لم يكن أحد يتخيل أن ذلك الوجه ذا الملامح الشبيهة بما نتصوره عن براءة الملامح الملائكية، من الممكن أن يتحول في يوم من الأيام، ليدخل معتركا سياسيا يثير غضب الكثير من جماهير الشاشتين والمسرح، بل وزاد أنه كان أحد الخطباء لإثارة الفتنة من على منصة ميدان رابعة العدوية. ذلك هو وجدى العربي هو الذي كان مثال الطفل البرىء "هاني" الذى بدأ حياته مع العملاق زكى رستم والفنانة فاتن حمامة في فيلم "النهر الخالد"، أو الطفل الشقي "كمال بن السيد عبد الجواد والست أمينة". وتستمر رحلته في ذلك العالم لسنوات، ليقرر بعدها بزمن ليس بالقصير، ما يدعوه بالالتزام أو الاتجاه لتقديم أدوار تاريخية أو دينية. وإذ فجأة نراه يحيد عن المسار الفنى هنا أو هناك، ليتجه على استحياء في البدء للعمل السياسي ثم مقاتلا شرسا بدعمه لحملة الرئيس المعزول محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية، وينتهي طوره الأخير على مسرح بميدان رابعة العدوية ولكنه مسرح بلا دراما تمثيلية مكتوبة في نصوص مسرحية، فهوذا -بجد- يحمل كفنه على يده اعتراضاً على عزل مرسي بعد 30 يونيو. ولكن بعد أن فقد وجدي الأمل في عودة المعزول، بالفشل الذريع للتظاهرات التى كان يدعو لها أعضاء الجماعة ويحشدون لها يوم الجمعة 30 أغسطس، والتى أطلقوا عليها "جمعة الحسم" قرر أن يغادر البلاد ويحسم امره وحده ليسافر إلى تايلاند في رحله جديدة لا ندرى ماهو الدور المكتوب له فيها. ووجدى العربي الذى ينتمى لأصول عائلية فنية درجة أولى، قد واجه نقدا جماهيريا وليس من نقاد السنتما، خلال الأيام الأخيرة، ليس فقط لوقوفه على مسرح منصة رابعة العدوية بتأييده لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن بعدما ترددت أنباء عن استغلاله مدرسة شقيقته لجلب الأطفال اليتامى منها، من أجل الحشد في رابعة العدوية، إضافة إلى ما تردد عن استخدام المدرسة في تخزين الأسلحة، وهو ما دفع عددا من زملاء المهنة القدامى من أعضاء نقابة المهن التمثيلية، يطالبون بعزله من نقابتهم على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. ووالده كان فنانا عظيما وهو الراحل عبد البديع العربي،ذلك الذى ساهم في تأسيس "المسرح العسكري" واشترك في العديد من المسرحيات البديعة منها "راسبوتين" و"كرسي الاعتراف". إنه هو نفسه الوجه الوقور "المقنع" الذي أحبه جمهوره في أدواره التى لا تنسى لا سيما في فيلم "العار" فهو الحاج عبد التواب تاجر العطارة الذي لا يفرق بين تجارة البخور علنا والحشيش سرا، فأبدع عبد البديع لنا ذلك الدور الذي ترك بصمة لا تنسى في ذاكرة الأسرة المصرية وهي تتابع المصير المأساوى المكتوب على كل أعضاء أسرته السعيدة والذي بدأ مع موته فجأة في حادث سيارة في مقدمات الفيلم الشهير. ولا ننسى أن الأب الكبير، قد شارك في العديد من المسلسلات، لعل أشهرها مسلسل "غوايش" مع نبيل الحلفاوي وصفاء أبوالسعود. وللابن وجدى أشقاء عملوا أيضاً في الحقل الفنى مثل شقيقه الفنان محمد العربي صاحب الدور الأشهر في سينما السبعينات من خال شخصية الفتى اليافع "أحمد" في فيلم "حمام الملاطيلي" مع واحدة من أجمل جميلات الشاشة الفنانة المعتزلة شمس البارودي. وكذلك تنتمي إلى أسرة العربي الفنانة كاميليا العربي. ومن الجدير بالذكر أن أبناء "العربي" قد اعتزلوا جميعا الفن في فترات مبكرة نسبيا من أعمارهم، رغم ما حققوه من نجومية. تميز بطلنا وجدى بموهبة فطرية في أدائه على شاشة السينما، جعلته تلقائيا إلى حد كبير وقد بدا ذلك جلياً في فيلم "النهر الخالد"، لتتوالى أعماله بعد ذلك، ويقدم أفلام في صباه من بينها "بين القصرين"، "احنا بتوع الأتوبيس" مع نجوم الكوميديا الفنان عادل إمام، وعبد المنعم مدبولي، ويونس شلبي، و"مدرسة المراهقين" مع فؤاد المهندس وشويكار. بعد سنوات قليلة من عمله وجدى في الفن، وحصوله على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج، قرر أن "يلتزم" ويبتعد عن قبول أدوار فنية بعينها بل تضمنت أعماله مسلسلات دينية وتاريخية بالدرجة الأولى لعل باكورتها تجسيده للسلطان طومان باي في مسلسل "على باب زويلة" أو مسلسل "محمد رسول الله". وبين ظهور وخفوت ابتعد وجدي عن العمل نهائياً في السنوات الأخيرة، ربما بسبب ندرة إنتاج مثل هذه الأعمال. وجدى العربي كان دوره الأخير على مسرح دنيا الواقع، أحد أهم الداعمين للحملة الرئاسية للرئيس المعزول محمد مرسي كما أسبقنا، بل إن اللافتات التى كان يؤيده فيها كانت تملأ عرض الكثير من شوارع القاهرة، وكان عضوا منظما في المؤتمرات الصحفية التى كان يعقدها حزب "الحرية والعدالة" خلال فترة الانتخابات. ولعل حب وتمسك العربي باستكمال الرئيس المعزول لفترة حكمه، وجهده الذى بذله معه في حملته الانتخابية، جعلت يؤكد في حديثه سابق له ل "بوابة الأهرام"، تعليقاً على أحداث 30 يونيو "أن ما حدث ليس إلا مجرد خرق للشرعية، وأن البلطجة السياسية ملأت ميادين مصر، وأن جميع ما نزلوا في هذا اليوم، هم بالأساس ممولين. وبالأمس انتهت رحلة وجدى العربي بالقاهرة -على الأقل في الفترة الحالية- التى رفض فيها ما حدث وأسماه بالانقلاب وظل متضامناً مع معتصمى رابعة العدوية حتى لحظة فض اعتصامهم، وكان بعدها يأمل أن يعود مرسي إلى الحكم من جديد، لكنه خسر أيضاً ما كان يتبقي له من علاقات على المستوى الفنى، حتى أن مشروعه الفنى الذى كان يخطط له بعمل "سيت كوم رجالى!!" من إنتاج قناة "الحافظ" السلفية وكان من المزمع أن يعرض على شاشتها لكن المشروع الذكوري ذهب مع الريح أيضاً بعد أن أغلقت القناة تلك التى كانت ترى أن الفن لا يمكن أن يكون إسلاميا إلا بتمثل الرجال وللرجال فقط.