ربما تراجع التهديد الأمريكي بشن ضربات جوية ضد بلدهم في الوقت الحالي، إلا أن السوريين الذين يصطفون لاستخراج جوازات سفر في مكتب في وسط العاصمة دمشق لا يتركون شيئًا للصدفة. ووقف العشرات في طوابير أمس الثلاثاء ويعود كثيرون ليوم ثان طلبًا لجوازات سفر تحسبًا لانهيار المحادثات بشأن أسلحة سوريا الكيماوية أو أن تصل الحرب الأهلية الممتدة في البلاد مرة أخرى إلى قلب العاصمة. وفر بالفعل مليونان إلى بلدان مجاورة هربًا من إراقة دماء سقط فيها مالا يقل عن 100 ألف قتيل طبقًا لتقديرات الأممالمتحدة. ولا يزال أبناء دمشق يشعرون بقلق رغم تأجيل تحرك عسكري أمريكي ردًا على هجوم بالأسلحة الكيماوية في دمشق بعد أن رحبت سوريا باقتراح روسي بوضع مخزونها من الأسلحة الكيماوية تحت إشراف دولي وتدميرها. وقالت رغد وهي في الثلاثينيات من العمر ولديها ثلاثة اطفال "قررنا أن الوقت حان لاستخراج جوازات سفر للعائلة كلها". وسافرت عائلتها بالفعل إلى لبنان المجاور- حيث يستطيع السوريون الإقامة فيه دون وثائق سفر- في كل مرة "تسوء فيها الأمور هنا" لكنهم لا يستطيعون الذهاب لأبعد من لبنان بدون جوازات سفر. وتابعت "الآن ومع كل هذه الأخبار ماذا لو ذهبنا إلى لبنان ولم نستطع العودة؟ نحتاج إلى جوازات سفر تحسبًا لوضع لا يكون لنا اختيار فيه سوى السفر إلى بلد ثالث". ومضت تقول "في الوقت الحالي واستنادًا إلى أحدث الأنباء فنحن باقون إلى أن يتغير شيء ما". ورغد ليست الوحيدة التي تحتاط للمستقبل وتراقب التطورات عن كثب. ويواجه أولياء الأمور اختيارات صعبة مع عودة الدراسة الأسبوع القادم بعد عطلة صيفية طويلة. وتنتظر أميرة وهي في أواخر العشرينيات من العمر وأم لاثنين أن تصطحب ابنتها إلى الروضة في منطقة المالكي الراقية يوم الأحد. لكنها تبقي خياراتها مفتوحة كغيرها من السوريين الأكثر ثراء الذين يمتلكون ترف الاختيار. وقالت "لدينا مكان في بيروت لكنه يحتاج إلى بعض الإصلاح والتنظيف بدرجة كبيرة". ومضت تقول "في أسوأ الأحوال سنذهب إلى هناك ونعمل على إصلاحه لأيام قليلة ونستقر هناك. لكننا سنبقى هنا في الوقت الحالي". وفي نفس الشارع انتقل جنود ورجال مسلحون من أمن الدولة إلى مدرستين قبل نحو أسبوعين حين كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يستعد على ما يبدو لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا. ولا يزالون هناك. ويقول نشطاء إن المسلحين في المدارس والمساجد في أنحاء المدينة تركوا مواقعهم على أطراف العاصمة خوفًا من استهدافها. ورد جندي يحرس بوابة مدرسة على سؤال عما إذا كان يعتقد أن المدرسة سيتم إخلاؤها وتجهيزها في وقت مناسب لاستقبال الطلبة الأحد القادم قائلاً "إن شاء الله". وأدت الأنباء عن الاقتراحات الجديدة بإخضاع الأسلحة الكيماوية السورية لرقابة دولية مما قد يجنب سوريا التعرض لضربة جوية أمريكية إلى رفع قيمة الليرة السورية أمام الدولار في دمشق. وهوت الليرة في العامين الماضيين لكن سكانًا قالوا إنها تعافت أمس الثلاثاء الى 205 أمام الدولار من 260 حين بدت الضربات وشيكة. وكان سعر الليرة 47 أمام الدولار قبل اندلاع الانتفاضة السورية في مارس 2011 والتي تحولت إلى حرب أهلية. وأدى انخفاضها الكبير إلى ارتفاعات حادة في أسعار الغذاء والبنزين والاحتياجات الأساسية الأخرى. لكن مها وهي أم لخمسة وتعمل بشكل غير منتظم كمديرة منزل قالت إن تحسن سعر الليرة "لن يؤدي إلى تراجع الأسعار". ومضت تقول "رأيت سعر الدولار يتراجع من قبل لكن كل الأسعار ظلت على حالها أو تزايدت". وفي مكتب إصدار الجوازات صاح الموظفون في الناس أن يلزموا الطابور واختلطت أصواتهم بصراخ الرضع والأطفال الضجرين الذين ضاقوا ذرعًا بالإجراءات البيروقراطية. وقالت رغد التي يستغرق إنهاء إجراءات جوازات سفر أسرتها يومين "الله أعلم إذا كنا سنحتاجها. لكن من الأفضل استخراجها تحسبًا". ومن المقرر أن تهبط في ألمانيا اليوم الأربعاء طائرة تقل 107 من اللاجئين السوريين لتنقل المجموعة الأولى من نحو خمسة آلاف سوري آخرين قالت برلين إنها ستستقبلهم. واختارت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة المجموعة ونقلتها عن طريق لبنان. وضمت المجموعة يتامى وأرامل وأطفالاً وعشرات من المسيحيين الذين يشكلون أقلية في سوريا. وحثت ألمانيا دولاً أخرى في الاتحاد الأوروبي على استقبال المزيد من اللاجئين السوريين أيضًا ومنحت هي والسويد حق اللجوء لثلثي السوريين الذين يلوذون بدول الاتحاد الأوروبي. وتستقبل برلين نحو ألف سوري من طالبي اللجوء كل شهر- أي نحو 18 ألفًا منذ عام 2011- غالبيتهم من الذين لديهم أقارب يقيمون في ألمانيا. وفي المقابل لم تمنح فرنسا وهي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي ترغب في القيام بتحرك عسكري ضد سوريا، اللجوء إلا لنحو 700 سوري هذا العام وذكرت صحيفة لوموند الأسبوع الماضي أن فرنسا قالت للمفوضية العليا ردًا على طلباتها بقبول المزيد بأن شبكة الاستقبال لديها مشبعة.