الموت يدق أبواب هذه المحافظات.. لكن أهلها لا يعرفون.. كل ما يعرفونه أنهم من أصحاب المحافظات المحظوظة بزراعة الأرز فى مصر.. ولم يخطر على بالهم أنهم سيدفعون ثمن هذه "المحظوظية" بأمراض مزمنة تفتك بصحة أطفالهم بسبب السحابة السوداء التى تنتج عن حرق قش الأرز فى هذا الوقت من كل عام. اليوم لا يوجد موطئ قدم فى أى مستشفى أو عيادة أطفال.. جميعها ممتلئة بأطفال بُحت صدورهم وعلىَ سعالهم بالتهاب رئوي أو حساسية صدر مفرطة.. أطفال تكاد صدورهم تتوقف عن التنفس بسبب الاختناق والتلوث الذي يملأ هذه المحافظات. الكارثة الأكبر بمحافظات زراعة الأرز السبع: كفرالشيخ والقليوبية والشرقية والدقهلية والغربية والبحيرة ودمياط التى تتميز بزراعة الأرز، نظرًا لصلاحية تربتها لنمو هذا المحصول، لكنها أطفالها تعانى من أخطاء جسيمة يرتكبها الآباء متمثلة فى السحابة السوداء الناتجة عن قيامهم بحرق القش. نالت "محافظات الأرز" السبع نصيب الأسد من تلك السحابة السوداء، وكذلك الأمراض التى تخلفها وراءها. ولم تنج محافظة القاهرة من السحابة ولكنها حظيت بنصيب أقل من هذه المحافظات، حيث تمتد غيامها إلى بعض الأماكن الزراعية المتاخمة للقاهرة الكبرى. وذلك وفقا لغرفة عمليات وزارة البيئة، والتى لفتت إلى اقتراب السحابة السوداء من محافظتي القاهرة والجيزة. المستشفيات الحكومية بالمحافظات السبعة غالبيتها تقف أصحت عاجزة عن توفير جلسات التنفس الصناعى بسبب زيادة عدد الأطفال المصابين ب"أمراض السحابة السوداء" المتمثلة فى حساسية الصدر المزمنة والالتهاب الرئوي ومضاعفاتهما، وهو الأمر الذى يضطر أهالى هذه القرى والمحافظات إلى شراء أجهزة التنفس من أموالهم الخاصة. زيارة واحدة لأى من هذه المستشفيات الحكومية أو عيادات الأطباء الخاصة،وستكشتف على الفور حجم الكارثة، أمهات يجلس متراصات حاملين لأطفالهن بانتظار دورهن فى العرض على الطبيب، روشتة العلاج التى يصفها الطبيب هى نفسها التى يصفها لكل أم، وجميعها لعلاج حساسية الصدر، وموسعات للشعب الهوائية، وجلسات العلاج بالأكسجين. "منهم لله الفلاحين..المستشفيات بقت مليانة أطفال مريضة بضيق فى الشعب بسبب حرقهم للقش والسحابة السوداء".. هكذا بدأ الدكتور محمود حبوشة، رئيس قسم طب الأطفال بمستشفى منية النصر المركزى بالدقهلية حديثه، قائلا: السحابة السوداء من أهم أسباب حالات الاختناق والارتباك فى الجهاز التنفسي للأطفال فى هذه الأيام، حيث يرتفع معدل الإصابة بمرض الربو وتقلص الشعب الهوائية لدى الأطفال بشكل كبير خلال هذه الأيام، بسبب قيام الفلاحين بحرق قش الأرز وتكون السحابة السوداء، و أن الأطفال هم الأكثر عرضة للإصابة بأمراض الصدر خلال هذه الفترة نظرًا لأن الشعب الهوائية لديهم أضيق والعضلات أقصر عنها فى الكبار. يشرح حبوشة، وهو استشارى طب الأطفال، سبل وقاية الأطفال من هذه الأمراض، قائلا إن الأطفال المصابين لابد أن يبتعدوا عن الأتربة والأدخنة وأى تغيرات مفاجئة فى درجة حرارة المناخ، ولكن كلها سبل لتقليل حدة نوبات الاختناق ولكنها لا تمنع حدوثها المؤكد. ومن جانبها قالت الدكتورة كوثر حفني، رئيس الإدارة المركزية للأزمات والكوارث البيئية بوزارة البيئة، إن هناك مشروع يسمى "المزارع الصغير" ويهدف إلى تحويل نحو 100 ألف طن قش أرز إلى سماد وأعلاف بيتم بالتعاون مع وزارة الصناعة، كما يتم من خلاله تعليم الفلاح صناعة الأعلاف والأسمدة من قش الأرز. مشيرة إلى أن المشروع نجح فى الهروب من غلاء أسعار الأسمدة لأنه أصبح يصنعها بنفسه من قش الأرز بدلا من حرقه وإضرار البيئة. وأضافت كوثر، أن مشكلة السحابة السوداء كبيرة جدا حيث أن كل فدان أرز ينتج نحو 2 طن قش على الأقل. وتابعت: "الوزارة تبحث حاليا عن شركات تتبني جمع وكبس قش الأرز، فمثلا إذا كان الفلاح لديه 500 ألف طن قش أرز، والشركة هتاخد 300 ألف طن –الكمية المطلوبة- سيقوم الفلاح بحرق باقى الكمية". حل أزمة السحابة السوداء يستهدف أن يكون هناك توسيع فى جمع وكبس قش الأرز، وكذلك التخزين الآمن – والكلام لكوثر الحفني- وهناك محاولات أيضا من قبل الوزارة للتعاون مع مصانع للأسمنت لخلط كميات من القش مع الوقود التى تستخدمه ويتم حرقه فى المدافن الخاصة بهم وبالتالى لابد من عرض القش على المصانع بأسعار مغرية. كما أكدت أن حل الأزمة يكمن أيضا في خطة للدولة لرفع الدعم عن الوقود، حتى تلجأ المصانع إلى استخدام بدائل الوقود المتمثلة فى قش الأرز والمخلفات الصلبة.