فيما يشبه الرد على الاعتداء الذي تعرض له بفرنسا، ألقي الأديب علاء الأسواني، في أول لقاءاته العلنية بالقاهرة مساء أمس بمكتبة الشروق بعد عودته، محاضرة في أهمية الأدب والفنون، شن خلالها هجوماً مبطناً ولاذعاً على أولئك "الذين لايقدرون الأدب والفن، ويكرهون المخيلة، أولئك المتطرفون الذين طعنوا نجيب محفوظ ولم يقرأوا له وكانوا يتمنون لو كان استورجي أو نجار، وأولئك الذين يعانون انحباساً حسياً ولا يفهمون من العالم سوى ما تدركه حواسهم الأولى أولئك الذين يبيحون نكاح الطفلة مادامت تطيق النكاح". واستهل الأسواني الذي تحدث بنبرة هادئة ندوته بمكتبة الشروق في الزمالك، والتي استأنف بها الترويج لروايته الأخيرة "نادي السيارات" التي صدرت في أبريل، بالتأكيد علي أهمية الفن وقال إن الأدب ليس منفصلاً عن الظرف السياسي الراهن، إذ الفنون بأشكالها هي مفتاح فهم العالم، وبمثابة إعادة تركيب لحياتنا اليومية بشكل أكثر عمقاً وجمالاً ودلالة، فما نعيشه في حياتنا اليومية ليس بالضرورة عميقاً ولا جميلاً أو دالاً، بل إن كثير من أحداث حياتنا اليومية يمتلئ بما أسماه الأسواين بالهراء. وتكون مهمة الأدب والفنون، بحسب الأسواني، إعادة تركيب الحياة بشكل يزيل هذا الهراء وكل ما ليس له معني، واملعادلة هنا هي أن الشخصية الأدبية تساوي الواقع مضافاً إليه الخيال، إذ يستمد الأديب تجربته الإنسانية من الواقع ثم يعمل عقله ليصل إلي النموذج العميق المحمل بالدلالات للتعبير عن هذا الواقع. ووجه الأسواني نقداً شديداً لثقافة قطاع من المصريين "إذ أنهم يتكلمون بأكثر مما يعنون بحيث يكون هناك ترهل ما بين الكلام والمعاني، وهناك كلمات كثيرة في اللغة اليومية بلا معني تقريبا وغير قابلة للترجمة". وقال الأسواني إنه يسعى جاهداً لئلا يكتب شيئاً أو جملاً لا لزوم لها يمكن حذفها دون تأثير في النص، إذ يكتب ليكون عمله كما كان الأديب الكبير يحيي حقي يقول ليكون عمله كالمسبحة إذ فرط منها حبة اختلت. وقال إن قطاعاً من المصريين لديهم نوع من "الغباوة" بمعني عدم الربط بين الأسباب والنتائج. ووجه الأسواني نقداً لاذعاَ لأولئك الذين لا يقدرون الخيال، وقال إن التطرف في العالم كلع مرتبط بالهوس الجنسي، مؤكداً أن الفن والخيال هو مفتاح فهم ما يحدث من حولنا. وقال إن من لا يقدرون الأدب والنفون لم يقرأوا ولم يتعدوا بعد مرحلة المتع التي تمس حواسهم بشكل مباشرة كأن يمارسوا الجنس أو يأكلون حين يجوعون أو يبردون أجسامهم حين يشعرون بالحرارة الشديد لكنهم أبداً لا يستمتعون بالموسيقي أو الأدب، لأنهم مصابون ب"الانحباس الحسي"، أي مسجونون في إطار الحواس وخارج هذه الحواس الأولية لا يمكن توصيل أي معاني إليهم. وقال الأسواني الذي لم يأت على ذكر الإخوان أو التيار الإسلامي مطلقاً خلال ندوته إن هؤلاء الذين لا يقدرون الخيال كانوا ليشعرون بالقرب من نجيب محفوظ لو كان نجاراً أو "صاحب محل "كاوتش نذهب إليه حين يصاب إطار سيارة بالعطب". وأكد الأسواني صاحب عمارة يعقوبيان أن مقياس تحضر الأمم ليس أبداً بارتفاع مستوى الدخل أو بالقوة العسكرية ولكن باحترام الإنسان والفنون. وقال الأسواني إن من هاجموه في فرنسا هي مجموعة عاطلة عن أي تذوق للفنون، دخلوا ندوته وسط طوابير من الفرنسيين الذين أرادوا حضور ندوة للاستماع لكاتب، وقال إن المقارنة بين وضع الثقافة في مصر وفرنسا تظهرنا على الجهد الكبير الذي لا يزال علينا إنجازه هنا. وذكر أن أحد الذين حضروا الندوة التي كانت مخصصة لتوقيع رواية "نادي السيارات" ومناقشتها كان يظن أن الندوة مقامة لبيع سيارات، وقال إن هذا بيزنس ونحن نرفضه. وأنهي الأسواني حديثه بمنح جمهوره لمحات سريعة عن قصة كتابة الرواية التي استغرقت أربعة سنوات، وتدور حول اختراع أول سيارة ودخول السيارات لمصر، وكيف أحب المصريون السيارات وقال إن حب المصريين للسيارات لم يكن أمراً عادياً، فلم تحب كل الشعوب السيارات في البداية، وتحدث عن قصة تأسيس نادي السيارات بمصر.