نشأت في الفترة الأخيرة، حالة من الحساسية السياسية من جانب القوى الثورية تجاه الخارج وتحديدًا الولاياتالمتحدة التي مازال موقفها السياسي من التغييرات السياسية بمصر يتسم بقدر عال من الغموض والارتباك السياسي، انتظارًا لما تؤول إليه الأمور. إذ أبدى عدد من شباب الثورة استياءهم من المواقف الأمريكية المتتالية بدءا من موقفها من مصر بعد 30 يونيه، مرورًا بالتلويح بإمكانية مراجعة برنامج المعونة الأمريكية لمصر، انتهاءً بالزيارة التي يقوم بها وليم بيرنز نائب وزير الخارجية الأمريكي لمصر حاليًا. موضحين أن الإدارة الأمريكية لا تستطيع قطع المعونة لكونها مؤسسة على علاقات شراكة إستراتيجية، مع الجانبين الأمريكي والإسرائيلي. فمن جانبه أوضح أحمد سيونى عضو حركة شباب 6 أبريل، أن المعونة الأمريكية لمصر لا تصرف في شكل أموال وإنما يتفق على إنفاقها في أوجه صرف محددة منها شراء قطع غيار أو صيانة للمعدات العسكرية أو نقل خبرة في مجالات معينة. وهذه المعونة منصوص عليها في اتفاقية كامب ديفيد على أن تمنح بالتساوي بين مصر وإسرائيل لكي تضمن التزام الجانب المصري بالسلام وتضمن نوعا من التوازن في التسليح مع إسرائيل. وأشار إلى أن أمريكا تعي جيدا أن مصر بإمكانها الاستغناء تمامًا عن المعونة، وإنها مطلب أمريكي أساسا قبل أن تكون مطلبا مصريا، فالولاياتالمتحدة يهمها أن تحتفظ بعلاقات إستراتيجية مع مصر لما لها من دور إقليمي واسع بالمنطقة العربية، كما أنها تستفيد في أمور أخرى مقابل هذه المبالغ. ولفت إلى أن ما أشعل الموقف بين مصر والولاياتالمتحدة مؤخرا هو أن الأخيرة لم تتعود على أن يقال لها أحد "لا"، مثلما حدث من قبل المجلس العسكري في قضية المنظمات الحقوقية، مشيدا بالموقف الوطني من قبل القائمين علي القرار المصري، ومطالبا بضرورة وجود موقف شعبي داعم للموقف الرسمي. ومن جانبه قال محمد عطية عضو المكتب السياسي لتكتل القوى الثورية أن أمريكا لا تقدر علي إلغاء المعونة الأميركية نظرًا لتشابك المصالح المشتركة بين البلدين، بالإضافة للرغبة الأمريكية بأن تظل مسيطرة على مقدرات التسليح المصري للجيش المصري، وتؤمن لإسرائيل التفوق على جميع جيوش الدول العربية. الأهم أيضًا أن يكون لها أوراق ضغط سياسية توجيه القرار السياسي المصري في اتجاهات تخدم مصالحها، واقتصادية المطالبة بعدم زرع القمح لاستيراده من أمريكا. موضحا أن مصر تستورد من أمريكا سنويًا ما قيمته 30مليار دولار أي أن المعونة عبارة عن نسبه خصم على مشتريات مصر تبلغ 3.5% وبالتالي فانه إذا علمنا أن حجم الناتج القومي لمصر 1300مليار جنيه سنويًا بما قيمته 216مليار دولار، فإن المعونة الأمريكية تمثل نسبة أقل 2/1% من قيمة الناتج القومي، وبالتالي ليس لها أي تأثير على مصر، والخاسر الأكبر من قطعها الولاياتالمتحدة، بسبب خروج مصر من تحت الهيمنة الأمريكية وعدم معرفة أمريكا وبالتالي إسرائيل، بمدى قوه وتسليح الجيش المصري واستطاعته، أن يطور عمليات تسليحه ليلحق بل ويتفوق على إسرائيل. كما أن مصر تستطيع أن تكتفي ذاتيا من القمح ومعظم الصناعات الغذائية دون ضغط من إسرائيل. وتستطيع مصر أن تستورد التقنيات الحديثة من دول شرق أسيا مثل اليابان والصين بدلا من فرض التكنولوجيا الأمريكية على مصر، ولذلك فإنه حال قيام أمريكا بالتلويح مره أخرى بإلغاء المعونة سواء الاقتصادية أو العسكرية فانه يجب على الحكومة المصرية وعلى رأس النظام المصري بأن يعلن بأن مصر لن تقبل معونات مره أخرى من أمريكا أو من غيرها، وبالتالي تتحرر مصر من العبودية الاقتصادية والعسكرية الأمريكية كما تم تحرير مصر عام 1954 من الاحتلال البريطاني. واستنكر عصام الشريف منسق الجبهة الحرة للتغيير السلمي الموقف الأمريكي بسبب عاملي الغموض والتهديد فيه، فهي حتى الآن مازالت في حيرة من أمورها وهل ما حدث في مصر ثورة شعبية أو انقلاب عسكري، وإلا أننا كقوى ثورية نقولها بصراحة أن وليم بيرنز غير مرحب به في مصر، وأن التدخل الأمريكي مرفوض بالشأن الداخلي المصري. وأضاف: ونرفض أيضًا أي تقييم يتعارض مع المصلحة الوطنية المصرية، ونؤمن بأن 30 يونيه هي أعظم ثورة في تاريخ مصر الحديث. مؤكدًا أن ما يحرك البيت الأبيض في هذه اللحظة هو المصالح الأمريكية فقط وليس حرصها على مبادئها أو قيمها التي تصدرها للعالم، ولا شك أن شعب مصر يفهم الآن لماذا تعانى الإدارة الأمريكية من الارتباك وعدم القدرة على اتخاذ قرار يمليه عليها الضمير الإنساني. وقال إن إدارة الرئيس باراك أوباما ما زالت تتخذ موقف العداء من ثورتنا وكرامتنا، إذ لم تتفهم إدارة الولاياتالمتحدة أن الشعب المصري لن يقبل تبعية مبارك أو انصياع محمد مرسى، أننا اخترنا كرامتنا الوطنية وسيادة قرارنا، ولا شك أن هذه المعاني لن تفهمها تلك الإدارة كل همها هو تفكيك الشرق الأوسط وإشاعة الفتن داخل مجتمعاته وقتل الأبرياء بأبشع الصور وبأصعب المعاني، فهي تساهم في تدمير الدول بإشعال الفتن والحروب الأهلية. وأضاف، أن الدور الذي تلعبه الإدارة الأمريكية وسفيرتها غير المرغوب في بقائها في مصر، عبر زيارة بيرنز يكشف لنا إصرار أوباما على سلوك مسلك المتآمرين على الحرية والعدل، وليس غريباً على إدارة تعتمد سفيرته آن باترسون أن تخترق الشرعية الدولية وأن تعترف أنها صاحبة الحق في تقرير تلك الشرعية، وأننا نؤكد أن الإدارة الأمريكية تعي أن ما قام في مصر هو ثورة، وليس مقبولا منها أو من سفيرتها أن تلعب أدواراً في الداخل تدفع الوطن إلى فتنه، أن الجبهة تدعو البيت الأبيض إلى الاعتراف بخطاه في التعامل في الداخل المصري وتطالب بسحب السفيرة الأمريكية من القاهرة، فوجودها بات عبأً على الداخل المصري، وبات دورها داخل الكواليس مكشوفاً ومرفوضاً، ونقول بكلمات واضحة، لو كان الرهان الأمريكي على الإخوان، فنقول لكم أن خياركم سقط إلى الأبد، وإن كانت حساباتكم ستجعلكم تختارون الفوضى كبديل عن فشل رؤيتكم فإننا نقول لكم أنكم تختارون نهاية بشعة للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط بشكل عام وفى مصر بشكل خاص. كما وجه رسالة مباشرة للإدارة الأمريكية قال فيها: إن طريقكم الحقيقي التعاون مع الشعوب وليس مع إطراف سياسية تتفق في الخفاء على أشياء لن تحققها إلا بخيانة وقهر شعوبها، وأننا نؤكد أن شعبنا منفتح على العالم يسعى للإسهام في تنمية حضارة العالم، ونحترم كل شعوب العالم، وبقدر احترامنا للشعب الأمريكي، فإننا لن نقبل فرض أي مصالح خارجية على حساب مصلحتنا الوطنية والقومية ومبادئ ثورتنا الشعبية. ومن جانبه قال هيثم الخطيب منسق اتحاد شباب الثورة إن التهديدات الأمريكية بقطع المعونة وقيامها في الفترة الأخيرة بتحريك السفن الحربية وإرسال بيرنز للقاهرة، مناورات سياسية وهى لا تستطيع بأي حال من الأحوال قطع هذه المعونة وأكبر دليل على ذلك ما قاله رئيس الأركان الأمريكي والذي قال فيها إن من المستحيل قطع العلاقات الإستراتيجية مع مصر. لكون الجيش الأمريكي في حاجه إليها فلا داعي بان تعتقد أمريكا أن تلك المحاولات الفاشلة المزعومة التي نعرف جيدا أنها في إطار التكتيك السياسي الذي لا يرهب الإرادة الأمريكية أو الشعب المصري.