نجح الروائي المصري علاء الأسواني في صنع حالة مصرية من «الطرب العام» بفن الرواية بقدر مايسهم في زيادة معدلات القراءة بمصر والعالم العربي بل والعالم ككل ويستدعي بروايته الجديدة «نادي السيارات» مقارنات مع حالات تتصدر المشهد الابداعي في دول أخرى ولها أيضا حضورها العالمي مثل الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، ولعل أهم ما نجح فيه علاء الأسواني أنه تمكن من جذب اهتمام رجل الشارع للرواية لينهي بذلك القطيعة المشؤومة بين الإبداع والجماهير ويسقط بإبداعه الأصيل والمنحاز للشعب مقولات رددها البعض إما عن عجز وإما عن يأس تصب في خانة عزلة المبدع أو عدم اهتمامه بالقراء. وقد تكون حالة طبيب الأسنان علاء الأسواني الذي ولد عام 1957 مشابهة في الابداع لحالة هرم الرواية المصرية الأديب النوبلي نجيب محفوظ من حيث القدرة على مد جسور الكلمة مع رجل الشارع لكنه مختلف بالتأكيد من ناحية انخراطه المباشر في الأنشطة السياسية، فيما بات اصدار رواية جديدة له بمثابة حدث عام يتجاوز مايعرف بالدوائر الثقافية إلى رحابة الوطن واهتمام الجماهير. ومن هنا كان المشهد في المسرح المكشوف بدار الأوبرا عندما امتلأعن آخره منذ أكثر من اسبوع بعشاق الكلمة في احتفالية شعبية وثقافية باصدار الرواية الجديدة لعلاء الأسواني فيما كان للجمهور الحاشد والذي كان الأكبر في تاريخ حفلات توقيع الروايات بمصر أن يتمتع بتقليد جديد ومبتكر بقراءة الفنانين عزت العلايلي ويسرا لمقتطفات من نادي السيارات، ولم يتدخل علاء الأسواني في اختيارات عزت العلايلي ويسرا للمقتطفات التي قرئت للجمهور وإنما المهم بالنسبة له، عدم إحراق الرواية حتى يستمتع بها قرائه ومثله يبدو الكاتب الياباني هاروكي موراكامي حريصا على عدم حرق رواياته. ووصف الكاتب واستاذ الاقتصاد المعني بالقضايا الثقافية الدكتور جلال أمين الرواية الجديدة لعلاء الأسواني بأنها «تحفة روائية ثالثة» بعد روايتيه الرائعتين:عمارة يعقوبيان وشيكاغو، معتبرا أن هناك الكثير من أسباب الابتهاج «بنادي السيارات»، وحالةعلاء الأسواني تثير تأملات وتستدعي مقارنات مع حالات إبداعية عالمية مثل حالة الياباني هاروكي موراكامي الذي تتصدر أعماله قوائم الروايات الأعلى مبيعا في اليابان وعلى مستوى العالم كما يتردد أسمه ضمن المرشحين لجائزة نوبل للآداب مثلما لن يكون من الغريب أن يصل قطار نوبل لمحطة الأسواني، وفي توقيت كاد يتزامن مع ظهور رواية نادي السيارات لعلاء الأسواني، اصطف مئات القراء اليابانيين منذ وقت مبكر بل إن بعضهم جاء من الليلة الماضية ليضمن كل منهم الحصول على نسخة من القصة الأخيرة لهاروكي موراكامي رغم عنوانها المبهم الشاحب: «تزوكورو تازاكي الباهت وسنوات حجيجه». لكن القاريء يعرف أن كاتبه لن يخذله وهذه هي اللغة السرية والواضحة في آن واحد والتي تجمع بين المبدع وقارئه أو شريكه، فيما يعبر علاء الأسواني بحق عن تلك العلاقة بقوله إن القراء هم جائزته الحقيقية والكبيرة، وبسرعة أضاف الناشر الياباني مائة ألف نسخة لنصف مليون نسخة كانت تشكل الطبعة الأولى من القصة الجديدة لهاروكي موراكامي، فيما تتصدر الآن المركز الأول لقوائم مبيعات القصص بموقع آمازون الالكتروني على شبكة الانترنت، وهي قصة عن رجل في السادسة والثلاثين من عمره يسعى للتغلب على حالة الفقد والعزلة والوحشة وأيام التسونامي والزلازل وكوارث المحطات النووية وتجاوزها. وفيما تقول صحيفة «ذي جارديان» البريطانية إن جماهير القراء المعجبين بموراكامي اصطفوا أمام المكتبات منذ الليلة السابقة على طرح القصة للبيع، فإن هذه القصة الساكن في الساحة الثقافية اليابانية بمناقشات وبرامج وطروحات في الصحف ومحطات الاذاعة وقنوات التلفزيون في اليابان وعلى نحو يعيد للأذهان مايحدث في مصر منذ اصدار الرواية الجديدة لعلاء الأسواني، أما توقيت اصدار رواية نادي السيارات في سياق مصري متوتر وقد ينطوي بانقساماته السياسية على مايثير الاحباط العام فيؤشر بوضوح لقدرة المبدع المصري على تجاوز المحن وانتاج البهجة حتي في أشد الظروف قسوة. ورواية نادي السيارات التي تعد الأكبر حجما بين روايات علاء الأسواني حيث تجاوز عدد صفحاتها ال 600 صفحة مشوقة بحق وجاذبة للقاريء منذ سطورها الأولى بالحكي الكاشف لأسرار حقبة الأربعينيات من القرن العشرين وعبر مكان يرمز لهذا العصر بتناقضاته وهو نادي السيارات الملكي، وواقع الحال أن المشهد الابداعي العالمي حافل بجديد الأعمال التي تعود لفترات تاريخية بعيدة وها هي القصة الجديدة للكاتبة البريطانية روزي جارلاند «قصر الغرائب» تنسج خيوطها من العصر الفيكتوري، فيما شهدت أدنبرة الشهيرة بمعارض الكتب مؤخرا أول مهرجان للرواية التاريخية والتي تتنوع بدورها مابين روايات رومانسية وبوليسية وسياسية وغيرها من الأنواع التي تتسع باتساع قريحة المبدع وفيضها. ولعل من الطريف أن يتزامن اصدار الرواية الجديدة لعلاء الأسواني التي يحتل فيها الخدم حيزا كبيرا مع ظهور كتاب جديد في بريطانيا عن الخدم بمنظور ثقافي وبعنوان دال للمؤلفة لوسي ليثبريدج هو: الخدم: «رؤية من تحت السلم للقرن العشرين». لكن الرواية الجديدة للأسواني تتناول مصر من تحت السلم ومن أعلى السلم، فنادي السيارات الكائن في شارع قصر النيل بقلب القاهرة يعبر ببلاغة عن تناقضات مرحلة كانت بحاجة لمبدع في قامة علاء الأسواني ليتناولها ويطرحها بوضوح للقاريء بمزيج إبداعي يجمع مابين المعلومات الموثقة والخيال المطلق السراح. وإذا كان علاء الأسواني قد عاد بفنه الجميل لأربعينيات القرن العشرين، فإن الرواية بشخصياتها التي لن تنسى مثل رئيس الخد «الكووو» «عائشة» و«علي حمامة» و«حميد» و«مستر رايت»، تركز على محور أساسي حاضر في هموم اللحظة الراهنة وهو الصراع الصريح أو الخفي بين قلة متجبرة ومستأثرة بخيرات البلاد وكثرة مقهورة وتعاني في البحث عن لقمة العيش للأبناء، هكذا وبغض النظر عن الفترة التاريخية وهي ملك للمبدع تماما مثل المكان والشخصيات يبقى المصريون هم في عقل علاء الأسواني وقلبه، فيما يذهب الدكتور جلال أمين إلى أن رواية نادي السيارات، أكدت شعوره بأن الأسواني ليس فقط حكاء ماهر ولكنه مفكر وينتمي قطعا للنوع الحقيقي لا المزيف من المفكرين. ومن المثير للتأمل أن أحد أسباب الاقبال الكبير على روايات موراكامي في اليابان فضلا عن حضورها العالمي يتمثل في أن هذا الكاتب ينتمي بدوره لطرازالمفكر المهموم بقضايا شعبه مثلما يشكل المصري الهم الأصيل لابداعات علاء الأسواني، وقصة تازاكي الباهت التي صدرت في 370 صفحة هي الأولى التي يكتبها موراكامي منذ نحو أربع سنوات فيما كانت قصته السابقة 1كيو 84 قد باعت في غضون شهر واحد من عام 2009 مليون نسخة ليقدر حجم مبيعاتها بعد ذلك بملايين النسخ وهو إيقاع زمني يبدو أسرع قليلا من الايقاع الذي يعمل به علاء الأسواني في رواياته حيث صدرت نادي السيارات بعد نحو ستة أعوام من روايته شيكاغو، فيما صدرت عمارة يعقوبيان عام 2002 وحققتا مبيعات هائلة بعشرات الطبعات وحصدتا عدة جوائز عالمية. ويقول علاء الأسواني:«لايجب أن نقيس الأدب بمعيار الغزارة، معتبرا أن أربع أو خمس سنوات ليست بالكثيرة في كتابة رواية وأن ذلك يتوافق مع معايير الأدب العالمي، وإذا كان موعد اصدار تزوكورو تازاكي الباهت بالانجليزية لم يعلن بعد فإن نادي السيارات كما أوضح ابراهيم المعلم رئيس مجلس ادارة مؤسسة دار الشروق التي نشرت الرواية بالعربية ستترجم إلى 34 لغة». شيء مبهج أن تتأمل العين ماحدث في القاهرة وماجرى في طوكيو وأن تعقد مقارنات تؤكد على أن الابداع الأصيل قادر على جذب الجماهير وتحريك الساكن بقدر مايتعاطف مع الانسان بفهم عميق لجوانب النفس الانسانية المعقدة وأن المبدع الحقيقي لايمكن أن ينفصل عن هموم البشر فيما يصل الأمر للانخراط مباشرة في ساحة النشاط السياسي كما في حالة علاء الأسواني، وإذا كانت اعمال الياباني هاروكي موراكامي تشكل مادة خصبة لمايعرف بعلم الاجتماع الثقافي والأدبي والدراسات الخاصة بالمجتمع الياباني، فإن المصري علاء الأسواني ربما يتفوق على موراكامي في هذا المضمار وبمزيد من الجرأة والشجاعة. فروايات علاء الأسواني بشخصياتها التي تمتد من أدني الشرائح في أفقر الطبقات على السلم الاجتماعي لأعلى الشرائح بالطبقة الأكثر قوة وسطوة تقدم الكثير لكل معني بالدراسات الاجتماعية والنفسية والانثربولوجية والتاريخية والثقافية على وجه العموم فيما يتعلق بمصر والمصريين على مستويات متعددة من بينها الملامح النفسية والعادات والتقاليد والميول والاستجابات للتحديات وردود الأفعال عند الأزمات، هذا هو فضل المبدع وقدره مثلما يتجلى في روايات علاء الأسواني التي باتت في الواقع تصنع حالة مصرية وعالمية من الطرب العام بالابداع وتتجاوز بكثير ماقد يعمد له بعض النقاد من صنع تقسيمات وتصنيفات للأجيال. وفي هذا السياق يبدو أن ماقاله الناقد الدكتور صلاح فضل في نهاية عام 2010 حول مسألة الأجيال الأدبية بحاجة لاعادة نظر وكذلك ماذهب إليه حينئذ من أن اثارة علاء الأسواني للمشاكل جزء من أهميته كظاهرة، فالحقيقة أن علاء الأسواني ليس بشخص مثير للمشاكل وإنما هو أقرب مايكون لظاهرة المثقف العضوي المرتبط دون إدعاء أو تكلف برجل الشارع وهمومه وقضاياه وبما يعيد أيضا للأذهان مقولة إن الكاتب الحقيقي هو صديق الشعب. وكما قال من قبل الناقد الدكتور سيد البحراوي فهناك فقر في المعايير النقدية تماما كما أن مسألة الأجيال في الكتابات الأدبية تعرضت لكثير من الخلط والتشويه لأنه لايوجد ببساطة بلد عليه أن يغير كتابه كل عشر سنوات، ففكرة التجييل ومسألة الأجيال بحاجة لفهم أعمق يصحح اعتقادات خاطئة لدى البعض بوجوب ازاحة الكتاب والمبدعين الكبار واغتيالهم معنويا بإغفالهم عمدا وترويض الذاكرة الجمعية على نسيانهم كما أن بعض المبدعين الكبار مثل نجيب محفوظ ويوسف ادريس وعلاء الأسواني لايجوز حصرهم في سجن تصنيفات الأجيال أو غيرها، إنما الصحيح في هذا السياق أن الجديد إبداعيا يستوعب ماسبقه ويبني تصورات جديدة وأكثر تطورا عبر الحوار الجدلي مع التصورات القديمة وامتلاك أفضل جوانبها وأكثرها ثراء ثم البناء عليها لاتقويضها واجتثاثها أو اقصائها. وفي الابداع لايوجد شيء أسمه القضايا الكبيرة والقضايا الصغيرة فمايسمى بالقضايا الصغرى عندما يتناولها المبدع تتحول إلى قضايا كبرى كما أن عملية الابداع ذاتها مازالت تشكل لغزا حتى للمبدع ذاته مثل هاروكي موراكامي الذي يقول إنه لايعرف كيف كتب بالضبط قصته الأخيرة «تزوكورو تازاكي الباهت» وكما قالها قبله المبدع المصري الراحل اسامة أنور عكاشة وهو يشير لعمله الدرامي التلفزيوني الأشهر:«لااعرف كيف كتبت ليالي الحلمية» حتى أنه يشعر بأنها تكاد تكون قد أمليت عليه، وسواء قال علاء الأسواني كيف كتب نادي السيارات أو اختار الصمت وعدم الخوض في تفاصيل العملية الابداعية فإن للابداع أن يشعر بغبطة لأن هذا الكاتب المصري حطم الجدار العازل البغيض بين الكلمة والشارع ليكون بحق صانع الطرب العام بفن الرواية المصرية.