ترك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، الذي توفي السبت عن 85 عامًا، إرثًا سياسيًا متباينًا إلى درجة تمنع تبنيه بأكمله من قبل أي كتلة، يمينية أو يسارية. فاليسار ينتقده لتشجيعه الاستيطان وشنه عملية اجتياح لبنان الكارثية في 1982، واليمين يلومه على الانسحاب من غزة في 2005 وإجلاء أكثر من ثمانية آلاف مستوطن بالقوة من القطاع الفلسطيني. ولم يصفح المستوطنون في اليمين المتطرف أو في اليمين الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو زعيم حزب الليكود الذي كان حزب شارون، عما يعتبرونه "خيانة" ارتكبها شارون بحقهم. وأكد وزير الاقتصاد وزعيم الحزب المؤيد للاستيطان نفتالي بينيت مؤخرًا "لقد كان لديه ميزات لأمن اسرائيل كعسكري لكننا لا ننسى ما فعله في غزة". وكان اليسار عبر عن ارتياحه للانسحاب من غزة، لكنه انتقد الطابع الأحادي الجانب في هذه العملية. وهو يرى أنه برفض شارون التفاوض مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أضعفه وسهل تقدم حماس. انتخابيًا، لم تستمر طويلاً الآمال التي أثارها حزب كاديما الذي أنشأه ارييل شارون في نوفمبر 2005 بعدما غادر الليكود المعارض للانسحاب من غزة. فبعيد إصابته بجلطة دماغية أغرقته في غيبوبة لم يخرج منها في الرابع من يناير 2006، قاد خلفه ايهود أولمرت كاديما إلى فوز ساحق، على الليكود. لكن بعد فوز نتانياهو في 2009 ونجاحه في تشكيل حكومة ائتلافية، ضعف الحزب الوسطي في المعارضة وشهد انشقاقات. وبقيادة وزير الدفاع الأسبق شاوول موفاز لم يحصل كاديما سوى على اثنين من مقاعد الكنيست ال120 في يناير 2013، مقابل ستة مقاعد لمنافسته تسيبي ليفني التي تقود تشكيلاً وسطيًا جديدًا آخر. لكن لا موفاز ولا ليفني يتبنيان نهج شارون. فليفني التي دخلت حكومة نتانياهو لتولي حقيبة العدل وكلفت المفاوضات مع الفلسطينيين، تعد من "الحمائم" في الائتلاف الحكومي. أما موفاز الذي بقي في المعارضة فلا يأتي على ذكر الانسحاب من غزة. ومنذ تدهور الوضع الصحي لشارون يقارن كثير من المعلقين بين أسلوبه وأسلوب نتانياهو. فشارون يقدم على أنه "رجل دولة" قد يكون أخطأ لكنه كان يتقن المجازفة. وبالعكس يبدو نتانياهو عاجزًا عن مقاومة الضغوط المتناقضة للجناح اليميني في حزبه والولايات المتحدة. ويرى حنان كريستال المعلق السياسي في الإذاعة الإسرائيلية العامة أن كل المسألة تتلخص في معرفة ما إذا كان نتانياهو يملك "الجرأة لاتباع خط ارييل شارون عبر القبول بتعريض أغلبيته وحزبه للخطر لدفع المفاوضات مع الفلسطينيين قدما". من جهته، ينتقد الصحفي في صحيفة "هآرتس" آري شافيت "اليمين الصهيوني الذي لم يفهم درس أرييل شارون أنه لتجنب الأضطرار لتقديم تنازل كبير، يجب تقديم تنازل صغير". وأشارت كاتبة افتتاحية صحيفة أخرى إلى صورة شارون لدى الرأي العام، مذكرة بفيلم "فالس مع بشير" حول مجازر صبرا وشاتيلا، الذي يبدو فيه "وزير الدفاع (أرييل شارون في 1982) وهو يتناول العشاء الدسم في مزرعته بينما الحرب مستعرة في الشمال". وقالت إن "شارون دخل في غيبوبة بعد فترة قصيرة من الانسحاب من غزة في 2005 لذلك لم نعرف ما إذا كان هذا القرار مقدمة لمبادرات سلام أكبر أو نهاية محسوبة".