والسورية هالة شوكت. ونال عبد الرحمن العام الماضي جائزة النيل في الفنون وهي أرفع الجوائز المصرية. ويقول إنه اختار تأميم قناة السويس فقط موضوعًا لفيلم (ناصر 56) باعتبارها "لحظة عبقرية" تغني عن تقديم حياة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من الطفولة إلى الوفاة وهي مسيرة يرى أن فيها مواقف كثيرة "تستحق أن تعالج فنيًا" بداية من قيام الثورة فجر 23 يوليو حتى حرب 1967 مرورًا بإعلان الوحدة مع سوريا 1958 والانفصال بعد ثلاث سنوات. ويرى أن فيلم (القادسية) هو "الأعلى كلفة في تاريخ السينما العربية من حيث الإنتاج الضخم" ولكنه تعرض لهجوم ولم يعرض في مصر إلا لثلاثة أيام فقط إذ "تم رفعه (من قاعة العرض).. بقرار من الأزهر... وكان مسوغ القرار أن الفنان عزت العلايلي قام بدور سعد بن أبي وقاص وهو أحد المبشرين بالجنة... (في أحد المشاهد) يحاول احتضان سلمى (زوجته) ويتحسس وجهها وليس كل ما يدور بين الرجل وزوجته صالحًا للعرض... كما أن حديث بعض النساء في معسكر المسلمين يوحي بأنهن خرجن للبحث عن فارس الأحلام لا الجهاد". ويقول إن الرقابة في مصر أمام رأي الأزهر "لم تمتلك حق التعليق على حيثيات الرفض" وهو ما يراه موقفًا متشددًا تجاه فيلم سينمائي تاريخي ينتمي إلى الفن وليس إلى السياسة أو الدين. ويقول عبد الرحمن إنه حافظ دائمًا على استقلاله عن أي سلطة وإنه لم يمتدح أحدًا في السلطة في أي عصر. ويرى أن استقلال الكاتب يقترن في كثير من الأحوال بضريبة يدفعها مستشهدًا بمنع أعماله في مصر بين عامي 1971 و1982 "لأنني لست على هوى النظام".