يوم الجمعة يحظي على الدوام عند المصريين لاسيما المسلمين منهم بقدسية وروحانية خاصة، لكنه بات الآن علامة بارزة على حدث تاريخي غير مسبوق لن ينمحي أبد الدهر من ذاكرة مصر بل ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها، حيث شهد أسعد لحظات عاشها كل مصرى، بدءًا من ثورة 25 يناير وحتى 11 فبراير، الذى شهد تنحي الرئيس مبارك عن الحكم كأول رئيس يطاح به وهو علي قيد الحياة. وفي لحظة فارقة تشبث الغضب من نفوس المصريين، وقرروا علي غير اتفاق وفي لحظة واحدة تغيير وجه المستقبل والإطاحة بالنظام الحاكم البائد إلي غير رجعة، و جاء الإعلان عن يوم الجمعة 28 يناير؛ ليكون "يوم الغضب" ضد النظام عبر دعوة تبناها مجموعة من شباب مصر الإحرار علي "الفيس بوك" وهي دعوة استقبلها النظام باستخفاف دون أن يدرك أن وقت التغيير قد حان، وأن الشعب المصري الحر فاض به الكيل، وهبت الثورة واشتعلت وتصاعدت ضد نظام بائد و رجال أمن سعوا بكل قوة لسحق إرادة الشعب مستخدمين كامل عتادهم وذخيرتهم الحية وغازتهم المسيلة للدموع، فسقط الشهداء بالعشرات وهم يرون بدمائهم بداية قصة الحرية ونهاية عصر الفرعون والطغيان، ووقعت مواجهات دموية بين الطرفين انتهت باختفاء الشرطة ونزول قوات الجيش للدفاع عن وطن امتدت له يد السلب والنهب والنهب والتخريب بكل قسوة فى مشهد لن تنساه ذاكرة "جمعة الغضب". وودع المتظاهرون شهداء جمعة الغضب وهم أكثر عزمًا وإصرارًا، علي أن تكون الجمعة التالية هي "جمعة الرحيل" ومع زئير الشباب وتشبثهم بكل شبر علي أرض النصر بدأت جميع القوى السياسية والأحزاب التى غابت عن المشهد الأول إعلان تأييدها ومشاركتها في هذا اللحظات الفارقة في تاريخ الوطن ومع تباشير الساعات الأولى لجمعة الرحيل احتشدت شوارع وميادين وقري مصر من أقصاها إلي أدناها بمئات الألاف من المتظاهرين .. جميعهم رددوا كلمة واحدة ارحل .. الشعب يريد إسقاط النظام ولكن النظام استمر علي عناده ورفض الرئيس مبارك التنحى واكتفي ببيان مسكن أعلن فيه عن تعيينه للسيد عمر سليمان نائبا له، وتشكيل حكومة جديدة، لكن الشعب المتعطش للحرية لم يكن ليرضي بقطرات لا تروي ظمأه وواصل هبته وغضب رغم أنف مأجوري الحزب الوطني الذين سعوا في "موقعة الجمل" لإجهاض ثورتهم وإنهاء حلمهم، لكن الحلم كان قد كبر وبدأت شمس الحرية تلوح في الأفق وتقترب من الأيدي الحالمة بالمستقبل والنور والحرية؛ لينتهى هذا اليوم بغضب عارم من غالبية جموع الشعب وترحل شمسه بعد أن تعاهد الثوار علي الاستمرار في ساحة القتال حتي النهاية ومهما كان الثمن ويتساقط القتلي في كل ربوع مصر ومع كل قطرة دم تعلو الهمم ويكبر الحلم، ويتخذ المتظاهرون من ميدان التحرير رمزًا للتحرر والحرية، ويقررون عدم الرحيل منه إلا بالنصر أو الشهادة ويضرب الجيش المصري العظيم المثل في الوطبية والانحياز للشعب والدفاع عن الوطن ومقدساته ويحمي ثورة الأحرار بكل قوة ويحيي صمودها وشهداءها. وتأتي الجمعة الثالثة هى "جمعة الخلاص" وقبل انطلاقها بساعات يخرج مبارك ليعلن فى خطابه الثالث تفويضه نائبه عمر سليمان بصلاحياته طبقا للدستور، لكن ذلك زاد الثورة اشتعالا وكتب نقطة النهاية في تاريخ حاكم استأثر بسدة الحكم لمدة 30 عامًا كاملة وهبت جمعة الخلاص والنور والحرية والصمود وتدفق الملايين علي ميدان التحرير والتليفزيون وقصر العروبة وامتلأت ميادين المحافظات علي بكرة أبيها بالثوار والأحرار واهتزت مصر تحت أقدام ثوار الحرية، وبينما كان طائرة الرئيس وعائلته تحلق في السماء إلى وجهته، أخرج عمر سليمان ببيان تنحى مبارك عن الحكم وتسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لتنتهى جمعة الخلاص وتنطلق موالكب الفرحة تشرق شمس الحرية تحت رايات العالم وتهتف كل مصر .. تحيا مصر .. تحيا مصر.